ما إن يحل فصل الصيف، حتى يتجدد موعد الفلسطينيين في أرجاء الضفة الغربية مع ضائقة النقص الحاد في قطاع المياه الخاضع للهيمنة الإسرائيلية المطلقة، كطريقة مفتعلة للضغط على تفاصيل حياة الفلسطينيين بالتعطيش.جولة بالبلدات تجعلك تشعر بكميّة الظلم الذي يكابده الأهالي، حيث يعيشون بكميات قليلة من المياه بالكاد تكفيهم لمتطلبات حياتهم، وعلى مرمى حجر، تتمدد وتنتعش المستوطنات وينعم سكانها بالمياه، وتظل أشجارها خضراء طوال العام، مقارنة مع ذبول مزارع وأشجار الفلسطينيين.حرب المياهفقبل أيام خفضت شركة "ميكروت" الإسرائيلية، كميات المياه المخصصة لمحافظات الضفة الغربية بنسبة تتجاوز 50%، فالإجراءات الإسرائيلية التي تمنع الفلسطينيين من استغلال مواردهم الطبيعية خصوصًا المياه، تدفعهم لتعويض النقص من خلال شراء المياه من الشركة الإسرائيلية، حال يعكس المحنة العاتيّة التي تعصف بالفلسطينيين كل عام.وتعتبر مسألة المياه من القضايا الرئيسية في مفاوضات الوضع النهائيّ بين الفلسطينيين والإسرائيليين، إلا أنّ إسرائيل تتبع سياسة تمييزيّة في منظومة السيطرة على الفلسطينيين وفق مراقبين، تحاول استغلال المياه وفقاً لأجنداتها السياسية، التي ستهدّد استقرار وأمن المنطقة برمتها.وفي هذا الصدد، أشار مركز الإحصاء الفلسطيني، إلى أنّ:السلطات الإسرائيلية تسيطر على ما يزيد على 85% من المياه الفلسطينية بالضفة الغربية، قرابة 32% منها لصالح المستوطنات. إسرائيل هدمت ما لا يقل عن 500 بئر لتجميع المياه، ودمرت 100 نبع وعين.عدم استفادة الفلسطينيين من مياه الأمطار بفعل المنع الإسرائيلي من إقامة السدود لتجميع المياه."تعطيش" الفلسطينيينأظهر تقرير سلطة المياه الفلسطينية أنّ معدل استهلاك الفرد الإسرائيلي للمياه يزيد 3 أضعاف على الفرد الفلسطيني، إذ بلغت حصة الفرد الإسرائيلي نحو 300 لتر في اليوم، فيما يتضاعف المعدل للمستوطنين الإسرائيليين إلى أكثر من 7 أضعاف استهلاك الفرد الفلسطيني. وفي هذا الصدد، أكدّ مسؤول ملف مفاوضات المياه بمنظمة التحرير الفلسطينية د.شداد العتيلي لمنصة "المشهد" بأنّ "هذا الإجراء السنويّ من قبل إسرائيل بتقليص المياه، يعكس الحرب غير المنفصلة على الفلسطينيين في قطاع غزّة والضفة الغربية، يتم تقليص كميات المياه إلى أكثر من 50% وهي المياه التي نشتريها وندفع ثمنها، بالرغم من وجود مياهنا التي لاتزال إسرائيل تسيطر عليها، كنهر الأردن بمقدار 250 مليون متر مكعب، ومنع بناء آبار جديدة، والسيطرة على الآبار الجوفية، كل هذا يؤدي إلى ضعف فلسطينيّ في الحصول على إمدادات إضافيّة عندما تقلص إسرائيل المياه".واستكمل الخبير حديثه قائلاً "تعمّقت مشكلة المياه في قطاع غزّة بفعل توقف الإمدادات وشلل محطات الكهرباء، وهنا بالضفة الغربية قطع المياه عن آلاف المواطنين يتسبب بإرباك ومعاناة شديدة، حيث إنّ معدل استهلاك الفرد الفلسطيني للمياه أقل من الحد الأدنى الموصى به عالمياً حسب معايير منظمة الصحة العالمية البالغ 100 لتر في اليوم، وذلك نتيجة السيطرة الإسرائيلية على أكثر من 85% من المصادر المائية الفلسطينية، فيما تحرم إسرائيل الفلسطينيين من الوصول إلى المنطقة (ج) التي تشكل 60% من مساحة الضفة الغربية وفيها الإمكانيات لحفر الآبار، وتحول دون بناء السدود أسوة بدول العالم".حصار مائي فتاك وأوضح تقرير رسميّ لهيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية، أنّ أعداد الينابيع والآبار التي تم تجفيفها وإضعافها أو الاستيلاء عليها منذ 1967 تجاوز 300 نبع طبيعيّ و500 بئر ارتوازيّ. من جانبه يشكي المزارع الفلسطينيّ سليم عوينة من قرية بتير قضاء بيت لحم لمنصة "المشهد"، شحّ المياه السنويّ الذي تفرضه إسرائيل على الأهالي والمزارعين "إسرائيل تفتعل أزمة المياه في كل عام، بمحاصرتنا وتقنين مصادر المياه، خصوصًا في المناطق الزراعيّة المرويّة كالخيار والباذنجان بقرية بتير التي تشتهر بالخضراوات، وتجبرنا على شراء المياه، وهو أمر مكلف وغير مجدٍ بالنسبة لنا، بهدف هجرة الأرض، لتمرير مخططات المستوطنين الذين يتربصون بلقمة عيشنا، ويستولون على عيون الماء القريبة، كلها عوامل تؤدي لتراجع الإنتاج في فصل الصيف مقارنة بالشتاء".ويعاني عشرات آلاف من الفلسطينيين في محافظات الضفة الغربية، بفعل قطع المياه من قبل الجانب الإسرائيلي طوال العام خصوصًا في فصل الصيف، وتقول المواطنة مي سلامة 43 عاماً، وهي ربة منزل وأم لـ6 أبناء وتعيش في مدينة الخليل لمنصة "المشهد"، "مشكلة المياه هي الكابوس العصيب الذي يؤرقنا سنوياً، فبمجرد حدوث ذلك أتوقف عن معظم الأعمال المنزلية". ووصفت سلامة الأمر "بالمزعج للغاية، ويجعل حياتي وأفراد أسرتي خصوصًا الأطفال الصغار بالغة الصعوبة، فلا أعلم كيف سأتجنبها في ظل سوء الأوضاع الاقتصادية بفعل الحرب، وغلاء أسعار صهاريج المياه التي من المفترض أن تشتريها". وعلق الباحث والمحلل السياسي الإسرائيلي في الشؤون العربية موردخاي كيدار لمنصة "المشهد" بأنّ"السلطات الإسرائيلية عمدت منذ سنوات طويلة إلى تزويد القرى والبلدات العربية بالمياه وبشكل متواصل".وأوضح كيدار أنّه في السنوات الأخيرة وخصوصًا بعيد نشوب الحرب في قطاع غزّة، هناك تقليص واضح في تزويد الفلسطينيين بالمياه، لأنه: أولاً هناك مستحقات مالية كبيرة لا يقومون بدفعها لشركة "ميكروت" الإسرائيلية.ثانياً سرقة بعض الفلسطينيين المياه من الأنابيب بصورة غير شرعية للتجمعات السكانية. ثالثاً موجة البناء غير المرخص للفلسطينيين يزيد من استهلاك المياه.(المشهد)