على الرغم من وجود الكثير من الأزمات والتحديات التي فرضتها نفسها وبقوة على العديد من دول العالم خلال الأعوام الماضية، إلا أنّ التحدي الأكبر والأصعب بات يتمثّل في مفهوم "التغيّرات المناخية" فبحسب الكثيرين فإنّ هذا المفهوم يعدّ بمثابة شبح يطارد دول العالم بأسرها، ويهدد مستقبل الحياة بداخلها.لذلك تحظى ظاهرة "التغيّر المناخي "باهتمام عالميّ متزايد من قبل صانعي السياسات والاقتصاديّين والمهتمّين بقضايا البيئة وغيرهم، وذلك لإدراكهم مدى خطورة تهديد التغيرات المناخية لاستمرار حياة الانسان على كوكب الأرض من مختلف الجوانب. ووفقًا للكثير من الدراسات، فإنّ هناك قطاعات عديدة ستواجه مخاطر جمّة، بسبب التأثيرات السلبية للتغيّرات المناخية، وذلك نتيجة للعديد من المتغيّرات المناخية، والتي يتمثّل أبرزها في:تغيّر درجات الحرارة ومعدلات وأماكن هطول الأمطار.ارتفاع منسوب سطح البحر وتناقص الغطاء الجليدي.حدوث الكوارث المناخية المتطرّفة كالفيضانات والجفاف والأعاصير.ويُعدّ قطاع الزراعة من القطاعات الأكثر تعرّضًا لخطورة التغيّر المناخي، فالقطاع الزراعيّ هو الأكثر تأثرًا بظواهر التغيّرات المناخية، من تغيّر درجات الحرارة ومعدلات وأماكن هطول الأمطار، وما قد يصحبها من جفاف أو فيضانات، بالإضافة إلى زيادة معدلات التصحّر وتأثير ارتفاع منسوب سطح البحر على تآكل الأراضي الزراعية وارتفاع درجات الملوحة بها. ولا تُعتبر مصر بعيدة عن هذه التغيّرات المناخية، فهي تبدو بالنسبة لمصر أكثر تعقيدًا، وذلك لأنها تقع في المنطقة القاحلة وشبه القاحلة من العالم، وتصنّف مصر حاليًا بأنها واحدة من أكثر الدول المعرّضة للمخاطر الناتجة عن تأثيرات التغيّرات المناخية، وذلك بالرغم من أنها من أقلّ دول العالم إسهامًا في انبعاثات غازات الاحتباس الحراريّ عالميًا بنسبة 0.6% من إجماليّ انبعاثات العام. وبحسب خبراء في مجال المناخ تحدثوا لمنصة المشهد، فإنّ قطاع الزراعة في مصر يعدّ واحدًا من أهمّ القطاعات التي سوف تتأثر بشكل كبير بالتغيّرات المناخية وآثارها الضارّة. ففي البداية يقول مستشار برنامج المناخ العالميّ والأمين العام لخبراء الاتحاد العرب الدكتور مجدي علام، إنّ المناخ في مصر تغيّر خلال العشرين عامًا الماضية بمقدار 1.5-2 درجة مئوية، والتقلبات الكبيرة في الطقس، تأتي ضمن أزمة تغيّر المناخ بمصر، مشيرًا إلى أنّ موقع مصر الجغرافيّ وهشاشة مناخ البلاد، يفاقمان من تأثير التغيّرات الطفيفة في الأحوال الجوية.تأثيرات مباشرة ستلحق بالزراعة وفي ما يخصّ تأثير التغيّر المناخيّ على وقع القطاع الزراعي داخل البلاد، أوضح علام أنّ الزراعة من أكثر القطاعات التي سوف تتأثر بشدة، بسبب التغيّرات المناخية الحاصلة، حيث إنّ مكوّنات قطاع الزراعة كافة من تربة وماء ومناخ، مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالتغيّرات المناخية بداية من التأثير على خواصّ الأرض الطبيعية والكيميائية والحيوية، ومرورًا بانتشار الآفات والحشرات والأمراض وغيرها من المشاكل. ووفقًا لمستشار برنامج المناخ العالمي، فإنّ التغيرات المناخية ستُحدث تأثيرات سلبية ومباشرة على القطاع الزراعي في مصر، ومن أبرز هذه السلبيات:تغيّر المواسم الزراعية. نقصان معدل إنتاجية المحاصيل الزراعية وانتشار الأمراض النباتية، الأمر الذي قد يُسهم في زيادة تكاليف الإنتاج بشكل كبير. ملوحة التربة وزيادة معدلات البخّر، وبالتالي زيادة الكميات المستخدمة من المياه.