فضيحة بكل المقاييس هزت أعتى أجهزة الاستخبارات في العالم، حين كُشف عن وثائق أميركية عالية السرية تداولتها مجموعة صغيرة عبر الإنترنت تهتم بنشر "الميمات" والنكات والصور الساخرة، لتصبح أحد أهم التسريبات المخابراتية في التاريخ الحديث، بحسب ما جاء في تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال. ماذا حدث؟ في وقت ما خلال شهر يناير الماضي ومن دون أن يلاحظه أحد، بدأ عضو مجهول في مجموعة يزيد عددها على 10 بقليل على منصة "ديسكورد" في نشر ملفات وصف العديد منها بأنها سرية للغاية، وتقدم تفاصيل حول الحرب في أوكرانيا، وكذلك اعتراض اتصالات لحلفاء الولايات المتحدة، مثل إسرائيل وكوريا الجنوبية وتفاصيل الاختراق الأميركي للخطط العسكرية الروسية. وبقيت الوثائق، التي يبدو أنها كانت بالمئات، بين أعضاء المجموعة الصغيرة على منصة "ديسكورد" حتى أوائل مارس، قبل أن يعيد مستخدم آخر نشر عشرات منها إلى مجموعة أخرى ذات جمهور أكبر، ثم تم نقل ما لا يقل عن 10 وثائق إلى مجتمع أكبر يركز على لعبة الحاسوب "Minecraft". بمجرد ما انتبه العالم إلى الوثائق المسربة، سارع أعضاء مجموعات "ديسكورد" لحذف حساباتهم وتطهير خوادمهم خوفا من انتقام الحكومة الأميركية واهتمام وكالات الاستخبارات الأجنبية. وعلى الرغم من أن تسريبات الوثائق تكتيك شائع خلال الحرب في أوكرانيا، إلا أن المحللين اعتبروا نشر ملفات المخابرات الأميركية بشكل مباشر على منصة "ديسكورد" التي تقدم خدمات الدردشة عبر الإنترنت ويفضلها لاعبو ألعاب الفيديو، يمثل نمطا جديدا ومحيرا إلى حد ما. ما هي الوثائق؟ الوثائق المسربة عبارة عن صور ملتقطة لعروض تقديمية وملفات تمت طباعتها على ورق "A4" ويبدو أنها طويت مرتين ربما ليتم تهريبها من منشأة آمنة. ويمكن رؤية مجموعة متنوعة من العناصر في هوامش الصور، بما في ذلك التعليمات الخاصة بالتجهيزات العسكرية، وأيضا بعض التفاصيل التي يمكن أن تسهل عملية البحث عن الشخص الذي قام بتسريبها. ماذا جاء في الوثائق؟ وفق "وول ستريت جورنال" لم يتم التحقق من المستندات بشكل مستقل حتى اللحظة، لكنها تحتوي على تفاصيل كافية لمنحها المصداقية، إذ يقول مسؤولو الدفاع إنهم يعتقدون أن بعض الوثائق يمكن أن تكون أصلية. حتى الآن، ظهر ما يزيد قليلا عن 50 وثيقة تحمل علامات التصنيف السري والسري للغاية. فيما يقول محللون أمنيون إن الملفات الأكثر خطورة هي تقارير المعلومات الاستخبارية التي تم فحصها وتجميعها في تحديث استخبارات مركز عمليات وكالة المخابرات المركزية، وهي تتضمن معلومات عن المحادثات التي اعترضتها الولايات المتحدة داخل حكومات الحلفاء، مثل اتصالات قادة جهاز المخابرات الإسرائيلي "الموساد" والمناقشات بين أعضاء مجلس الأمن القومي في كوريا الجنوبية حول بيع الذخيرة حتى تصل إلى أوكرانيا. كما تضمنت الوثائق معلومات أكثر حساسية وتتعلق باختراق الولايات المتحدة للحكومة الروسية، حيث تحوي تفاصيل حول مناقشات وزارة الدفاع الروسية الداخلية بشأن توفير الذخيرة، إلى مجموعة فاغنر شبه العسكرية، وكذلك خطط المخابرات