دخل ملف حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة شهره الخامس من التوقيف دون أي استجواب أو تحقيق، في تهمة غسل الأموال والاحتيال والاختلاس المرتبط بشركة أوبتيموم إنفيست اللبنانية للوساطة. وغابت الأضواء عن هذا الملف المالي بسبب تصعيد الحرب بين إسرائيل و"حزب الله" في الصيف الماضي. قضية رياض سلامة باتت سياسيةوفي هذا الإطار، قالت مصادر مطلعة على الملف لـ"المشهد" إن القضية باتت اليوم مرتبطة بقرار سياسي واضح، وليس بمسار قضائي عادل وهناك جهات سياسية تتحكم بمفاصل هذا الملف، والقضاء في هذه الحالة "مُكبّل وغير مستقل". وذلك في إشارة إلى أن المشرفين على هذا الملف، لديهم علاقة مباشرة بـ"حزب الله" ويمارسون نفوذهم لضمان استمرار توقيف رياض سلامة من دون حل قانوني واضح.وكانت المدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون قد كتبت على منصة "إكس": "صباح الأوادم. لست أنا من يتحدث هنا، إنما الدكتور توفيق غاسبار من أبرز الاقتصاديين في لبنان، هو يتحدث عن سرقة 8 مليارات دولار أو بعبارة أخرى عن إخفاء مصير الأموال التي نتجت عن 45 عملية قام بها مصرف لبنان مع شركة أوبتيموم والعمولات الناتجة عنها والتي بلغت 8 مليارات دولار، يا أحبائي المودعين الذين لا يمكنكم أن تسترجعوا أموالكم. أليس من حقكم أن تعرفوا أين ذهبت الـ8 مليارات دولار؟". ويرى بعض المراقبين أن إخفاء مصير 8 مليارات دولار ليس من شأنه فقط حماية رياض سلامة والمجموعة التابعة له، إنما يقوّض مصداقية المصرف المركزي اللبناني والثقة الدولية به وبالقطاع المصرفي عموما، بما يوحي للمجتمع الدولي بأن منظومة الفساد لا تزال فاعلة في لبنان، الأمر الذي سيحول في التالي من دون وصول المساعدات من البنك الدولي أو من دول أخرى. محامي رياض سلامة، مارك حبقة، اعتبر في حديث لـ"المشهد" أن استمرار توقيف رياض سلامة يشكل تجاوزًا قانونيًا صارخًا وتعسفًا، ومشددًا على أنه لا يجوز إبقاء شخص موقوف لفترة طويلة من دون استجوابه في إطار التحقيق.وأضاف حبقة أن ادعاءً إضافيًا وُجّه ضد سلامة يتعلق بموضوع الإثراء غير المشروع، من دون التحقيق معه في هذه النقطة، مؤكدًا أن المستندات المقدمة في الملف تثبت أن حساباته في 2015 و2016 لم تتضمن مبالغ تصل إلى 44 مليون دولار كما يُزعم، ما يدل على أن التهم الموجهة إليه مبنية على أساس غير دقيق.وأشار إلى أن سلامة يحتاج إلى قرار إخلاء سبيل، وقد عرض دفع كفالة مالية بقيمة 67 مليار ليرة لبنانية، إلا أن الطلب رُفض، معتبرًا أن هذا الرفض يثير تساؤلات حول الخلفيات التي تعرقل الإفراج عنه، والتي باتت سياسية لا قانونية.رياض سلامة في المستشفىفي الجبهة المناهضة لرياض سلامة، تواصلت منصة "المشهد" مع القيادي في التيار الوطني الحر المحامي وديع عقل الذي أوضح أن "أوبتيموم" كانت جزءًا من عمليات مالية بقيمة 8 مليارات دولار، لافتاً إلى أن الشركة متورطة في عمليتين غامضتين بقيمة 111 مليون دولار، تميزتا بعدم الشفافية، وسط تبادلات مالية مكثفة بين مصرف لبنان وشركة أوبتيموم.