منذ أسبوع تقريبا رُفعت المفاوضات بين وفدي الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في مدينة جدة، إلى ما بعد عيد الأضحى، وهي المفاوضات التي تجري بوساطة سعودية-أميركية بهدف إيجاد حلول لإيقاف القتال وإيصال وتوزيع المساعدات الإنسانيّة في البلاد التي تعاني أوضاعا إنسانية واجتماعية قاسية. وحتى اللحظة لم يُعلن عن استئناف المفاوضات مرة أخرى، أو تحديد أيّ موعد لها، بحسب ما أبلغ مسؤول رفيع في وزارة الخارجية السودانية قناة ومنصة "المشهد". وقال المسؤول في تصريح مقتضب: "الدولة السودانية لم تستلم حتى الآن أيّ مقترح بموعد استئناف مفاوضات جدة بين الجيش وقوات الدعم السريع". ويشهد السودان منذ 15 أبريل الماضي، معارك بين الجيش بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي"، إذ أدى النزاع إلى مقتل نحو 2,800 شخص ونزوح أكثر من 2.8 مليون، من بينهم 600 ألف سوداني لجأوا إلى دول مجاورة، وفق بيانات المنظمة الدولية للهجرة. تعثّر الوساطة منذ 6 مايو الماضي ترعى السعودية والولايات المتحدة محادثات بين طرفي النزاع في السودان، والتي أفضت إلى اتفاقات هُدن عدة، لكن سرعان ما كان يتم اختراقها، الأمر الذي دفع الرياض وواشنطن للقول في بيان مشترك إنهما تشعران "بخيبة أمل" بسبب الانتهاكات. وهدد الوسيطان بتأجيل المحادثات، التي استمرت بشكل غير مباشر منذ منتصف يونيو الماضي، إذا تواصل القتال بين طرفي النزاع في السودان، وهو الأمر الذي يبدو أنه تحقق خلال الأيام القليلة الماضية، حيث إنه لم يعلَن عن أيّ هدنة خلال عيد الأضحى بوساطة الرياض وواشنطن، فيما أعلن كل طرف عن هدنة من جانبه في أول أيام العيد. المحللون والمراقبون الذين تحدثوا مع منصة "المشهد"، يعتبرون أنّ المحادثات بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع برعاية الوسطاء، تحتاج لإنجاحها تقديم تنازلات من كلا الطرفين، والتيقن بأنّ هذه الحرب لن يكون فيها أيّ منتصر. ويقول المحلل السياسي السوداني عمسيب عوض خلال حديثه مع منصة "المشهد"، إنّ "فشل جولة المفاوضات أو نجاحها، يعتمد في الأساس على بنود الجولة وتدرّجها، ومدى مخاطبتها لجذور الأزمة، وقدرة الوسطاء على إلزام الطرفين بتقديم تنازلات حقيقية على الأرض". ويتفق مع هذا عضو المكتب السياسي لحزب المؤتمر السوداني فؤاد عثمان عبد الرحمن، والذي يقول لمنصة "المشهد": "الوصول إلى اتفاق يفضي لوقف شامل لإطلاق النار بكل أنحاء السودان، يتطلب إرادة صلبة ورغبة صادقة من الطرفين العسكريين المتصارعين". ويضيف عبد الرحمن الذي شغل سابقا منصب أمين أمانة العلاقات الخارجية في الحزب: "يجب أن يدرك قادة طرفي النزاع أنّ هذه الحرب عبثية ولا منتصر فيها، والخاسر الأكبر هو الوطن والمواطنون"، مطالبا "بتوقيع اتفاق شامل لوقف إطلاق النار، وأن يلتزم الطرفان بوقف كل أشكال الاختراقات المؤذية للمواطنين".من جهته يعتبر رئيس لجنة التحقيق في فض اعتصام القيادة العامة المحامي السوداني نبيل أديب، خلال حديثه مع منصة "المشهد"، أنّ إنهاء الحرب مشروط بتحقيق مزايا عسكرية لطرف، تجعل الطرف الآخر يفضل السلام على الاستمرار في القتال، مشيرا إلى أنّ مفاوضات جدة "هدفها محصور في التوصل لهدنة لأغراض إنسانية، ولم تنجح حتى الآن في ذلك، لعدم التزام طرفي النزاع بقواعد الهدنة".تدخلات خارجية وخلال الأسابيع القليلة الماضية تزايدت تحذيرات المنظمة الدولية من تفاقم الأوضاع الإنسانية والاجتماعية والصحية في البلاد، حيث يشهد إقليم دارفور بعضا من أسوأ أعمال العنف التي ترافقت مع انتهاكات إنسانية وجنسية، وجرائم قتل على أساس عرقي، وعمليات نهب واسعة النطاق. فيما أفادت وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل الحكومية، عن تسجيل حالات جديدة من العنف الجنسي ضد النساء في الخرطوم ودارفور، خصوصا في مدينة الجنينة مركز ولاية غرب دارفور. السودان بحاجة إلى اتفاق يستند إلى مطالب وغايات ثورة ديسمبر "المجيدة" في المطالبة بإنهاء ظاهرة تعدد الجيوش، بحسب ما يقول عضو المكتب السياسي لحزب المؤتمر السوداني. وهو أيضا ما يأمله المحامي نبيل أديب قائلا: "أتمنى نهاية الصراع في أقرب وقت ممكن، والعودة إلى المرحلة الانتقالية بغرض تأسيس نظام ديمقراطي".