يؤكد الخبراء العسكريون والاستراتيجيون في مختلف أنحاء العالم، أنّ عملية الاجتياح البرّي التي يعتزم الجيش الإسرائيليّ تنفيذها في قطاع غزّة، لن تكون بمثابة نزهة، إذ ينتظرهم المزيد من الكمائن في معارك المدن التي يبرع فيها عناصر حركة حماس على الأرض، غير أنّ التحدي الأكبر يتمثّل في معارك تحت الأرض، بفعل شبكة الأنفاق المعقّدة بالقطاع والمعروفة باسم "مترو غزّة". وإلى جانب سيطرتها ونفوذها على سطح الأرض في القطاع المحاصر، عززت حركة حماس خلال العقدَين الماضيَين من وجودها تحت الأرض، من خلال بناء شبكة أنفاق معقّدة وغامضة للغاية، تقول تسريبات إنها تمتدّ لنحو 500 كيلومتر تحت الأرض، حيث لعبت دورًا حاسمًا في إرغام الجيش الإسرائيليّ على التراجع عن الاجتياح البري للقطاع في عام 2014، بعد فشله في هدم الأنفاق، ومقتل 66 جنديًا وإصابة العشرات خلال 51 يومًا. وبحسب تقرير كتبه أستاذ التاريخ العسكري المقارن في كلية القيادة والأركان الجوية في الولايات المتحدة بول جي سبرينغر، لصالح معهد أبحاث السياسة الخارجية قبل أكثر من 8 أعوام، فإنه عادةً ما يركّز الاستراتيجيون العسكريون أثناء الحروب على 3 مجالات، هي الأرض والبحر والجو، ويتغاضون عن مجال رابع وهو معارك تحت الأرض، رغم أنّ الأنفاق استُخدمت لآلاف الأعوام كوسيلة للاقتراب السرّي تجاه قوات العدو، وأحدثت تأثيرًا حاسمًا عبر التاريخ في الصّراعات البشرية. إسرائيل تتدرّب على القتال تحت الأرضوعلى ما يبدو أنّ الجيش الإسرائيليّ أدرك أهمية التدريب على معارك تحت الأرض خلال الأيام القليلة الماضية، إذ تُجري وحدات خاصة تابعة للجيش تدريبات مكثّفة على القتال في الأنفاق، في إطار استعدادها لاجتياح غزّة بريًا، إذ نشرت وسائل إعلام محلية صورًا لقوّات خاصة يطلق عليها اسم "ابن عرس"، تقوم بتدريبات داخل أنفاق أُنشئت خصّيصا لتحاكي مترو أنفاق غزّة. ويعتبر المحلّل الأمنيّ والاستراتيجيّ الإسرائيلي آفي ميلاميد، خلال حديثه مع منصّة "المشهد"، أنّ الأنفاق في قطاع غزّة ليست بالأمر الغامض بالنسبة لبلاده، والتي تعرف بشأنها منذ زمن، مشيرًا إلى أنّ "التدريبات التي يجريها الجيش حاليًا، تأتي في إطار مواجهة هذا التحدّي خلال الاجتياح البرّي". ويضيف ميلاميد: "مكافحة الأنفاق تتطلب المزيد من التقنيات التكنولوجية والفنية والاستخباراتية، وهذا ما يملكه جيش الدفاع الإسرائيليّ بالفعل". بدوره، يقول رئيس المؤسسة العربية للتنمية والدراسات الاستراتيجية في القاهرة العميد سمير راغب، إنّ من الطبيعي أن تقوم القوات الخاصة بتدريبات القتال تحت الأرض وفي الأنفاق، "لكنّ المقياس الأساسيّ لفاعلية هذه التدريبات، يظهر جليًا خلال التنفيذ في أرض المعركة"، معتبرًا خلال حديثه مع منصّة "المشهد"، أنّ "أنفاق غزّة تمثّل نموذجا غير مسبوق وليس هناك ما يشبهها تمامًا حتى تتمكن أيّ قوة من اكتساب الخبرات القتاليّة في مواجهة عناصر حماس".وواجهت الولايات المتحدة تحدّيات كبرى خلال المعارك التي جرت تحت الأرض خلال حرب فيتنام وتحديدًا في أوائل عام 1967، حيث يؤكد تقرير معهد أبحاث السياسة الخارجية الأميركية، أنّ مقاتلي "الفيت كونغ" قاموا ببناء شبكة أنفاق هائلة وفّرت مأوى ضدّ القوة الجوية الأميركية، وسهّلت أسلوب الكرّ والفرّ في الحرب، وهو ما كان يُحبط القادة الأميركيّين باستمرار. ووفق التقرير الذي كتبه الجنرال السابق في الجيش بول جي سبرينغر، فإنّ الجيش الأميركي حاول القضاء على الأنفاق، وأنشأ قوات خاصة تسمى بـ"فئران الأنفاق" والتي سعت إلى إبطال الميزة الهائلة التي توفرها الأنفاق لقوات الجبهة الوطنية لتحرير جنوب فيتنام، حيث تم تدريبهم على الزحف تحت الأرض وتسليحهم بسكين، ومسدس، ومصباح يدوي، لكنهم لم يستطيعوا الصمود كثيرًا، وسعى الجيش إلى هدم هذه الأنفاق، والتي سرعان ما تمّ بناؤها مجدّدا وبعدد أكبر.تأجيل الاجتياح البرّي لغزّة سنوات!