في الوقت الذي اتفقت فيه أطراف الصراع في السودان، التي تضم القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع على هدنة مؤقتة هذا الأسبوع، بجهود أميركية سعودية، لا يزال القلق يساور المجتمع الدولي من وصول الأزمة العسكرية في السودان، إلى مرحلة تزعزع استقرار المنطقة.وسمح الهدوء للآلاف من سكان الخرطوم والزوار الأجانب بالفِرار من العاصمة، وعلى الرغم من تمديد الهدنة في ساعة متأخرة من مساء أمس الخميس، هزت الضربات الجوية والقذائف المضادة للطائرات المدينة مرة أخرى.وكانت وزارة الخارجية الأميركية قد قالت في بيان، إنّ الوزير أنتوني بلينكن ورئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي موسى فقي محمد، تحادثا هاتفيًا حول التعاون بين الطرفين، من أجل "التوصل إلى وقف مستدام للعمليات العدائية، والتوقف عن القتال في السودان".وأشار البيان إلى أنّ "جهود القيادة المتواصلة للاتحاد الإفريقي، لا تزال جوهرية في الضغط على القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، للوقف الفوري للعمليات العسكرية، والسماح بالوصول الإنساني من دون عراقيل".جهود أميركية متواصلة ويتوقع خبراء أن تؤدي هذه المحادثات إلى زيارة وفد إفريقي بقيادة موسى فقي محمد الخرطوم، من أجل تعزيز عملية الوساطة.وفي هذا السياق، يقول المتحدث باسم قوى الحرية والتغيير "المجلس المركزي"، شهاب الدين الطيب في تصريح لمنصة "المشهد"، إنّ "الجهود الأميركية متواصلة للوصول إلى وقف إطلاق نار دائم، وهناك دول أخرى لديها وزن في المنطقة مثل السعودية، التي تحاول التنسيق مع الولايات المتحدة".ويضيف الطيب "أما التنسيق مع الاتحاد الإفريقي فأعتقد أنه يأتي في إطار إعطاء فرصة له، وإن لم تمر وساطته ولم تصل إلى حلّ ما، فباستطاعة واشنطن أن تتدخل وتقدم مبادرتها". ويُعلق قائلًا إنّ منظمة "إيغاد" مشهود لها، إلا أنه من دون الدعم الدولي لا يمكن للاتحاد الإفريقي أن يصل إلى حل، بسبب الكثير من العوامل المتعلقة ببنية الاتحاد نفسه، ومواقفه من الكثير من الحروب التي دارت في القارة الإفريقية، على الرغم من أنّ ذلك كان يمكن أن يوفر له الخبرة اللازمة للتعامل مع صراع مثل الدائر في السودان".المبادرة الأقوى من جانبه يرى الخبير العسكري الاستراتيجي السوداني أمين إسماعيل المجذوب، أنّ "هذه المبادرة تُعتبر من أقوى المبادرات الموجودة في الساحة منذ بداية الصراع في السودان". ويلفت المجذوب في حديثه لـ"المشهد"، إلى أنه "ربما يتم تمديد الهدنة الحالية وإطالتها إلى هدنة دائمة مع وقف إطلاق النار، كما يمكن أن يكون هناك جلسات لإيقاف الحرب والتفاهم والفصل بين القوات المتناحرة". وقال المجذوب: "أعتقد أنه لا توجد أيّ عوائق تمثّل حجر عثرة أمام هذه المبادرة، لأنّ الوضع الإنساني خطير جدا، لذا لا بد من أن تتم هذه المصالحة لوقف الأزمة".لكن الخبير العسكري السوداني اللواء عبد الهادي عبد الباسط يرى في تصريح لـ"المشهد" أن "الجيش على الرغم من قبوله لوقف إطلاق نار مؤقت لإجلاء الدبلوماسين والمحتجزين وإمداد بعض المستشفيات وصيانة الكهرباء والماء، إلا أنه يرفض بصورة قاطعة أي هدنة دائمة أو حوار مع الطرف الآخر".وأضاف أن "أي هدنة دائمة ستعطي فرصة للطرف الآخر لترتيب صفوفه ومحاولة إعادة الكرّة بصورة أعنف، وطلب الهدنة الدائمة مقصود منه إطالة الحرب وليس إيقافها".معوّقات الهدنةوفيما يخص المعوّقات، يقول شهاب الدين الطيب لـ"المشهد": "نعتقد أنه بخروج قيادات النظام السابق تحت حكم عمر البشير، سيؤثر ذلك على أيّ شكل من أشكال الهدنة أو وقف إطلاق النار، سواء بشكل دائم أو مؤقت، وحتى الآن الطيران الحربي يُحلق ويضرب ببعض الأماكن، وهناك اشتباكات مستمرة بين الطرفين، كما أنّ هناك سقوطا للمدنيين، وأعتقد أنّ التحدي الأكبر يكمن في النظام البائد في هذه الحرب، الذي نتهمه فيه بتأجيج الصراع بين الطرفين". كذلك يرى الطيب أنه من بين المعوّقات للتوصل إلى هدنة دائمة، "تباين الموقف الإقليمي، كذلك إذا كان المجتمع الدولي سينظر في القضية من الزاوية الإنسانية فحسب، وهو ما يُشكل مشكلة كبيرة، لأنّ إبقاء الوضع الإنساني من دون معالجة يمدّد الصراع، ولن يوصلنا إلى حل". وأشار إلى أنه إذا اعتمد المجتمع الدولي على حل المسألة من الناحية الإنسانية فحسب، "فبعد فترة سيفقد المجتمع الدولي السيطرة على السودان، لأنه حلّه غير كاف، ولا بد من معالجة الأسباب التي أدت إلى هذ الوضع الإنساني الآن، لذا لا بد من النظر إلى الوضع الإنساني مع حل القضية كذلك".جبهة مدنيةومساء الخميس أعلنت أحزاب سياسية وقوى مدنية ونقابات عمالية سودانية، بينها "قوى إعلان الحرية والتغيير المجلس المركزي"، و"تجمّع المهنيين السودانيين"، و"لجان المقاومة"، و"حركة وجيش تحرير السودان"، تشكيل "الجبهة المدنية لإيقاف الحرب واستعادة الديمقراطية" في البلاد.وقالت في بيان مشترك، إنه تم التوافق "بناءً على الواقع الجديد الذي أنتجته حرب 15 أبريل وتداعياتها، على العمل من خلال الجبهة المدنية لإيقاف الحرب واستعادة الديمقراطية".وتهدف المبادرة بحسب البيان، إلى تحقيق أهداف عدة، بينها "العمل على إيقاف الحرب فورًا، والسعي لتوفير الاحتياجات الإنسانية والصحية والخدمية للمواطنين، والعمل على استعادة مسار الانتقال المدني الديمقراطي الشامل، والخروج الكامل للمؤسسة العسكرية من الحياة السياسية والاقتصادية، بما يقود لجيش مهني موحّد عبر خطوات سلمية".يشار إلى أنّ ما لا يقل عن 512 شخصا قُتلوا، وأصيب ما يقرب من 4200 منذ اندلاع القتال في 15 أبريل الجاري.ودفعت الأزمة أعدادا متزايدة من اللاجئين لعبور حدود السودان. وقدرت وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، أنّ 270 ألف شخص ربما فروا إلى جنوب السودان وتشاد وحدهما.(المشهد)