العسكرية الروسية لإثارة حملة مناهضة للغرب ومعادية لأوكرانيا في إفريقيا. وبشكل منفصل عن الحرب في أوكرانيا، أظهرت بعض الوثائق تقرير للمخابرات الأميركية يشير إلى دعوة قادة الموساد الإسرائيلي "المواطنين للاحتجاج على الإصلاح القضائي المقترح للحكومة الإسرائيلية الجديدة"، ما دفع ذلك جهاز الاستخبارات الإسرائيلي لاتخاذ خطوة نادرة تتمثل في إنكار ما جاء في التسريبات، ووصف هذه المزاعم بأنها "كاذبة ولا أساس لها على الإطلاق". مَن قام بالتسريب؟ مسؤولون أميركيون قالوا لوسائل إعلام محلية إن الولايات المتحدة تدرس حاليا مجموعة من الاحتمالات بشأن كيفية حدوث هذا الخرق، بما في ذلك قيام شخص لديه تصريح أمني شديد السرية بتسريب المعلومات أو اختراق أنظمة المخابرات الأميركية. وذكر مسؤولون حاليون وسابقون أن تحقيقات التسريب تبدأ عادة بتحديد من لديه حق الوصول إلى الوثائق، ويُحتمل أن المئات من موظفي الحكومة لديهم تصاريح أمنية من شأنها أن تمنحهم القدرة على عرض هذه الوثائق المسربة. المسؤول السابق في وزارة العدل مارك ريموندي أشار إلى أن مجموعة الأشخاص الذين يمكنهم الوصول إلى بعض المستندات والمعلومات عالية تزايد في السنوات التي أعقبت هجمات 11 سبتمبر في عام 2001، مؤكدا أن الكونغرس اعتبر أن عدم تبادل المعلومات الاستخباراتية كان أحد أسباب عدم كشف الحكومة الأميركية عن هذه الهجمات. ومنذ ذلك الحين، ركزت الجهود على مشاركة المعلومات الاستخباراتية على نطاق أوسع، وفق ما يقول مارك ريموندي، الذي هو أيضا رئيس مركز "Silverado Policy Accelerator" المتخصص في أبحاث قضايا الأمن والتجارة. ويضيف: "مع وجود تلك المجموعة الأوسع من الأشخاص الذين لديهم إمكانية الوصول، من الواضح أنك تخاطر بأن أحد هؤلاء الأشخاص قد لن يلتزم بالقسم الذي أداه". وذكر ريموندي أن تبادل المعلومات الاستخباراتية يظل أمرا بالغ الأهمية لحماية الولايات المتحدة وحلفائها، حتى لو كانت مصحوبة بمخاطر، قائلا: "هناك عدد ضئيل للغاية من حاملي التصاريح ينتهكون القواعد. ولكن عندما يحدث، يمكن أن يكون مدمرا". كيف علقت أميركا؟ يجري مكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة العدل الأميركية تحقيقات واسعة النطاق للحصول على إجابات حول كيفية ظهور عشرات الصور التي يُزعم أنها تعرض وثائق سرية على الإنترنت. وقال مسؤولون أميركيون إن التسريب يبدو أنه أحد أكثر الخروقات الاستخباراتية ضررا منذ عقود، حيث إنه يُعقد هجوم الربيع المضاد التي تعتزم أوكرانيا شنه على روسيا، كما من المرجح أن يحد من مشاركة الحلفاء الأجانب للمعلومات الحساسة مع حكومة الولايات المتحدة، وكذلك فضح مصادر وعملاء المخابرات الأميركية داخل روسيا والدول الأخرى. ويرى رئيس شركة "Global Situation Room" لاستشارات الأمن القومي بريت بروين أنه كان من المفترض أن تكون هذه الأنواع من الانتهاكات الأمنية واسعة النطاق شيئا من الماضي، مضيفا أن بلاده وضع ضوابط وفحوصات جديدة، إلا أنها "لم تكن كافيا وتحتاج إلى إعادة تفكير رئيسية ومراجعة لعملية الحماية السرية".(ترجمات)