وأضاف عقل في حديثه لمنصة "المشهد" أن رياض سلامة، من جهة، كان يمثّل مصرف لبنان، في حين كان شقيقه أنطوان سلامة، من جهة أخرى، يمثل شركة أوبتيموم، مما يثير تساؤلات حول طبيعة هذه العمليات. وأشار إلى أن مصرف لبنان منح قرضًا لشركة أوبتيموم، التي بدورها اشترت سندات خزينة وشهادات إيداع (CDs) من مصرف لبنان، ثم أعادت بيعها إليه، وهو ما اعتبره عمليات مالية غير مبررة ومجهولة الدوافع.وأشار إلى أن القاضية غادة عون تمكنت من تحديد وجهة مبلغ 111 إلى 115 مليون دولار، ما أدى لاحقًا إلى توقيف رياض سلامة، خصوصا بعد أن دخلت جهات دولية على خط التحقيق، حيث بدأت دول أجنبية بملاحقة البيانات المالية المتعلقة بهذه العمليات. وأضاف أن السلطات الأميركية مارست ضغطًا كبيرًا، نظرًا لأن العمليات تمت بالدولار، مما منح واشنطن صلاحية التدخل، ما أدى إلى تصاعد الضغوط الداخلية والخارجية لتوقيف سلامة.وأكد عقل أنه تم توقيف سلامة بمبلغ 50 مليون دولار، لأنه لم يعد ممكنًا تحمل الضغط على هذا الملف. لكنه لفت إلى أن توقف التوسع بالتحقيق غير مبرر.وأوضح عقل أن القاضي علي إبراهيم توقف عن متابعة الملف كعادته، فيما تأخرت جلسات التحقيق أمام القاضي بلال حلاوي في بيروت. كما كشف عن أن رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي مارس ضغوطًا لمنع استكمال التحقيقات، حيث طلب شخصيًا من المدعي العام التمييزي عدم متابعة الملف.وكشف عقل أن هناك كتابًا رسميًا صادرًا عن الأمين العام لمجلس الوزراء، ينص على ضرورة عدم تعاون الإدارات الرسمية مع القاضية غادة عون في هذا الملف، مما أدى إلى تجميد التحقيقات بقرار سياسي واضح.وفيما يتعلق بمصير الملف، أكد عقل أن رياض سلامة نُقل إلى مستشفى بحنس، وهو ما تحقق منه شخصيًا، معتبراً أن التصرفات التي تحصل في هذا الملف غير مقبولة، ويجب أن تتوقف، مطالبًا الرأي العام اللبناني بالضغط لكشف الحقيقة.قضية رياض سلامة معلّقة بسبب التشكيلات القضائيةفي موازاة ذلك، أكد الصحفي يوسف دياب، المطلع على ملف التحقيق، في حديث لـ"المشهد"، أن التحقيق لا يزال معلقًا، حيث لم يخضع مدعى عليهم آخرون في مصرف لبنان، من بينهم ميكي تويني ومروان عيسى الخوري، للاستجواب أمام قاضي التحقيق. وأوضح أن قاضي النحقيق ردّ الدفوع الشكلية المقدمة منهما، لكنها استؤنفت أمام الهيئة الاتهامية، التي لم تبت بعد في الملف، ما أدى إلى استمرار توقيف سلامة بموجب مذكرة صادرة عن القاضي بلال حلاوي.وأشار دياب إلى أن القضية لا تزال مفتوحة إلى أجل غير مسمى، لافتًا إلى أن حتى التشكيلات القضائية لن تغيّر في الأمر كثيرًا. وأضاف أن رياض سلامة لا يجب أن يتحمل وحده مسؤولية الإخفاقات المالية، رغم كونه مسؤولًا عن قراراته، مشددًا على أن الطبقة السياسية الفاسدة التي قادت البلاد إلى الانهيار ما زالت تتحكم في السلطة، وتستخدم القضاء أداةً في صراعاتها.(بيروت - المشهد)