في خضم الاضطرابات التي سادت سوريا خلال أيام هروب رئيس النظام بشار الأسد، ووصول "هيئة تحرير الشام" إلى العاصمة دمشق، سرعان ما توغلت إسرائيل في الأراضي السوية، وسيطرت على أعلى قمة جبلية في البلاد (قمة جبل الشيخ المطل على دمشق). وبعد هذا التوغل مباشرة، بدأت إسرائيل تسيطر على العديد من مصادر المياه في المنطقة مثل "سد المنطرة" بريف القنيطرة في الجولان، وفقا للعديد من التقارير. ومنذ احتلالها الجولان عام 1967، وجهت إسرائيل اهتمامها للسيطرة على العديد من مصادر المياه في المنطقة، وفرضت سيطرتها على نهر الأردن ونهر اليرموك وعدد من الينابيع والأنهار الصغيرة في الجولان.إسرائيل ومصادر المياه بحسب تحقيق لصحيفة "واشنطن بوست" تشمل المنطقة العازلة التي توغلت داخلها إسرائيل في سوريا سدًا على خزان يزود مساحات واسعة من جنوب سوريا بالمياه. وهناك شكوك بين السكان المحليين بأن إسرائيل تسعى إلى الاستيلاء على المياه وغيرها من الموارد. وعلى الرغم من عملياتها في المنطقة، فإن الجيش الإسرائيلي يقول إنه لا يسيطر على السد. تتوافق شكوك السكان المحليين مع سلوك ومساع إسرائيلية منذ عام 1967 للسيطرة على مصادر المياه في سوريا، حيث تعتبر المياه في تلك المنطقة جزءًا من إستراتيجيتها الأمنية والاقتصادية، والتي تساعدها أيضا في تنفيذ خططها في المنطقة خصوصا في التوسع الاستيطاني. ويشتكي سكان هذه المناطق من أن محاولات إسرائيل للسيطرة على المياه تؤثر بشكل مباشر على حقوقهم من ناحية الاستخدام اليومي للمياه وظروفهم الاقتصادية.يقول الخبير المائي أحمد ياسين في حديث لـ"المشهد"إن "جميع دول الشرق الأوسط تعاني شح المياه. وهنا تأتي الأهمية الكبيرة جداً للسيطرة على منابع المياه في منطقة الشرق الأوسط. وهذا ما قامت به إسرائيل كخطوة أولى بعد سقوط نظام الأسد في سوريا، حيث أقدمت على السيطرة على منابع المياه في هضبة الجولان لكي تحقق استقرارا وأمنا مائيا أكثر بالنسبة لقطاعها الزراعي".ويشرح ياسين أن "ما قامت به إسرائيل ستكون له تبعات سلبية وخطيرة جداً على القطاع الزراعي السوري، لأن سوريا من بين الدول التي تعاني شح المياه وارتفاع مستوى التصحر. مثل هذه التطورات ستكون لها انعكاسات خطيرة جداً على استقرار وجود المياه في سوريا. سيطرة إسرائيل على الموارد المائية في الجولان تعني واقعياً أن وجهة هذه الموارد ستنصب لصالح إسرائيل لتنمية القطاع الزراعي الإسرائيلي. وفي نفس الوقت، القطاع الزراعي السوري سيتراجع وسوف يعاني أكثر شح المياه، ما يعني أن سوريا، رغم أنها تضم في أراضيها أنهاراً عديدة، إلا أنها تعاني ارتفاع مستوى التصحر مثل باقي دول الشرق الأوسط".بدوره، يقول المحلل السياسي عامر سبايلة في حديث إلى منصة "المشهد" إن "جزءا من إستراتيجية إسرائيل دائما السيطرة على منابع المياه، التي تعتبر بالنسبة لإسرائيل أوراق ضغط وهي نقاط قوة تستخدمها تقريبا مع كل محيط جغرافية". ويضيف سبايلة "بالنسبة لإسرائيل هناك أولوية دائما لفرض سيطرتها على منابع المياه والتحكم بها، ومن ثم استخدمها كأداة لإعادة صياغة العلاقات وتقديم التنازلات من الطرف الآخر. وقد تكون هذه أيضا بوابة لإسرائيل في المستقبل للعودة للحديث أيضًا على طاولة سياسية مع الجانب السوري".