وحول أبرز المحاصيل الزراعية تأثرًا بالتغيرات المناخية، كشف علام أنّ أغلب السلع الزراعية الاستراتيجية سوف تتأثر إنتاجيّتها سلبًا بتلك التغيّرات ومن بين هذه السلع: القمح: حيث يُعدّ أحد أهم المحاصيل في مصر على الإطلاق، ومنه يُصنع الخبز المحلّي الذي يُعتبر الغذاء الرئيس لعموم المصريّين، ويشير علام إلى وجود دراسة تؤكد أنه في حال ارتفعت درجة الحرارة العالمية 2 درجة مئوية، فإنّ إنتاجية محصول القمح سوف تقلّ نحو 9%، وسوف يصل معدل النقص إلى نحو 18%، إذا ارتفعت درجة الحرارة نحو 3.5 درجة مئوية، إضافة إلى أنّ الاستهلاك المائيّ للقمح، سوف يزداد نحو 2.5% مقارنة بالاستهلاك المائيّ الحالي. فول الصويا: ويري علام أنّ إنتاجية محصول فول الصويا، سوف تتأثر بشدة وقد يصل متوسط معدل النقص على مستوى الدولة بحلول منتصف هذا القرن، نحو 28%، بينما استهلاكه المائيّ سوف يزداد بنحو 15%. الطماطم: وتعدّ الطماطم من المحاصيل الزراعية الحساسة في مصر، ومن المتوقع انخفاض إنتاجية الطماطم نحو 14%، إذا ارتفعت درجة الحرارة نحو 1.5 درجة مئوية، في حين أنّ هذا النقص سوف يصل إلى رقم ضخم قد يتعدى الـ 50%، إذا ارتفعت درجة الحرارة إلى 3.5 درجة مئوية. السكر: ويري علام أنّ السكّر لن يسلم هو الأخر من التغيّرات المناخية، حيث إنّ إنتاجية محصول قصب السكّر سوف تتأثر بشكل كبير بسبب ارتفاع درجات الحرارة، وقد تنخفض نحو 25%، كما أنّ استهلاك السكّر المائيّ سوف يزداد 2.5%. تخوّف من تناقص الرقعة الزراعية وتغيّر المواعيدجانب أخر من التأثيرات التي من المنتظر تسبّبها التغيّرات المناخيّة على قطاع الزراعة في مصر، ويتعلّق بمساحة الرقعة الزراعية، إذ إنّ ارتفاع مستوى سطح البحر يترتّب عليه غرق بعض الأراضي الزراعيّة الصالحة للزراعة والخصبة في شمال الدلتا، والتي تقدّر بمساحة لا تقلّ عن 4.1 مليون فدان من أراضي الدلتا، وهو ما يمثّل 25% من الأراضي الزراعية، بالإضافة إلى ارتفاع مستوى الماء الأرضي لحدّ كبير في بعض الأراضي، بالإضافة إلى تسرّب مياه البحار المالحة إلى الأراضي الأخرى، ما يؤثر سلبًا على المساحة الكليّة للرقعة الزراعيّة.أمّا الخبير في المجال الزراعيّ على خطاب فيقول، إنّ التغيّرات المناخيّة لن تتسبّب في انخفاض إنتاجية المحاصيل وخسارة الرقعة الزراعية فحسب، بل سوف تتسبّب في تغيير مواعيد زراعة بعض المحاصيل، لأنّ تغيّرات المناح تسمح بالنموّ في هذا التوقيت، مدللًا كلامه بأنّ محصول القمح كان يتمّ زراعته في النصف الثاني من شهر نوفمبر، والآن يُزرع في نهاية ديسمبر وأوائل يناير، كما أنّ محصول القطن كان يتمّ زراعته في شهر مارس، أما الآن فيُزرع في شهر مايو، وتغيرت أيضًا مواعيد زراعة الفول البلدي من نوفمبر لديسمبر، حتى الأرزّ والذرة تغيّرت مواعيد زراعتها. انعكاسات إيجابية على محصول القطن وفي خضمّ كل هذه التحديات والتأثيرات السلبية المتوقّع حدوثها على القطاع الزراعي داخل مصر، نتيجة للتغيّرات المناخية، إلا أنّ هناك أمرًا إيجابيًا تحدّث عنه الخبير في مجال الزراعة، في ما يتعلق بالمحاصيل الزراعية، حيث رأى أنّ وقوع تأثيرات إيجابية على إنتاجية محصول القطن، فمن المتوقّع أن تزداد نحو17% عند ارتفاع درجة حرارة الجو نحو 2 درجة مئوية، وسوف تزداد أكثر الى نحو 31% عند ارتفاع درجة الحرارة 4 درجات مئوية، لكن في المقابل سوف يزداد الاستهلاك نحو 10% مقارنة باستهلاكه المائيّ تحت الظروف الجوية الحالية.