يبدو أن المغرب سائرٌ نحو تتويجِ طموح ريادة الصناعة الدوائية، الذي راوده منذ خمسينيات القرن الماضي وعجّلت "كورونا" تعبيد الطريق صوبه، من خلال إعلانه وبصفة رسمية تسلّمه الريادة القارية في هذا القطاع من خلال تدشينه لأول مصنع ذكي للأدوية بإفريقيا.وأطلق المغرب رسميا الثلاثاء، عملية تدشين المصنع الذكي Smart Factory، الذي يُعدّ أول مصنع أدوية 4.0 في إفريقيا، كما عمدت الحكومة المغربية إلى توقيع مذكرة تفاهم بين مختبر صناعة الأدوية "فارما 5" ووزارة الصحة والحماية الاجتماعية المغربية تروم إنشاء وحدات إنتاج جديدة للحقن، والتقنيات الحيوية، وأشكال جالينيكية جديدة، والبحث والتطوير في مجالات علاجية جديدة.إنتاج مضاعف 5 مرات سيتمكن المصنع الذكيُ لصناعة الأدوية مجموعة "فارما 5" المغربية من مضاعفة إنتاجها من الأدوية 5 مرات. ويقع المصنع الجديد بالعاصمة الاقتصادية للبلد الدار البيضاء، على مستوى المنطقة الصناعية أولاد صالح ببوسكورة، حيث شُيّد على مساحة تزيد عن 12 ألف متر مربع، وتطلب إحداثه استثمار أكثر من 300 مليون درهم.وجرى تصميم Smart Factory ضمن نظام بيئي مبتكر وفريد يضع المرونة في قلب سائر مراحلَ العمل من عملية التصميم إلى الاستغلال بفضل رقمنة العمليات والتشغيل الآلي لبعضها، ما يضمن لهذا المصنع الذكي الفريد دمج جميع التطورات التكنولوجية المستقبلية، بخاصة في مجال الذكاء الاصطناعي. مشروع ملكي وتحرك حكوميوبهذا الخصوص، قالت المديرة العامة لمجموعة "فارما 5" ميا لحلو الفيلالي إن هذه الوحدة الصناعية الذكية الجديدة تمثل مساهمة نوعية في المشروع الملكي لتعميم التأمين الصحي الإجباري، وضمان السيادة الصحية الوطنية؛ لأن الدواء الجنيس (صنع في المغرب) عنصر رئيسي لتعميم الرعاية التي يستفيد منها فعليا اليوم الملايين من مواطنينا". وجرى خلال حفل افتتاح المصنع الذكي توقيع مذكرة تفاهم بين "فارما 5" ووزارة الصحة والحماية الاجتماعية، تنص على إنشاء وحدات إنتاج جديدة للحقن، والتقنيات الحيوية، وأشكال جالينيكية جديدة، والبحث والتطوير في مجالات علاجية جديدة.كورونا لقّنتنا درس السيادة الدوائية وفي هذا الصدد، قال وزير الصحة والحماية الاجتماعية خالد آيت الطالب إن إحداث المصنع الذكي، أول مصنع أدوية 4.0 في إفريقيا "يدخل ضمن التوجه الملكي المتعلق بورش تعميم التغطية الصحية والرامي إلى تشجيع التصنيع المحلي للأدوية". وأبرز آيت الطالب، في تصريح للصحافة أن "الجائحة علمتنا أنه يجب أن نعتمد على أنفسنا وأن نحقق السيادة الدوائية والصحية، وهذا المشروع يدخل ضمن هذا التوجه". وأكد على "أن كل دول العالم تواجه مشكلة التزود بالأدوية نظرا لصعوبة اقتناء المواد الأولية الخام، لذلك نعمل على تشجيع الصناعات الدوائية وخاصة الدواء الجنيس"، مشيرا إلى أن الوزارة قامت "بإبرام اتفاق يقضي بمواكبة، وتوفير الأدوية الجنيسة وتحسين الولوج إليها لا سيما أن المغرب مقبل على تنزيل ورش الحماية الاجتماعية". وأشار المسؤول الحكومي المغربي إلى أن وزارته تنكب على وضع سياسة دوائية جديدة تحمل امتيازات للمواطن المغربي. خارطة طريق مدروسة وتسعى المملكة المغربية، لتوسيع آفاق صناعة الدواء وتشجيع الإنتاج المحلي من أجل التمكن من تجاوز الأزمات الصحية وتحقيق الاكتفاء الذاتي في هذا المجال إلى جانب القيمة المضافة التي ستنعكس على سوق العمل مع التركيز على التصدير إلى أسواق إفريقيا، إذ يُعتبر هذا التوجه الجديد من الدروس التي أفرزتها كوفيد 19 والتي رسّخت لثقافة جديدة في مغرب ما بعد كورونا. وفي هذا الصدد، ثمن الدكتور الطيب حمضي الخبير والطبيب الباحث في السياسات والنظم الصحية ورئيس النقابة الوطنية لأطباء القطاع الخاص بالمغرب، الخطوة التي بادر إليها المغرب من خلال افتتاح المصنع الذكي، مشيرا إلى أن جائحة كورونا لم تمض بالنسبة