مع استمرار الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي منذ عشرات الأعوام، تدور أسئلة عدة في الأذهان، من أهمها: "ما هي المشكلة هنا؟ لماذا لم يتمكن الإسرائيليون والفلسطينيون من تسوية خلافاتهم والاستمرار في ذلك؟". وبحسب تقرير في مجلة "فورين بوليسي"، فقد تعاملت أميركا مع ألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية، والعلاقات بين الولايات المتحدة وفيتنام ودية حاليًا، رغم أنهم دخلوا في حروب وصراعات سابقة. حتى المجتمعات المضطربة مثل جنوب إفريقيا وإيرلندا الشمالية، تحركت نحو العدالة والسلام، فلماذا فشلت الجهود المختلفة لإنهاء هذا الصراع؟.في ما يلي أهم 5 أسباب لاستمرار الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني في إزهاق أرواح الأبرياء، وزعزعة استقرار المنطقة، واستهلاك كميات غير متناسبة من النطاق السياسيّ لواشنطن، وإدامة الخوف والمعاناة والظلم. 1 - أهداف غير قابلة للتجزئة توجد مشكلة هيكلية عميقة، حيث يريد كل من الإسرائيليّين والفلسطينيّين العيش في قطعة الأرض نفسها والسيطرة عليها، ويعتقد كل جانب أنها ملكهم بحق. كل مجموعة لديها أساس لمطالبتها، وتعتقد كل مجموعة بشدة أنّ موقفها يجب أن يتفوق على موقف الطرف الآخر. يشير علماء العلاقات الدولية إلى مثل هذه الحالات، على أنها مشاكل "غير قابلة للتجزئة"، حيث من الصعب تسوية النزاع إذا تعذّر تقسيم القضية (القضايا) المطروحة بطريقة مقبولة لكلا الطرفين. على الرغم من وجود مقترجات عدة لتقاسم الأرض خلال القرن الماضي، إلا أنّ الأصوات التي تدعو إلى حل وسط قد تم تهميشها من قبل أولئك الذين يريدون كل الأراضي المتنازع عليها. 2 - المعضلة الأمنية وبالنظر إلى المشكلة الأولى، وإلى جانب صغر حجم الأراضي المتنازع عليها، تواجه الجهتان معضلة أمنية شديدة. أدرك القادة الإسرائيليون منذ البداية، أنه سيكون من المستحيل إنشاء دولة يسيطر عليها اليهود مع أقلية عربية كبيرة، ناهيك عن الأغلبية. أدى هذا الاعتقاد إلى أعمال تطهير عرقيّ خلال الحرب العربية -الإسرائيلية عام 1948، ومرة أخرى في عام 1967، عندما استولت إسرائيل على الضفة الغربية. إلا أنّ سلوك إسرائيل لم يكن فريدًا من نوعه، لأنّ جهود بناء الدولة في أماكن أخرى كثيرة تنطوي على أعمال ذات طبيعة مماثلة. كما أنّ قلة عدد سكان إسرائيل وجغرافيّتها الضعيفة، أعطت قادتها حافزًا قويًا لجعل البلاد أكثر أمنًا من خلال توسيع حدودها.إنّ الاحتفاظ بالضفة الغربية مع السيطرة أيضًا على قطاع غزة، يعني أنّ ملايين الفلسطينيّين سيكونون تحت السلطة الإسرائيلية بشكل دائم، ما يؤدي في الواقع إلى المشكلة الديموغرافية التي سعى مؤسسو إسرائيل إلى تجنبها.