حلول مقترحة لتخفيف الآثار السلبية ومن جهته حذّر مستشار برنامج المناخ العالميّ مجدي علام، من التراخي في التصدّي لمواجهة التغيّرات المناخية، مطالبًا بسرعة إيجاد حلول ناجعة وعاجلة لتلك التغيرات، حتى لا يتعرض القطاع الزراعيّ المصريّ لعواقب وخيمة، وفي الوقت نفسه قدّم عددًا من الحلول المقترحة لتجنّب الأضرار الناجمة عن هذه التغيّرات، ومن بين هذه الحلول: تحسين أساليب الزراعة.الاتجاه إلى تقليل مساحات المحاصيل المسرفة في الاستهلاك المائيّ لها، أو على الأقل عدم زيادة المساحة المقررة لها (مثل الأرز وقصب السكر).العمل على تغيير مواعيد الزراعة بما يتناسب مع الظروف الجوية الجديدة، وكذلك زراعة الأصناف المناسبة في المناطق المناخيّة المناسبة لها. استنباط أصناف من المحاصيل مبكّرة النضج، وقادرة على أن تتحمّل الحرارة العالية والملوحة والجفاف، وهي الظروف التي سوف تكون سائدة تحت ظروف التغيّرات المناخية. التوسع في مشروعات تحلية مياه البحر ومعالجة مياه الصرف الصحي، لمعالجة النقصان الحاصل من المياه المخصّصة للزراعة.كوب 28 فرصة جيّدة للحدّ من التغيّرات المناخيةوحول أهمية مؤتمر الأمم المتحدة السنويّ الـ28 لتغير المناخ "كوب 28"، والذي يُعقد حاليًا في دولة الإمارات العربية، أوضح خبير الجيولوجيا والموارد المائية الدكتور عباس شراقي، أنّ هذا المؤتمر يُعدّ من أهمّ مؤتمرات المناخ بسبب التحديات الجسام التي يتعرض لها كوكب الأرض في ظل التغيرات المناخية التي تتصاعد وتيرتها يومًا بعد يوم، كما أنه يمثّل فرصة جيدة للعمل على تضافر مختلف الجهود لمعالجة التحديات المناخية، والحدّ منها، والتي باتت تهدد دول العالم، حيث تبرز أهمية هذا المؤتمر في التجمّع الكبير الذي سوف يضمّ العديد من الخبراء والنشطاء في مجال المناخ من دول العالم كافة. وطالب شراقي بضرورة الإقدام في هذا المؤتمر على اتخاذ الإجراءات الكافية من أجل العمل على تقليص انبعاثات الغازات الدفيئة، وذلك عن طريق التخلص التدريجيّ من الوقود الأحفوري، ووقف إزالة الغابات، إضافة إلى توسيع ضمان الانتقال العادل والمنصف إلى الطاقة المتجددة، ومساعدة الناس على التكيّف مع تأثير أزمة المناخ، كما طالب بإيجاد حلول تطبيقية عاجلة لمواجهة التغيّرات المناخية، والتكيّف معها ودعم الدول المتضررة منها. ويري شراقي أنّ "كوب 28" يضع الدول الكبرى والمتقدمة أمام مسؤولية كبيرة، تتمثل في حماية البشرية من الدمار والفناء بسبب عدم الاهتمام الكافي بجهود الحدّ من غازات الاحتباس الحراريّ التي أصابت العديد من الدول الفقيرة والنامية بالجفاف والتصحّر. وتواجه دول العالم العديد من التحديات المتعلقة بالتغيّرات المناخية، التي باتت واقعًا ملموسًا يؤثر بشكل لا ريب فيه على مجالات الحياة المختلفة، وهو الأمر الذي يتطلب معه بذل جهود واسعة النطاق للحدّ من مخاطر تلك التغيّرات المناخية.(المشهد)