هيمنة مائية؟ بالعودة إلى الوراء، اعتبرت قضية المياه في أوساط الستينيات من أبرز الأسباب التي سرعت من وتيرة التوتر بين دمشق وتل أبيب، والذي أدى إلى حرب 1967، حيث اتهمت دمشق إسرائيل بتحويل منابع نهر الأردن لمصلحتها. المساعي الإسرائيلية بالسيطرة على مصادر المياه على مر العقود مردها الحاجة الأساسية لتأمين احتياجاتها المائية في الزراعة، بالإضافة إلى استخدامها في تلبية احتياجاتها الصناعية والعمرانية. كذلك، فإن سيطرة إسرائيل على مصادر المياه في الجولان يساعدها في تمكين وجودها العسكري والاستيطاني في المنطقة، وذلك من منطلق أن أراضي الجولان تعرف بخصوبتها وصلاحيتها للزراعة الأمر الذي يحفز الإسرائيليين على الانتقال إليها والاستقرار فيها. ويرى سبايلة أن "إسرائيل تريد أن يخضع محيطها الجغرافي مستقبلا لتأثيرها. وبالتالي السيطرة على هذه المنابع هي جزء من إستراتيجية الأمن القومي الإسرائيلي". ويتابع سبايلة: مسألة المياه في الجولان قد تكون نقطة تحول، لأن ما يجري سواء من وجود إسرائيلي في مناطق متعددة في سوريا أو السيطرة على هذه المصادر المائية، يعطي فكرة أن إسرائيل يمكن أن تفاوض مستقبلا مع سوريا، وتقدم بعض التنازلات بالنسبة للنظام السوري ولكن ضمن صفقة. هذا يهيئ بشكل واضح وكبير إلى عملية أن الهدف الإسرائيلي الأكبر ليس فقط إنهاء تأثير هذه الجغرافيا أمنيا واستغلالها لصالح إسرائيل، بل خلق واقع جديد في فكرة السلام مع الطرف الآخر. وبموجب اتفاق فض الاشتباك بين إسرائيل وسوريا عام 1974 أقيمت منطقة عازلة منزوعة السلاح، يحيط بها من كل جانب قطاع، حيث الأسلحة محدودة. ومنذ ذلك الحين تشرف قوة من الأمم المتحدة على مراقبة فض الاشتباك واحترام الاتفاق.فيما يلفت ياسين إلى أن "هناك دولتين أساسيتين تسيطران على الموارد المائية بشكل غير عادل وبطريقة تخالف جميع القوانين الدولية المرتبطة بعبور أنهار لعدد من الدول". وبرأي ياسين أن "تركيا في مقدمة هذه الدول، التي تعتبر بلد المنبع لنهرين أساسيين في الشرق الأوسط هما دجلة والفرات. ولكن أنقرة، وفقاً لجميع المواثيق، تتعارض خطواتها في التعامل مع هذين النهرين مع القوانين الدولية المرتبطة بالأنهار العابرة لأكثر من دولة. المشاريع الإنمائية والمائية التي تقوم بها على نهرين دجلة والفرات تؤثر بشكل سلبي وخطير جداً على منسوب المياه المتبقي الذي يصب في سوريا والعراق". كذلك أيضاً، بلد آخر ينتهج نفس النهج وقد يكون أكثر خطورة هو إسرائيل. وما أقدمت عليه إسرائيل بعد سقوط النظام في سوريا من السيطرة على الشطر السوري من هضبة الجولان وبالتالي فإن السيطرة على المنابع المائية ستكون له تبعات سلبية وخطير على حالة التوازن في المصادر المائية لدول الشرق الأوسط، وفقا للخبير المائي أحمد ياسين. (المشهد )