وقبل 4 أعوام قاد البرهان وحميدتي، مجلس السيادة الانتقالي الذي شُكل عقب إطاحة القوات المسلحة السودانية بالرئيس عمر البشير، بعد احتجاجات شعبية واسعة. غير أنه قبل أشهر اختلف الجنرالان في ما يتعلق بدمج قوات الدعم السريع في الجيش النظامي، إذ يرفض حميدتي التفريط في قواته التي تشكلت عام 2013 لمحاربة الجماعات المتمردة في أنحاء البلاد، نيابة عن الحكومة المركزية في الخرطوم. كما يرفض أيضا قائد قوات الدعم السريع، أن يكون قائد الجيش الحالي جزءا من أيّ سلطة مستقبلية في السودان، حين قال مستشار قائد قوات الدعم السريع محمد المختار في تصريحات له الشهر الماضي، إنّ "البرهان لا يمكن أن يكون جزءا من أيّ سلطة مستقبلية، وإنّ حميدتي لن يكون له دور سياسي، لكنه سيواصل قيادة قوات الدعم السريع". ويعتبر عضو المكتب السياسي لحزب المؤتمر السوداني، أنّ نجاح الوسطاء يتطلب عدم تدخّل أطراف خارجية، تدخلا مضرا يدعم طرفا على حساب الآخر، ليقول عبد الرحمن: "تدخّل الأطراف الخارجية قد يعقّد الصراع ويفتحه علي مصراعيه، وصولا لأن يتحول إلى صراع إقليمي تتضرر منه دول الجوار والإقليم ككل، أو أن يصبح السودان ملاذا أمنا للمجموعات المتطرفة والإرهابية". بدوره يقول المحلل السياسي عمسيب عوض، إنّ "الأزمة في السودان لها أبعاد تاريخية وسياسية وعسكرية مرتبطة بمحاور إقليمية ودولية متشابكة ومتباينة المصالح"، مضيفا: "استمرار الحرب مرتبط باستمرار داعميها أكثر من فشل الوسطاء". وعبّر البرهان ونائبه في مجلس السيادة في السودان مالك عقار الأسبوع الماضي، عن انفتاحهما على أيّ محاولات وساطة من جانب تركيا أو روسيا، رغم عدم إعلان أيّ جهود رسمية في ذلك الجانب. فيما لم تصدر أيّ تعليقات حول هذا الأمر من قائد قوات الدعم السريع. توسع دائرة الصراع منذ الساعات الأولى للهدنة الأحادية التي أعلنها كل طرف على حدة خلال أول أيام عيد الأضحى، يتواصل القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في الخرطوم وجزء كبير من دارفور غرب البلاد، حيث أفاد شهود عيان بأنّ هناك عمليات قصف واشتباكات متواصلة بين قوات طرفي النزاع. وتتركز المعارك بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني في العاصمة ومناطق قريبة منها، لكنها قبل شهر تقريبا طالت مدنا في غرب كردفان ودارفور، خصوصا مدينة الجنينة الواقعة في أقصى غرب البلاد. ويتوقع المحللون السودانيون خلال حديثهم مع منصة "المشهد" توسع دائرة الصراع في البلاد لمناطق أخرى، مع إصرار طرفي النزاع على تعزيز جهودهما الحربية، في ظل عدم وجود أيّ بادرة على جهود دبلوماسية لإيقاف القتال. ويرى عمسيب عوض، أنّ دائرة الصراع ف بلاده ستتوسع "في حال زيادة حدة الاقتتال في الخرطوم، وهذا ما يمكن أن نشاهده في الأيام القليلة القادمة". فيما يقول عضو المكتب السياسي لحزب المؤتمر السوداني: "كل تلك السيناريوهات متوقعة وتنذر بالخطر، ما لم يغلّب الطرفان المصلحة الوطنية العليا ويتجاوزان حساباتهما المضرة الضيّقة". ويضيف عبدا لرحمن: "إذا تطاول أمد القتال سيتوسع ليشمل معظم أقاليم السودان وينفتح على مصراعيه لننزلق إلي حرب أهلية طاحنة".بدوره يقول رئيس لجنة التحقيق في فض اعتصام القيادة العامة، المحامي نبيل أديب: "استمرار الحرب هو البديل لعدم التوصل لاتفاق. وهذا سيؤدي إلى مزيد من خراب مؤسسات الدولة والبنية التحتية الضعيفة بالفعل، ما يؤدي إلى امتداد الحرب إلى الدول المحيطة".ودعا قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان الأسبوع الماضي، الشباب، إلى الانضمام للقتال ضد قوات الدعم السريع، فيما نشرت حسابات القوات المسلحة السودانية على منصات التواصل الاجتماعي هذا الأسبوع، صورا قالت إنها لمجندين جدد. وقبل ساعات أعلن المتحدث باسم القوات المسلحة السودانية، عن "توجيه قيادات الفرق والمناطق العسكرية باستقبال وتجهيز المقاتلين" وذلك على خلفية دعوة البرهان الشباب للانضمام إلى القتال، في الوقت الذي تشير فيه وكالة "رويترز" للأنباء، إلى أنّ قوات الدعم السريع باتت تسيطر على الأرض في العاصمة الخرطوم.(المشهد)