شهدت العلاقات بين الفصائل الفلسطينية، خصوصا حركتي "فتح" و"حماس" توترا وانقسامات لسنوات عدة، وعلى الرغم من الجهود المستمرة لتحقيق الوحدة الوطنية، إلا أن هذه الفصائل بقيت منقسمة على خلفية الاختلافات السياسية والإيديولوجية، وجاء "إعلان بكين" بين الحركتين في يوليو 2024 كخطوة مهمة نحو تحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية.ووقعت فصائل فلسطينية عدة بينها حركتا "فتح" و"حماس" اتفاقا ينهي الانقسام، ويعزز الوحدة الفلسطينية فيما سمي "إعلان بكين" في العاصمة الصينية صباح الثلاثاء، حسبما أكد وزير الخارجية الصيني ونقلت وسائل إعلام رسمية صينية والتلفزيون المركزي. وذكر التلفزيون الصيني المركزي أن الفصائل الفلسطينية أجرت حوارا في العاصمة الصينية في الفترة من 21 إلى 23 يوليو الجاري، للمصالحة وإنهاء الانقسام المستمر منذ عام 2007. أهمية "إعلان بكين" منذ الانتخابات التشريعية الفلسطينية في 2006، والتي فازت بها "حماس" دخلت العلاقات بين "فتح" و"حماس" في دوامة من النزاعات والصراعات المسلحة والسياسية. وفي عام 2007، سيطرت "حماس" على قطاع غزة بعد اشتباكات عنيفة مع قوات فتح، مما أدى إلى انقسام جغرافي وسياسي بين الضفة الغربية التي تسيطر عليها "فتح" وقطاع غزة الذي تسيطر عليه "حماس".ويأتي "إعلان بكين" نتيجة لجهود دولية وإقليمية مكثفة لتحقيق المصالحة الفلسطينية، فالصين التي تسعى لتعزيز دورها كوسيط في النزاعات الدولية، دعت قادة الحركتين إلى اجتماع في بكين في محاولة لتحقيق تقارب بين الفصيلين، وجاء هذا الاجتماع بعد سلسلة من المحادثات غير المباشرة واللقاءات الثنائية التي عقدت في عواصم مختلفة، بما في ذلك القاهرة والدوحة.ويحمل "إعلان بكين" الذي تم توقيعه بين "فتح" و"حماس" أهمية كبيرة على مستويات عدة، سواء أكانت سياسية أم اجتماعية أم اقتصادية، وفي هذا الإطار، يؤكد الناطق باسم حركة "فتح" عبد الفتاح دولة لمنصة "المشهد" أن توقيع اتفاق الوحدة الوطنية "تطور مهم على طريق طي صفحة الانقسام وتغليب المصلحة الفلسطينية وتوحيد الصف الفلسطيني في مواجهة التحديات التي تعصف بقضيتنا الفلسطينية وتهدد مستقبل وجود شعبنا".وتعد التحديات أمام تنفيذ هذا الإعلان كثيرة، ولكن التزام جميع الأطراف وبدعم المجتمع الدولي يمكن أن يسهم في تحقيق أهدافه وفتح صفحة جديدة في التاريخ الفلسطيني، ويشير دولة في هذا السياق إلى أن كل ما تم التوصل إليه من توافقات من شأنها إن تم التقيد والالتزام بتنفيذها: إعادة الاعتبار للوحدة الفلسطينية وتمتين الجبهة الداخلية.تشكيل خطوات عملية على طريق وقف العدوان عن شعبنا وإعادة الحياة والأعمار لقطاع غزة.الحفاظ على الوحدة الجغرافية لكامل حدود دولتنا الفلسطينية المحتلة على مساحة الرابع من يونيو للعام 1967.توحيد المرجعية السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.تنفيذ التوافقات الأخرى بتشكيل حكومة توافق وطني قادة على القيام بمسؤولياتها تجاه كل أبناء شعبنا في غزة والضفة بما فيها القدس وبالشكل الذي يرتقي لطموحات وتضحيات ونضالات ودماء شعبنا.