في تجربة جديدة لنظام الحكم في تونس، توجه التونسيون منذ الساعة الثامنة صباح اليوم مجددًا إلى مراكز الاقتراع لاختيار ممثليهم في الانتخابات المحلية. وهذه الانتخابات المحلية، وهي الأولى من نوعها في البلد، تختلف عن الانتخابات البلدية ومجالسها تختلف عن المجالس المحلية التي كانت تركز سابقًا على اختيار ممثل عن كل عمادة (أصغر منطقة ترابية بحسم التقسيم التونسي). وينتخب التونسيون ممثلًا عن كل عمادة ليمثّلهم في المجالس المحلية. غرفة تشريعية ثانية وبحسب الدستور التونسي ستنبثق عن هذه المجالس المحلية مجالس جهوية ومنها سيتشكل مجلس الأقاليم والجهات. ويمثّل مجلس الأقاليم والجهات الغرفة التشريعية الثانية في البلاد وسيعمل إلى جانب مجلس النواب الغرفة التشريعية الأولى على المصادقة على القوانين والتشريعات في البلد. وقال الرئيس سعيّد صباح اليوم بعد إدلائه بصوته إنّ هذه المجالس ستكون أقرب للمواطن من مجلس النواب. كما أعلن عن قرب إصدار نص قانونيّ لتنظيم العلاقة بين الغرفتَين التشريعيّتين، موضحًا أنّ النظام القائم على غرفتَين تشريعيّتين معمول به في دول كثيرة وأثبت نجاحه. وشدّد الرئيس التونسي على أنّ هذه المجالس ستعكس إرادة المواطن وستنقل صوته بفضل سياسة القرب. وقال سعيّد إن هناك العديد من التجارب في العالم القائمة على غرفتَين تشريعيّتين، موضحًا أنها ستكون أقرب للمواطن وستنقل صوته وتلبّي تطلعاته ومطالبه. وأضاف أنها "ستعمل إلى جانب مجلس النواب من أجل تحقيق الاندماج المطلوب بين كل مختلف أطياف الشعب". وأكد سعيّد أنّ تونس بصدد بناء الجمهورية الثانية وستستكمل تركيز جميع مؤسسات الدولة وتطهيرها ممن قال إنّهم "عبثوا بها طيلة عقود". والنظام السياسيّ في تونس كان قائمًا في الغالب على غرفة تشريعية واحدة، لكنّ البلد ركز في نهاية حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي على مجلس للمستشارين كان أعضاؤه يتمّ اختيارهم عبر التعيين ومثّل حينها الغرفة التشريعية الثانية.الانتخابات المحلية لـ"إيصال صوتنا" وقال عدد من التونسيّين تحدثت لهم منصّة "المشهد"، إنّهم لا يملكون فكرة واضحة عن هذه المجالس لكنهم يأملون أن تساهم في تبليغ أصواتهم. وأكد ناخب كان يهم بمغادرة مكتب الاقتراع بمدرسة "نهج مرسيليا" بوسط العاصمة تونس بعد الإدلاء بصوته إنه يأمل أن يعمل من سيفوز في هذه الانتخابات على تلبية مطالب السكّان ونقل مشاغلهم.وأضاف "نريده أنّ يمثلنا وينقل مشاكلنا المتعلقة بالبنية التحتية والحياة اليومية"، وتابع "نتطلع إلى أن تحلّ هذه المجالس مشكلة البطالة وتساهم في خلق مشاريع توفر مواطن شغل لأبنائنا". ولا زالت صلاحيات هذه المجالس غير واضحة في أذهان التونسيّين بحسب ما أكد أغلب من تحدثت منصة" المشهد" إليهم. تنظيميّا رصدت منصّة "المشهد" حضورًا أمنيًا كبيرًا في أغلب مراكز الاقتراع التي زارتها، في حين كانت الحركة داخل أغلبها في الساعات الأولى بطيئة وعلى عادة الاستحقاقات الانتخابية في تونس كان جلّ المقترعين في بداية اليوم من فئة كبار