لم تكن واقعة إطلاق النار بين جنود مصريين وإسرائيليين على الحدود المصريّة بمدينة رفح، هي الأولى من نوعها، فمنذ توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، في سبعينيات القرن الماضي، يشهد الشريط الحدودي الفاصل بين الدولتين الكثير من حوادث إطلاق النار المماثلة. وخلال أمس الاثنين، أدى تبادل إطلاق نار بين جنود مصريين وإسرائيليين، على الشريط الحدودي بمنطقة رفح إلى مقتل المجند المصريّ، عبد الله رمضان، فيما أعلنت مصر فتح تحقيق في الواقعة للوقوف على ملابساتها. وكان المتحدث العسكري المصريّ، العقيد أركان حرب غريب عبد الحافظ، قد أعلن الاثنين، عن إجراء تحقيق بواسطة الجهات المختصة حيال حادث إطلاق النار بمنطقة الشريط الحدويّ في رفح. وقال المتحدث العسكريّ المصري، في بيان له، "تُجري القوات المسلحة المصرية تحقيقات بواسطة الجهات المختصة، حيال حادث إطلاق النيران بمنطقة الشريط الحدوديّ برفح، ما أدى إلى استشهاد أحد العناصر المكلفة بالتأمين". ومنذ 7 أكتوبر الماضي، توّترت العلاقة بين القاهرة وتل أبيب على المستوى السياسي بشكل كبير بسبب الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، إلا أنّ المسؤولين في البلدين حافظا على الشعرة الفاصلة بين التوتر السياسي وإمكانية اندلاع مواجهة بين البلدين لما سيكون لها من تداعيات خطيرة على المنطقة بالكامل.الاشتباكات على حدود مصر وإسرائيلمحمد صلاحوفي التفاصيل، قال خبير الأمن القومي المصريّ، اللواء محمد عبد الواحد، إنّ واقعة أمس، ليست الأولى فسبقها وقوع حوادث عدة مشابهة، حيث قام مجند مصريّ بإطلاق نار على عدد من الجنود الإسرائيليين في معبر العوجة. خلال العام الماضي وبالتحديد في معبر العوجة، وقع إطلاق نار بين مجند مصري يدعى محمد صلاح وجنود إسرائيليين، أسفر عن مقتل 3 إسرائيليين، فيما أشارت وسائل إعلام إسرائيلية وقتها إلى أنّ المجند المصريّ تخطى الحدود المصرية وأطلق النار على جنود إسرائيليين. ولكن خبير الأمن القومي المصريّ، أشار في حديث لمنصة "المشهد" إلى أنّ مثل هذه الحوادث يتم احتواؤها سريعًا بعد تواصل الجهات المصرية والإسرائيلية. وحول واقعة أمس، أوضح عبد الواحد أنّ السلطات المصرية ما زالت تواصل تحقيقاتها للوصول إلى ملابسات الواقعة ودوافعها، لافتًا إلى ضرورة معرفة هل ما جرى نابع عن سلوك فردي مفاجئ أو أنه توّجه معد له مسبقًا أو أنه سلوك عدائي ممنهج. وأشار إلى أنّ التحقيقات ستكشف الكثير من التفاصيل لكي يتم اتخاذ الإجراءات المناسبة حيال هذه الواقعة، مُضيفًا: "هناك لجان أمنية مشتركة تحقق في الواقعة وبالتأكيد سيتم الإعلان عن نتائج التحقيقات". وأوضح أنّ التحقيقات ستبين ما إذا كانت عملية الاشتباك بناء على تعليمات من قائد السرية الإسرائيلية أم أنها كانت نابعة من موقف مفاجئ.سليمان خاطرواقعة الحدود مع رفح وقبلها معبر العوجة، سبقتها أيضًا وقائع مشابهة، وربما تكون واقعة المجند المصريّ سليمان خاطر هي الأشهر منذ معاهدة السلام بين القاهرة وتل أبيب. في 5 أكتوبر عام 1985، قام المجند المصريّ سليمان خاطر بإطلاق النار على عدد من الجنود الإسرائيليين، عقب محاولتهم صعود الهضبة التي كانت مكان حراسته، ما أدى إلى مقتل 7 منهم. وجرت محاكمة سليمان خاطر، إلا أنه توفي بعد أيام من الحكم عليه في شهر ديسمبر من العام نفسه، في ظروف غامضة، فيما جرى تداول روايات عدة تتعلق بانتحاره.