من جهته، أكد من الصين القيادي في حركة "حماس" علي بركة لمنصة "المشهد" أن المصالحة الفلسطينية هي مصلحة فلسطينية بالدرجة الأولى، مضيفا: أهمية الإعلان تأتي خصوصا في ظل حرب الإبادة والتجويع التي تشنها حكومة نتانياهو على شعبنا الفلسطيني وقد دخلت شهرها العاشر، واستهدفت كل شيء في غزة، الشجر والحجر والإنسان والمؤسسات الإنسانية والطبية، وبلغ عدد الشهداء أكثر من 40 ألف معظمهم من النساء والأطفال، وآلاف الجرحى. في ظل تعنت نتانياهو وحربه على شعبنا، جاء هذا اللقاء بدعوة كريمة من جمهورية الصين الشعبية، ونحن نقدر لها هذا الدور المهم في الظرف الاستثنائي الصعب الذي تمر به القضية الفلسطينية.ووفقا لبركة فإن أهمية اللقاء تأتي من خلال توحيد الموقف الفلسطيني، مشيرا إلى أن" المجتمعين اتفقا على توحيد الجهود الفلسطينية لمواجهة العدوان الإسرائيلي ولوقف إطلاق النار، وتفعيل وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية، وتفعيل الإطار القيادي للمنظمة الذي يضم كل الفصائل الموقعة، إلى جانب اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير".واعتبر بركة أن هذه القيادة المؤقتة يجب عليها متابعة تطورات القضية الفلسطينية إلى حين تشكيل مجلس وطني فلسطيني جديد عبر الانتخاب حيث أمكن، وتشكيل حكومة وفاق وطني فلسطيني تدير الأوضاع الفلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية وهي حكومة تكنوقراط ليست من الفصائل لكنها معتمدة من الفصائل وعليها أن توحد مؤسسات السلطة الفلسطينية بالضفة والقطاع وتعيد إعمار غزة.مضمون "إعلان بكين"من جهته، أكد رئيس مكتب العلاقات الوطنية في حركة "حماس" وعضو المكتب السياسي حسام بدران أن "إعلان بكين" خطوة إيجابية إضافية على طريق تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية. وعبر بدران في تصريح صحفي الثلاثاء عن تقديره العالي للجهود الكبيرة التي بذلتها الصين للوصول إلى هذا الإعلان، مشيرا إلى أن أهمية تدخّل بكين تكمن في حاجة الفلسطينيين إلى مواجهة سياسة التفرد التي تنتهجها الولايات المتحدة الأميركية فيما يخص القضية الفلسطينية، "وتقف ضد أي توافق وطني فلسطيني داخلي، ومنحازة تماما، بل وشركاء للاحتلال في جرائمه ضد شعبنا". وأضاف بدران: هذا الإعلان يأتي في توقيت مهم حيث يتعرض شعبنا لحرب إبادة خصوصا في قطاع غزة. البيان الرسمي الذي تم توقيعه من الفصائل واضح المضامين، وليس هو ما يتم نشره وتداوله منذ أمس. المجتمعون في بكين وجهوا التحية لشعبنا الفلسطيني خصوصا في قطاع غزة على هذا الصمود والثبات، وأعربوا عن تقديرهم للمقاومة الفلسطينية التي تمارس حقنا الطبيعي في مواجهة الاحتلال. تم التوافق على المطالب الفلسطينية المتعلقة بإنهاء الحرب والعدوان الهمجي، وهي: وقف إطلاق النار، والانسحاب الكامل من قطاع غزة، والإغاثة، والإعمار. أهم نقاط الاتفاق كانت على تشكيل حكومة توافق وطني فلسطيني تدير شؤون شعبنا في غزة والضفة، وتشرف على إعادة الإعمار، وتهيئ الظروف للانتخابات، وهذا كان موقف "حماس" الذي دعت إليه وعرضته منذ الأسابيع الأولى للمعركة. هذا الحل من وجهة نظرنا يمثل الحل الوطني الأمثل والأنسب للوضع الفلسطيني بعد الحرب، وهذا يضع سداً منيعاً أمام كل التدخلات الإقليمية والدولية التي تسعى لفرض وقائع ضد مصالح شعبنا في إدارة الشأن الفلسطيني بعد الحرب. المجتمعون في بكين شددوا على التصدي لمؤامرات الاحتلال وانتهاكاته المستمرة في المسجد الأقصى المبارك، ومحاولات التهويد للمقدسات الإسلامية والمسيحية في مدينة القدس، والتأكيد على الإسناد الكامل للأسرى والأسيرات في سجون العدو الذي يمارس عليهم وحشية وظروف سجن لا ترقى لأدنى الحقوق الإنسانية والقانونية.