السعي إلى تحقيق هدف "إسرائيل الكبرى"، سيُجبر قادتها على منح العدد المتساوي تقريبًا من الرعايا الفلسطينيّين حقوقًا سياسية كاملة، وإيجاد عذر آخر لطرد معظمهم أو إقامة نظام "أبارتهايد"، يتعارض مع التزام إسرائيل المزعوم بالديمقراطية وحقوق الإنسان. ويصرّ المفاوضون الإسرائيليون على أنّ أيّ كيان أو دولة فلسطينية مستقبلية، يجب أن يكون منزوع السلاح بشكل فعال. وأكدت المجلة أنّ الأمن المطلق هدف لا يمكن الوصول إليه.3 - الغرباء غير مفيدين تم تأجيج الصراع بين هذين الشعبين واستدامته من قبل مجموعة من أطراف ثالثة، التي كانت تدخلاتها ذات المصلحة الذاتية، عادة ما تؤدي إلى نتائج عكسية. بدأت بريطانيا المشكلة بوعد بلفور عام 1917، وأساءت إدارة انتدابها من عصبة الأمم خلال فترة ما بين الحربين العالميّتين، ثم رفعت يديها عن المشكلة. قامت الولايات المتحدة بتسليح إسرائيل، والاتحاد السوفياتي قام بتسليح دول عربية عدة خلال الحرب الباردة، لأسباب تتعلق بمصالحها الذاتية، ولم تولِ أيّ من القوّتين العظميَين اهتمامًا كافيًا للقضية الفلسطينية المتفاقمة، أو لعكس قرار إسرائيل ببناء مستوطنات في جميع أنحاء الضفة الغربية.ثم دخلت إيران في هذا العمل من خلال دعم "حماس" و"الجهاد الإسلامي" الفلسطيني و"حزب الله" في لبنان ، إلى حدّ كبير، لعرقلة الجهود الأميركية لإعادة ترتيب المنطقة بطرق اعتبرتها طهران تهديدًا. لم يساعد أيّ من هذه التدخلات الخارجية في حل الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، بل كان يميل بالفعل إلى جعل الوضع السيّئ أسوأ. 4 - المتطرفون كانت عملية أوسلو للسلام في عام 1990، أقرب ما توصل إليه الجانبان على الإطلاق لتحقيق نهاية عملية للصراع، لكنّ المتطرفين من كلا الجانبين، ساعدوا في تقويض هذا الطريق المفعم بالأمل نحو السلام. أدت سلسلة من التفجيرات الانتحارية التي نفذتها "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، إلى تقويض المعسكر المؤيد للسلام في إسرائيل، وقتل مستوطن إسرائيليّ أميركيّ 29 فلسطينيًا عام 1994، في محاولة متعمّدة لوقف جهود السلام، ثم اغتال متعصّب إسرائيليّ آخر رئيس الوزراء إسحق رابين، ما ساعد بنيامين نتانياهو بشكل غير مباشر على أن يصبح رئيسًا للوزراء. كانت معارضة حل الدولتين هي نجم مسيرة بنيامين نتانياهو السياسية بأكملها، لدرجة أنه دعم "حماس" سرًا لغرض صريح يتمثل في إضعاف السلطة الفلسطينية المعتدلة، التي كانت مهتمة بإنجاح حلّ الدولتَين. 5 - اللوبي الإسرائيلي لا يجب تحميل جماعات مثل "إيباك" أو رابطة مكافحة التشهير، أو "مسيحيون متحدون من أجل إسرائيل"، المسؤولية الوحيدة عن استمرار الصراع، لكنهم وغيرهم من الجماعات والأفراد المتشابهين في التفكير كانوا عقبات خطيرة أمام التقدم. بالإضافة إلى تلقين الهيئة السياسية الأميركية بنظرة أحادية الجانب للصراع، عملت هذه المجموعات بنشاط، على عرقلة كل محاولة جادة من قبل رئيس أميركيّ لإنهائه. كان الرؤساء بيل كلينتون وجورج دبليو بوش وباراك أوباما جميعًا ملتزمين علنًا بتحقيق حلّ الدولتين. ولم يكن أيّ من هؤلاء الرؤساء على استعداد لممارسة ضغط جدّي على إسرائيل.حتى المنظمات البارزة المؤيدة لإسرائيل التي دعمت حلّ الدولتين - مثل جي ستريت وأميركيون من أجل السلام الآن- لم تطلب أبدًا من القادة الأميركيّين اتخاذ هذه الخطوة، أو دعمت ممارسة ضغط ذي مغزًى على إسرائيل. وفي غياب مساءلة إسرائيل، فإنّ الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، لم تشعر أبدًا بأيّ حاجة لتقديم تنازلات، أو النظر في العواقب طويلة الأجل لأفعالها.(ترجمات)