تُركز السياسة الإسرائيلية في التعامل مع الضفة الغربية ومنطقة الأغوار الحدودية على أنه "لا يجوز التنازل عنها شرعا" استناداً لفتاوى الحاخامات، فلم تتوقف إسرائيل عن إجراءاتها بتوسيع الاستيطان بالأغوار، والسيطرة على منابع المياه، وخنق سكان الأغوار بطردهم من أرضهم، بإعلانها مناطق تدريب عسكرية، ومناطق أمنيّة مغلقة، ومحميات طبيعيّة.ومنذ اندلاع الحرب، كثفت إسرائيل ضغطها على التجمعات الرعويّة بالأغوار، لإجبار سكانها على الرحيل، وقلصت مساحة المراعيّ، ومنعت الإمداد المنتظم بالمياه، وعزلت المنطقة بالحواجز العسكرية عن الضفة الغربية، وقبل نحو شهرين صادرت 8 آلاف دونم لتسمين الاستيطان وإنشاء مناطق صناعيّة وتجارية، وهي المساحة الأكبر التي تصادرها إسرائيل منذ اتفاق أوسلو بحسب "حركة السلام الآن الإسرائيلية". وتعتبر الأغوار "قطاع إستراتيجيّ ضيق" من أبرز مصادر الدخل الاقتصاديّة لفلسطين، وتمتدّ شرق الضفة الغربية على طول حدودها مع الأردن، بنحو 30% من مساحتها، وتشكل منفذ فلسطين للعالم وسلتها الغذائية، لكن إسرائيل تسيطر على 88% منها، بإقامة معسكرات الجيش الإسرائيلي، وأكثر من 33 مستوطنة يقطنها 12 ألف مستوطن، فيما وصل عدد الفلسطينيين 75 ألفاً. وأرض الأغوار تشمل على 27 تجمعا فلسطينيا ثابتاً، وعشرات التجمعات الرعوية والبدوية، وتقسم لـ3 أقسام: منطقة الأغوار الشمالية وتتبع محافظة طوباس.منطقة الأغوار الوسطى وتتبع محافظة نابلس.منطقة الأغوار الجنوبية وتتبع محافظة أريحا.بحسب تقارير حقوقية، كرست إسرائيل سياساتها الاستيطانية في المنطقة، واقترفت تهجيراً قسريًا، وتطهيراً عرقياً تجاه الفلسطينيين. قنبلة موقوتة يتخذ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في منطقة الأغوار، شكلاً مختلفاً منذ سنوات، فهي بالنسبة للفلسطينيين بوابة الدولة العتيدة، ويعتبرها الإسرائيليون العمق الإستراتيجيّ والأمنيّ لهم، اجتمعت الأسباب السيادية، والسياسية، والاقتصادية والأمنية، لتجعل المنطقة عقبة كأداء بين الجانبين. يصف الباحث السياسي الإسرائيلي إيلي نيسان لمنصة "المشهد" بأنّ "الأغوار تتمتع بأهمية إستراتيجيّة وسيادية وأمنية لإسرائيل "هذه المنطقة لها أهمية عظيمة وكبرى بالنسبة لإسرائيل، فهي تعمل بكل قوتها وقواتها، من أجل المحافظة عليها من الأعداء والمتربصين، وهذا الأمر يبعد الأعداء مثل إيران أن تكون على السياج بين إسرائيل والأردن".وأكّد نيسان أنه "في كل تسويّة مع الجانب الفلسطيني، هناك مطالبة من قبل إسرائيل أن تظل القوات الإسرائيلية مرابطة على امتداد نهر الأردن، ومنع تهريب الأسلحة والمخدرات من سوريا ولبنان لمنطقة الأغوار المحاذية للأردن، الأغوار تشكل الحزام الأمني والسيادي الهام لإسرائيل في كل تسويّة ممكنة مستقبلاً مع الجانب الفلسطيني، ولن تتخلى عنه أبداً، وستبقى القوات الإسرائيلية بالمكان". من جانبه، شدّد مساعد وزير الخارجية الفلسطينية د.عمر عوض الله لمنصة "المشهد"، على أنّ "الأغوار جزء من الأرض الفلسطينية المحتلة عام 67، مثلها مثل باقي الأراضي التي يجب أن يخرج الاحتلال الإسرائيلي منها، ليتم تجسيد السيادة الفلسطينية عليها بشكل كامل، وهي صلة الوصل مع الشقيقة الأردن، وهناك إمكانية إقامة مشاريع مشتركة بالمنطقة، ومعبر سفر الفلسطينيين موجود فيها، إلا أنّ إسرائيل تحول دون قيام دولة فلسطينية مستقلة، بجعل الفلسطينيين محاصرين في كنتونات تطوقها المستوطنات". واعتبر د.عوض الله خلال حديثه بأن "إسرائيل تحاول بكل السبل أن تستولي على المزيد من الأراضي بالأغوار، بالاستعمار والفصل العنصري القائم على التهجير القسري، تريد جغرافيا أكبر مع ديمغرافية أقل للفلسطينيين، ونواجه هذه المحاولات الإسرائيلية الخطيرة في الحراك السياسي والقانوني الدبلوماسي، وقدمنا موضوع ضم الأغوار والاستيطان في محكمة العدل الدولية". ضغوط وعوامل طاردة "لم يتبق للفلسطينيين في الأغوار إلا القليل، إسرائيل استولت على الأراضي الزراعية ومنابع المياه" بهذه الكلمات عبر مسؤول ملف الاستيطان في الأغوار معتز بشارات لـ"المشهد" عن المواجهة المباشرة بين الفلسطينيين والسلطات الإسرائيلية بالأغوار، وقصة الصمود التي يسجلها الأهالي في مواجهة إسرائيل. وأضاف بشارات "إسرائيل تعمل تدريجياً ضمن سياسة مبرمجة بهدف مصادرة الأراضي على طول الحدود مع الأردن، الضرر طال معظم الأهالي، وخسروا امتدادهم ومواردهم، وحوض مائهم وسلة غذائهم، فالدولة الفلسطينية الموعودة لا تساوي شيئاً، بلا الأغوار". وأوضح المسؤول خلال حديثه لـ"المشهد" بأنّ الواقع قاتم "إسرائيل تقيم في الأغوار أكبر مزارع نخيل، ومشاتل ورود وخضراوات وفواكه، وبرك اصطناعية، ومزارع للحوم والدواجن، بالمقابل ترحل التجمعات الفلسطينية وتمنع الأهالي من التوسع والتطور، وتطاردهم في أرزاقهم، حتى أنها منعت الماشية من الرعي، وتلك سياسة تفريغ للسيطرة على الأرض والموارد، وصولاً إلى حلم القضاء على أيّ فرصة لقيام دولة فلسطينية متصلة جغرافيا وديمغرافيا". وشكا المواطن أمجد خليل لـ"المشهد" من شدة العناء وظروف العيش التي يكابدها وأسرته يومياً، بفعل ممارسات القوات الإسرائيلية وانتهاكات المستوطنين، حيث تصاعدت ضدهم منذ اندلاع الحرب.وقال: "باتت الحياة في الأغوار قاسية ومتبعة للغاية، فأرضنا ساحة للتدريبات العسكرية للقوات الإسرائيلية، تعرضت وأسرتي والجيران لاعتداءات المستوطنين المسلحين لولا رعاية الله، نمنع من العمل والتنقل أو حتى بناء غرفة، التخريب يطال كافة تفاصيل حياتنا اليومية، لكن لن نرحل". (المشهد - القدس)