تحديات تنفيذ "إعلان بكين" على الرغم من التفاؤل الكبير الذي أثاره "إعلان بكين" إلا أن هناك العديد من التحديات التي قد تواجه تنفيذ بنود هذا الإعلان، ويمكن تلخيصها وفقا لخبراء مختصين في الشأن الفلسطيني وفق ما يلي:الانقسام السياسي العميق:الانقسامات الإيديولوجية والسياسية العميقة بين حركة "فتح" وحركة "حماس" ما زالت قائمة، مما قد يؤدي إلى صعوبة في التوصل إلى توافقات بشأن قضايا جوهرية مثل تشكيل الحكومة وآليات الانتخابات.الضغوط الإقليمية والدولية:هناك أطراف إقليمية ودولية لها مصالح متعارضة قد تسعى لتعطيل تنفيذ الاتفاق، فالدعم الذي تقدمه بعض الدول لإسرائيل والسياسات التي تتبناها الولايات المتحدة قد تعرقل جهود المصالحة.الوضع الأمني في غزة والضفة الغربية:الوضع الأمني غير المستقر في غزة، بسبب الحرب والتهديدات الإسرائيلية المستمرة، والضغوط الأمنية في الضفة الغربية، يمكن أن يؤثر سلبا على جهود تنفيذ الاتفاق وتحقيق الاستقرار.الاقتصاد المتدهور:الأوضاع الاقتصادية المتدهورة في كل من غزة والضفة الغربية تشكل عائقا كبيرا، فإعادة الإعمار وتحقيق التنمية الاقتصادية يتطلبان دعما ماليا كبيرا من المجتمع الدولي، وهو أمر قد لا يكون متاحا بسهولة.الاستحقاقات الداخلية: تنفيذ الاتفاق يتطلب الالتزام بتنفيذ سلسلة من الاستحقاقات الداخلية مثل إعادة تشكيل مؤسسات السلطة الفلسطينية، والإعداد للانتخابات التشريعية والرئاسية، وهي عملية معقدة قد تواجه عقبات لوجستية وإدارية.موقف الفصائل الصغيرة والمستقلين:بعض الفصائل الصغيرة والمستقلين قد يعارضون أو يشككون في جدوى الاتفاق، مما يمكن أن يخلق حالة من الانقسام الداخلي ويعقد جهود تنفيذ الإعلان.إسرائيل تعلّقحتى الآن لم يتم الإعلان عن أي رد فعل على "إعلان بكين"، فيما أشارت كل من حركة "حماس" و"فتح" الثلاثاء إلى أن الانقسام الفلسطيني "يخدم إسرائيل التي لطالما سعت إلى تعزيزه بدعم من الولايات المتحدة".وفي السياق، هاجم وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس الثلاثاء رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بعد موافقة حركة "فتح" التي يقودها، على تشكيل حكومة وحدة وطنية مع حركة "حماس" لإدارة قطاع غزة بعد الحرب.ونقلت صحيفة يديعوت أحرونوت في موقعها على الإنترنت عن كاتس قوله في تغريدة على منصة إكس: "بدلا من رفض الإرهاب، يتبنى محمود عباس القتلة والمغتصبين من حركة "حماس"، كاشفا عن وجهه الحقيقي"، مضيفا أن "الأمن الإسرائيلي سوف يظل في يد إسرائيل فقط".في الختام يمكن القول، يعدّ "إعلان بكين" خطوة جريئة نحو إعادة بناء الوحدة الوطنية وإنهاء سنوات من الانقسام والفرقة، فهذا الاتفاق الذي وُقّع في العاصمة الصينية، لا يقتصر فقط على تعزيز التلاحم بين الفصائل الفلسطينية، بل يحمل في طياته وعودا بإعادة الإعمار والتنمية، وتهيئة الأجواء لانتخابات وطنية طال انتظارها.ووفقا لمراقبين، يمكن لهذا الإعلان بدعم من المجتمع الدولي والتزام الأطراف الفلسطينية، أن يشكل نقطة تحول حقيقية في تاريخ فلسطين، ويعزز من قدرة الشعب الفلسطيني على مواجهة التحديات المشتركة وتحقيق آماله في الحرية والاستقلال.(المشهد)