عقب 12 عاماً من القطيعة بين سوريا وفرنسا، قد تُردم فجوة العلاقات بزيارة مرتقبة لرئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع إلى باريس تلبية لدعوة نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي بادر بالاتّصال به وفق بيان الحكومة السورية، في مقابل عدم الإعلان عن تلك الدّعوة بتاتاً في بيان الإليزيه. ما طرح تساؤلات بشأن فحوى الاتّصال الهاتفي الغامض بين الرّئيسين.بعدها بساعات أجرى المستشار الألماني اتصالا هاتفيا بالشرع، أكد خلالها على استعداد برلين لدعم إعادة إعمار سوريا.ويرى محللون أن اتصال ماكرون والزيارة المرتقبة لفرنسا في حال حدوثها ستفتح باب أوروبا أمام الشرع، وتساعد الحكومة الجديدة في رفع العقوبات الأوروبية.مزاحمة أميركامن جانبه، يرى المحلّل السياسي والكاتب الصحفي عبد الحميد توفيق أن زيارة أحمد الشّرع إلى باريس، محاولة فرنسية على تأكيدها في المنطقة ومزاحمتها للويات المتحدة.وقال توفيق في حديثه مع منصة "المشهد" إن:باريس تريد أن تستبق الخطوات الأوروبية وكأنها تريد مزاحمة الأميركيين في المنطقة عبر البوابة السورية التي باتت مشرّعة على الكثير من الاحتمالات والخيارات، سواء كانت سياسية أو جيوسياسيّة ذات أبعاد إقليمية.باريس تريد أن تقول إنها بعد أن رتبت أوراقها إلى حدّ ما في الجانب اللبناني وتقاربت كثيراً مع السعودية في هذا الاتجاه، تريد أن تكون على استعداد اليوم بعد زيارة الشّرع للسعودية ولتركيا، لأن تقفز القفزة بدعوة الشرع إليها على مستوى رئاسي، لكي يكون هناك بعض التقاطعات في المصالح مع عموم الإقليم وعلى رأسه السعودية.باريس تريد أن تقول إنها حاضرة في المنطقة وفي مصالحها وهي رسالة الى تركيا أولاً وإلى الأكراد ثانياً، مفادها أنها يمكن أن تلعب دوراً ما، سواءً في تخفيف الاندفاع التركي ومحاولة أنقرة استغلال واقع سوريا وطبيعة العلاقات القائمة بين السلطة الجديدة في سوريا والسلطة التركية، خصوصًا في ظلّ الحديث عن بدء الأتراك إنشاء قواعد عسكرية في سوريا وكذلك تدريب وحدات عسكرية سورية في الجيش الجديد".وأضاف توفيق: "في موضوع الأكراد الذين دافعت عنهم فرنسا بعد سقوط النظام السابق، يبدو أنها تريد أن تقول إنها مستعدة لأن تكون شريكًا على الأقل في إدارة هذا الملف بشكل محترف ودقيق".مشهد مفتوح لفرنساواعتبر توفيق أن "فرنسا لها أدوار كبيرة فهي لا تنظر إلى سوريا كمستعمرة سابقة أو عضو في العائلة الفرانكفونية، فسوريا خرجت من العباءة الفرنسية منذ ما بعد الانفصال أي بعد عام 1961، حينما حدث الانفصال في الوحدة بين سوريا ومصر ومن ثم عادت الكرة إلى الملعب الداخلي السوري وصولاً الى حزب البعث الذي حكم سوريا في انقلاب 8 آذار 1963".وأوضح "عندها اتجهت سوريا إلى الشرق باتجاه الاتحاد السوفياتي وانتمت إلى ذلك المحور حتى سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر من العام الماضي، وبالتالي فإن باريس موجودة هنا اليوم ليس فقط بتحريض تاريخيّ وحضاريّ يدغدغ مشاعرها في النفوذ مجددًا، ولكن أعتقد أن وجودها لم ينقطع في سوريا حتى في سنوات الثورة السورية فقد كانت ضمن التحالف الدولي مع الولايات المتحدة وعشرات الدول الأخرى لمحاربة تنظيم داعش، هي ظلت موجودة في الشمال السوري في عمليات إسناد كبيرة".