السن. خطوة نحو التنمية وفيما قاطعت المعارضة وفي مقدمتها "جبهة الخلاص" (ائتلاف مكون من 6 أحزاب وحركة النهضة) الانتخابات المحلية، مؤكدة أنها خطوة أخرى نحو تركيز نظام سياسيّ قائم على البناء القاعدي كان أعلن عنه قيس سعيّد منذ حملته الانتخابية في عام 2019، شاركت أحزاب سياسية داعمة لمسار 25 يوليو في هذه الانتخابات ودعت أنصارها للمشاركة فيها. وترى الأحزاب الداعمة لهذه الانتخابات، أنها خطوة نحو تركيز الحكم المحلي ودعم التنمية في كل مناطق البلاد. وكشفت "حركة الشعب" أنّ لها مرشحين لـ70% من المقاعد، ودعا حزب "التيار الشعبي" للعمل على إنجاح هذا الاستحقاق الشعبي. وبدوره، دعا حزب" تونس للأمام" أنصاره للمشاركة في الانتخابات، وقال رئيسه سرحان الناصري لمنصّة "المشهد"، أنّ حزبه يدعم النظام القائم على غرفتَين تشريعيّتين. ويضيف أنّ إجراء الانتخابات المحلية هو خطوة نحو استكمال المسار السياسيّ الجديد لتونس بعد 25 يوليو 2021، لأنه يمهّد لانتخاب الغرفة التشريعية الثانية أي مجلس الأقاليم والجهات في انتظار تركيز المحكمة الدستورية. ويتابع أنّ الغرفة التشريعية الثانية سيكون دورها منحصرًا في المسائل التنموية، في حين سيتولى مجلس النواب المسائل التشريعية، ووفق المتحدث سيكون لذلك انعكاسات إيجابية على البرامج التنموية في البلد. ويشرح أنّ التجارب السابقة أثبتت ضرورة الفصل بين المهام بالنسبة للسلطة التشريعية "حتى لا يقع توظيف موارد الدولة خدمة للمصالح السياسية". ويزيد أنّ مجلس النواب ليس من مهامه الإشراف على السياسات التنموية وجلب الاستثمار التي ستكون من المهام الحصرية لمجلس الأقاليم والجهات. كما يؤكد أنه في ظلّ هذا النظام الجديد سيكون هناك دور رقابيّ للمجلسَين ما سيساهم في مكافحة الفساد. وبخصوص انتقادات المعارضة، يقول الناصري إنّ" النظام القائم على غرفتَين تشريعيّتين يختلف عن النظام القاعدي، الذي تدّعي المعارضة أن الرئيس سعيّد يسعى لتركيزه، لأنه يسمح بإشراك المواطن في اتخاذ كل القرارات التي تخصّه، وهو نظام يسمح حتّى للقرى الصغيرة بأن تكون ممثلة".تفاصيل الانتخابات المحلية في تونس وترشح لهذه الانتخابات 7205 مرشحًا سيتنافسون على 2155 مقعدًا، منهم 6177 مرشحًا يخوضونها بشكل مباشر، و1028 مترشحًا من الأشخاص حاملي الإعاقة وقعت منذ صباح اليوم قرعة بينهم لاختيار 279 عضوًا. ووفق قانون الانتخابات المحلية يختار من بين حاملي الإعاقة عبر عملية القرعة، في حين يختار بقية ممثلي المجالس عبر عملية الاقتراع. وتُجرى هذه الانتخابات في 8190 مركز اقتراع موزعين على 2155 دائرة انتخابية، وستفرز 279 مجلسًا ستكون النواة الأساسية لتشكيل المجالس الجهوية ومجالس الأقاليم، وصولًا إلى المجلس الوطنيّ للجهات والأقاليم (الغرفة الثانية للبرلمان). ودُعي لهذه الانتخابات أكثر من 9 ملايين تونسي، وبلغت نسبة المشاركة على حدود منتصف النهار بحسب الهيئة العليا للانتخابات 5.18%، وتغلق مراكز الاقتراع أبوابها في حدود الساعة السادسة مساء بحسب التوقيت المحلي.(المشهد)