ونقلت وكالة "رويترز" قبل أيام عن مصدر إقليمي، لم تكشف عن هويته قوله، إنّ "مدينة أنفاق غزّة تجعل أنفاق الفيت كونغ في فيتنام تبدو كلعبة أطفال. لن يقضوا على حماس بالدبابات وقوة النيران". ويؤكد هذا أيضًا الخبير الاستراتيجيّ المصريّ سمير راغب، والذي يقول إنه لا يمكن التدرّب على معارك الأنفاق أو ما تحت الأرض خلال أسبوعين أو 3 أسابيع، مضيفا: "هذا النوع من المعارك يحتاج إلى فترات طويلة من التدريب. وإذا كانت إسرائيل ترغب في تحقيق مكاسب، يجب عليها تأجيل الاجتياح البرّي لسنوات عدة حتى تكون جاهزة". وتعهدت إسرائيل بالقضاء على حركة حماس في قطاع غزّة من خلال اجتياح برّي يحيط الغموض بموعده، ردًا على الهجوم الذي اقتحم فيه مقاتلو الحركة بلدات إسرائيلية في 7 أكتوبر، وأطلقوا النّار واحتجزوا رهائن في أسوأ هجوم على المدنيّين في تاريخ البلاد. ويرى الخبراء والمحللون الذين تحدثوا مع منصّة "المشهد"، أنّ إسرائيل ستتكبّد خسائر كبيرة خلال هجومها المتوقع على قطاع غزّة، حيث يقول المحلل الأمنيّ والاستراتيجيّ الإسرائيليّ آفي ميلاميد، إنّ هناك تحدّيًا كبيرا ومعقّدا بطبيعة الحال، "فعلى الرغم من التحدّي المتمثّل في استغلال حماس لسكّان غزّة كدروع بشرية، إلا أنّ معارك الأنفاق ستظلّ التحدّي الأهمّ والأبرز". ويضيف ميلاميد: "ومع ذلك، قوات الجيش الإسرائيلي لديها المزيد من القدرات لمواجهة هذا التحدي. كما نجح سلاح الجو خلال الأيام القليلة الماضية في تدمير هذه الأنفاق باستخدام تقنيات متفوّقة للغاية". ويؤكد الجيش الإسرائيليّ بشكل يومي، سواء في بيانات صحفية أو على لسان المتحدثين الرسميّين، على نجاحه في تدمير أنفاق بقطاع غزّة في إطار عمليات القصف المتواصلة منذ الهجوم المباغت لحركة حماس. لكن، ليس من الواضح عدد الأنفاق التي قام بتدميرها القصف الإسرائيليّ حتى اللّحظة، إذ يؤكد تقرير معهد أبحاث السياسة الخارجية المنشور عام 2015، أنّ البناء المستقرّ لأنفاق غزّة، جعلها منيعة أمام الضربات الجوية خلال غزو الإسرائيلي في 2014، وأثبتت أنها أكبر بكثير، وأعمق، وأطول ممّا كان متوقّعا.من ينتصر إسرائيل أم "حماس"؟ نفّذ الجيش الإسرائيلي منذ بدء الحرب توغلات برية محدودة في أراضي غزّة، لكن خلال هذا الأسبوع أُعلن للمرة الأولى مقتل جنديّ داخل حدود القطاع وإصابة 3 آخرين، حيث تقول حركة حماس إنها أوقعت "قوة إسرائيلية مدرّعة في كمينٍ محكم شرق خان يونس". ومن المتعارف عليه أنّ هذه المعارك في قطاع غزّة سيكون بها المزيد من الخسائر، بحسب ما يعتبر رئيس المؤسسة العربية للتنمية والدراسات الاستراتيجية العميد سمير راغب، والذي يقول: "هذا لن يمنع إسرائيل من اجتياح القطاع وحتى احتلاله في عملية طويلة وحتى معقّدة". ويضيف: "غير أنّ هدف القضاء على حماس أمر مستبعد بالمرة"، مشيرا إلى أنه لا مفرّ من عملية بريّة في القطاع، لكنّ "انتصار إسرائيل مرهون بقدرتها على تحمّل الخسائر ووضع أهداف أكثر وضوحًا من القضاء على حماس". ويتوقّع العميد سمير راغب استمرار العملية البرية في غزّة لفترة طويلة "سواء كان هناك أنفاق أم لا، لأنّ هذا النوع من معارك المدن يستمر لمدى طويل ويتحوّل إلى قتال مفتوح، كما أنّ القوات التي تقوم بالهجوم عادةً ما تتكبّد خسائر أكبر". ويعتبر الخبير الاستراتيجيّ المصريّ أنّ "انسحاب إسرائيل بفعل الخسائر أو إطالة أمد الحرب، يمثّل انتصارا لحركة حماس"، قائلًا: "أيّ خسائر تلحقها عناصر حماس بالجيش الإسرائيليّ تمثّل انتصارًا بالنسبة لها، وقد تدفعه إلى الانسحاب، وهذا يشكّل هزيمة. كما أنّ طول أمد العملية أيضًا يمثّل انتصارًا للحركة". على النّقيض، يرى المحلّل الأمنيّ والاستراتيجيّ الإسرائيلي آفي ميلاميد، أنّ الجيش الإسرائيليّ يعلم جيدًا أنّ الحرب ستسمر أسابيع أو أشهرًا في حال الاجتياح البرّي، قائلًا: "حقيقيّ هذه الخطوة ليست سهلة بكل تأكيد".وتتطلب أيّ محاولة لهدم الأنفاق في قطاع غزّة، دخول قوات برية إسرائيلية ووضع عبوّات تفجير بداخلها، بحسب أستاذ التاريخ العسكريّ المقارن في كليّة القيادة والأركان الجوية بالولايات المتّحدة بول جي سبرينغر، والذي يقول في تقريره المنشور قبل سنوات، إنّ هذا بطبيعة الحال ستقاومه "حماس" بكل الوسائل المتاحة.(المشهد)