للمملكة دون أن تترك أثرها وبالغ دروسها التي رسمت خارطةَ طريق جديدة بالنسبة للمنظومة الصحية في المغرب. حمضي، وفي تصريح لمنصة "المشهد"، شدّد على أن طموح المغرب نابع من مبدأ كلما تم تعزيز الصناعة الدوائية الوطنية المغربية، وزاد الإنتاج وتعززت القدرة الإنتاجية، كلما كان الربح مضمونا للمنظومة الصحية في سياق ورش تعميم الحماية الاجتماعية الذي أطلقه المغرب تزامنا مع الجائحة. الأمن الصحي أولى الثمار وعدّد الخبير في السياسات والنظم الصحية إيجابيات دخول المغرب غمار الصناعة الدوائية وتسلّمه الريادة قاريّا، مشيرا إلى أن أول ما ستجنيه المملكة سيكون على مستوى السيادة الصحية، ذلك أنه كلما توفر البلد على صناعة وطنية دوائية مغربية وبإنتاج محلي كلما تحقّقت السيادة الوطنية واقترب المغرب من المستويات الفضلى. وعلى المستوى الثاني، يرى حمضي أن تعزيز الصناعة الدوائية الوطنية هو تعزيز للأمن الصحي في المغرب، خصوصا وأن كوفيد19 فضح الواقع الصحي الهش ليس فقط في المغرب لكن على مستوى الدولي، إذ بيّن أهميته لكل الحكومات، وبالتالي المغرب وانطلاقا من دروس كورونا، سار نحو تحقيق الأمن الصحي الذي يُعدّ اليوم جزءا لا يتجزأ من الأمن الاستراتيجي للبلدان. خفض أثمنة الأدويةأما بخصوص الثمرة الثالثة التي سيجنيها المغرب من ريادة الصناعة الدوائية، بحسب الخبير الطيب حمضي، فتتعلق بخفض أسعار الدواء، مشيرا إلى أن الأدوية جزء من المصاريف الصحية. وزاد المتحدث موضحا في تصريحه لـ "المشهد": في المغرب تُقدر مصاريف الأدوية بما يناهز 31 % من المصاريف الصحية، أي تقريبا ما يُعادل ثلث المصاريف الصحية سواء بالنسبة لصناديق التأمين أو بنسبة الأسر وهذا معدل مرتفع جدا. وشدّد حمضي على أنه كلما عمدت الدولة على خفض عبء ثمن الدواء، كلما سهلت ولوج المواطن إلى العلاج، بحيث إن "هذا التأثير الإيجابي لتعزيز الصناعة الدوائية يعني أيضا خفض الأسعار لأن صناعة الأدوية الجنيسة يزيد من الإسهام في تخفيض ثمن الدواء، وبالتالي يسهل وصول المواطنين للعلاج، واستفادة المواطنين من الحق في الصحة لأنه التكلفة تكون أقل"، مضيفا: "طبعا يوجد اعتبارات أخرى من أجل تسهيل الولوج للعلاج في السياسة الدوائية، إلى جانب تشجيع الصناعة الوطنية، استعمال الأدوية الجنيسة بشكل أكبر". فائض صناديق التأمين وتعميم الحماية الاجتماعية وبحسب الخبير بالصناعة الوطنية والأدوية الجنيسة، فإن تخفيض الأسعار على إثر التصنيع سيسهم في خلق توازنات صناديق التأمين، مؤكدا في حديثه لـ"المشهد" أنه إذا تم خفض أثمنة الدواء وتم استعمال الأدوية الجنيسة أكثر، فإن مصاريف صناديق التأمين ستنخفض بدورها، وهذه الأموال الفائضة التي تستفيد منها هذه الصناديق سيتم توجيهها في الحفاظ على التوازنات المالية لصناديق التأمين، كما يسع هذه الصناديق أن تخصص هذا الفائض من الربح المالي الذي اقتصدته في الأدوية لاستعماله في أدوية جديدة، أو استثماره أيضا في اقتراح خدمات أو علاجات وفحوصات أخرى تقدم تحسين سلة العلاجات للمؤمَّنين والمستفيدين وذويهم في إطار تعميم التغطية الصحية الذي أقره المغرب بإخضاع جميع المواطنين للتأمين الإجباري عن المرض. أما بخصوص الثمرة الخامسة التي سيجنيها المغرب من هذا مصنع الأدوية تحت عنوان "صنع في المغرب"، فتتمثل في كون أن تشجيع الصناعة الدوائية والأدوية الجنيسة، هو تشجيع بحد ذاته للتأمين الإجباري عن المرض، وهذا الدور الكبير في إعادة النظر في المنظومة الصحية والتأميم الإجباري عن المرض الذي أطلقه المغرب تزامنا مع الجائحة. يذكر أن المغرب أحد رواد الصناعة الدوائية في إفريقيا والعالم العربي، إذ يصنع نحو 70% من حاجات السوق الوطنية من الأدوية، في حين يستورد النسبة المتبقية من الخارج، وتشكل الصناعة الدوائية ثاني نشاط كيميائي بالمغرب بعد الفوسفات. (المشهد)