وقال توفيق "إذاً نحن أمام مشهد مفتوح لفرنسا ولكن أعتقد أن كثيراً من المنغصات تحول دون أن تكون فرنسا وحدها قادرة على اتخاذ خطوات أحادية".وتابع: "في ما يتعلق بقدرتها على رفع العقوبات عن سوريا فليس من شك في أن تقاطع المصالح إذا ما نتج عن زيارة أحمد الشرع لباريس سيمنح فرنسا دوراً كبيراً في التأثير في موازاة عمل ألمانيا وإيطاليا بشكل تدريجيّ على رفع العقوبات، وبالتالي يمكن أن يعود ذلك بفائدتين؛ الأولى باتجاه السلطة السورية الجديدة، لكي تجد في هذه المواقف الأوروبية على رأسها فرنسا".ولغت إلى أنها خطوة متقدمة ستعطي فرنسا مساحة لحفظ مصالحها في مستقبل سوريا المقبل في إعادة الإعمار وإعادة البنى التحتية. وفي الاتجاه الآخر ستقول إنّ أميركا ليست وحدها في المنطقة وفي سوريا تحديدًا.ويرى توفيق أن أحد الدوافع الفرنسية ربما يكون تقصّي فرنسا عن احتمال انسحاب الولايات المتحدة الأميركية أو القوات الأميركية من سوريا. وهو ما قد يحفّز فرنسا على أن تحضر في الساحة السورية بما يعزّز وجودها ويصبح لديها مساحة نفوذ كبيرة في الساحة السورية.غموض بشأن الدعوةفي سياق آخر، أعاد عضو حزب النهضة الفرنسي المحامي زيد العظم، توضيح اللغط بشأن تأكيد الدّعوة من ماكرون للشرّع، لافتاً إلى أنّ "هذا الموضوع لا يزال مثار جدل إذ أن بيان قصر الإليزيه أعلن الاتصال الهاتفي لكنه لم يشر إلى موضوع الزيارة بتاتاً، فيما أكّد البيان الصادر عن الحكومة السورية الأمر". وزادت وسائل الإعلام الفرنسية الغموض إثر تساؤل "فرانس أنفو" الرسمية كيف أن الشرع يقول إنّه مدعو لزيارة باريس من دون أي إشارة من بيان قصر الإليزيه إلى أي دعوة. إذاً مسألة الزيارة لا تزال غير واضحة كلياً.وشدد العظم في حديثه مع منصة "المشهد" أهميّة المبادرة التي قام بها ماكرون تجاه سوريا، مؤكدا أنّ "فرنسا ترى دائًما على مستوى الجيوبوليتيك أن سواحل المتوسط منطقة حيوية جداً، وتسعى منذ مئات السنين لأن يكون لديها موطئ قدم في هذه المنطقة".وقال العظم "هناك فراغ دراماتيكي في المنطقة خلّفه الانسحاب الإيراني- الروسي المفاجئ الذي لم يكن متوقعاً، فرنسا رأت أن تركيا ومن بعدها بعض دول الخليج العربي سارعت إلى السعي لملء الفراغ الإيراني -الروسي. وهي تريد في هذا الإطار المشاركة في ملء هذا الفراغ وإيجاد مكان لها، ولكن لديها مقاربات خاصة ضيقة لجهة أنها كيف ستمرر هذه المقاربات في المضيق التركي لا سيما أننا نتحدث عن قوات سوريا الديمقراطية".أما في مسألة رفع العقوبات عن سوريا، فقال العظم، "لنعد إلى تصريحات وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كايا كالاس، عندما قالت إن الاتحاد الأوروبي مستعد لأن يمضي قدما في مسألة رفع العقوبات لكن على الادارة السورية أن تساعدنا في ما يتعلق بانتقال سياسي شامل. ونعود في هذا الإطار إلى تصريحات وزيرة خارجية ألمانيا أنالينا بيربوك بأننا لن نمول ولن ندعم هياكل إسلامية، ما يعني أن الحكم المقبل في سوريا يجب أن يكون حكما مدنيا يخص جميع السوريين".(المشهد )