خلال العام 1990، قام مجند مصري يُدعى أيمن حسن، بالتسلل إلى داخل مدينة إيلات الإسرائيلية وأطلق النار على حافلة جنود إسرائيلية وقتل 21 مجندًا وأصاب 20 آخرين وذلك بالتزامن مع "مذبحة الأقصى" التي راح ضحيتها عشرات الفلسطينيين على يد "المتطرفين الإسرائيليين".وعاد المجند المصريّ بعد تنفيذ عمليته وسلم نفسه إلى السلطات المصرية وجرت محاكمته وتم الحكم عليه بالسجن لمدة 12 عامًا.في العام 2004، قُتل 3 من قوات الأمن المصرية، بقذيفة إسرائيلية على الحدود مع قطاع غزة.في العام 2006، وبالتحديد في شهر يونيو، قُتل ضابطان من الشرطة المصرية، بنيران إسرائيلية على الحدود.العلاقات المصرية الإسرائيليةوقال خبير الأمن القومي المصري، إنّ واقعة المجند سليمان خاطر، تعد الأشهر خلال الثمانينات، ولكن أعقبها حوادث أخرى، تتعلق بتهريب المواد المخدرة، خلال السنوات الماضية.وأشار عبد الواحد، إلى أنّ مثل هذه الحوادث يتم احتواؤها بين الجانبين، خصوصًا وأن دوافع هذه الحوادث لم تكن ممنهجة.لكن ما تأثير واقعة أمس على العلاقات المصرية الإسرائيلية ودور مصر في التهدئة بغزة؟يجيب اللواء محمد عبد الواحد، بقوله: "لحين انتهاء التحقيقات يمكن القول إن مثل هذه الوقائع لا يمكن أن تؤثر على الدور المصري الرامي إلى وقف الحرب في غزة ولا في جهود الوساطة أو حتى اتفاقية السلام مع إسرائيل".ولفت إلى أنّ الحادث ناتج عن خطاب عدائي ممنهج يتم ممارسته خلال الأشهر الماضية في وسائل الإعلام الإسرائيلية، لافتًا إلى أنّ بعض المسؤولين الإسرائيليين حاولوا الزج باسم مصر في الحرب الدائرة في غزة أكثر من مرة. وتشن إسرائيل حربًا مُدمرة على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر الماضي، ما أدى إلى مقتل أكثر من 36 ألف شخص، بالإضافة إلى تشريد أكثر من مليونين آخرين، وتدمير كامل البنية التحتية في القطاع. وقبل أسبوعين، بدأت تل أبيب حملة عسكرية برية على مدينة رفح الفلسطينية، رغم التحذيرات الدولية والأممية من المخاطر الإنسانية الكبيرة التي قد يتعرض لها سكان القطاع المحاصرون. ورغم ذلك استمر الجيش الإسرائيلي في توغله وقصفه بعض المناطق، إلى أن قام بمجزرة قبل يومين بعد أن قتل أكثر من 40 شخصًا من النازحين الفلسطينيين، في رفح، وهو ما قوبل باستنكار واسع من المجتمع الدولي. ورأى خبير الأمن القومي المصريّ، أنّ حكومة الحرب الإسرائيلية غير راغبة في وقف الحرب، ولكنها تريد أن تجعل الحياة في قطاع غزة غير ممكنة، لافتًا إلى أنها أعلنت عن استئناف المفاوضات كنوع من التحايل وتضليل الرأي العام الدولي. وأشار إلى أنّ الطرفين ("حماس" وإسرائيل) يتفاوضان من منطلقات مختلفة ومتباينة، وبالتالي التوّصل إلى وقف إطلاق النار وصفقة لتبادل الأسرى من الأمور الشاقة والصعبة. وقال إن سلوك حكومة الحرب الإسرائيلية هو سلوك انتقامي يريد قتل أكبر قدر من الفلسطينيين وبالتالي يقوم بعمليات قصف مُركزة تجاه النازحين وهو ما جرى في خيامهم في رفح قبل يومين. (المشهد)