في احتفال عسكري أقيم مؤخرا في إسرائيل، أدلى رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو بتصريح استفزازي حول الحكومة السورية الجديدة، حدد فيه إستراتيجية بلاده منذ سقوط نظام بشار الأسد.وشدد خطاب نتانياهو على ثلاث نقاط رئيسية، حيث قال في البداية إن إسرائيل لن تسمح للحكومة السورية الجديدة بنشر قوات جنوب دمشق، داعيا إلى "نزع السلاح الكامل" من تلك المنطقة وتحديدا محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء. وفي النقطة الثانية، وضع نتانياهو إسرائيل كحامية للأقلية الدرزية، متماشيا مع تصريحات وزير الدفاع يسرائيل كاتس الأخيرة حول تعزيز العلاقات مع "السكان الصديقين" في جنوب سوريا. وثالثا، كرر نتانياهو التزام إسرائيل باحتلال الأراضي السورية، مؤكدا أن القوات الإسرائيلية ستبقى "إلى أجل غير مسمى" في المنطقة العازلة ومنطقة جبل حرمون. ووفق مقال نشره موقع "ميدل إيست آي" يعزز هذا الموقف أجندة إسرائيل المستمرة للتوسع والاحتلال الإقليمي، لا سيما في مرتفعات الجولان. ويبدو أن هدف نتانياهو الشامل هو إضعاف سوريا وتشرذمها بشكل منهجي، وضمان بقائها تحت الاحتلال الإسرائيلي وخالية من حكومة مركزية وغارقة في الصراع الطائفي. ومن شأن هذه البيئة من "الفوضى الخاضعة للرقابة" أن تمنع تعافي سوريا بعد أكثر من عقد من الحرب، وتحولها إلى دولة فاشلة وتمكن إسرائيل بذريعة تقليل أي تهديدات محتملة من سوريا الجديدة. تقسيم سوريا أشار المقال إلى أن هذا النهج ليس جديدا، حيث كان عنصرا ثابتا في السياسة الإسرائيلية منذ قيام الدولة، وطبقته في سياقات ومناطق مختلفة، بما في ذلك لبنان. ومن شأن نزع السلاح من المنطقة الواقعة جنوب دمشق أن يعيق سلطة الحكومة السورية، مما قد يؤدي إلى إضعاف وجود الدولة. وقد يمكن ذلك من تشكيل ميليشيات محلية مدعومة من إسرائيل تضغط من أجل "دولة داخل دولة". وتهدف الإستراتيجية الإسرائيلية أيضا إلى تشجيع الأقليات الأخرى في شمال سوريا على تحدي الحكومة السورية، وبالتالي تفتيت البلاد، حتى لو كان ذلك بطريقة الأمر الواقع. تعكس الإشارة الصريحة إلى الطائفة الدرزية عقيدة "تحالف الأقليات" الإسرائيلية، التي تسعى إلى إقامة تحالفات مع الأقليات في المنطقة ضد الأغلبية السنية. وتعزز سياسة "فرّق تسد" هذه العداء والشك والطائفية، مستخدمة الأقليات كوسيلة ضغط لإثارة ردود فعل عنيفة من الأغلبية. واستخدمت إسرائيل سابقا هذه الإستراتيجية في لبنان، بالتعاون مع الطائفتين المسيحية والشيعية، وهي تحاول الآن أن تفعل الشيء نفسه مع الدروز والأكراد والعلويين في سوريا. ولم يُثر مطلب نتانياهو بتجريد جنوب سوريا من السلاح، إلى جانب تكثيف الضربات الجوية الإسرائيلية على المواقع العسكرية السورية، ردا من الدول الغربية أو المجتمع الدولي الأوسع. وأكد المقال أن رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع وازن بين ضبط النفس والتحدي، وهو نهج شكلته عوامل حاسمة عدة، بما في ذلك ضعف موقف سوريا العسكري والاقتصادي والسياسي وحاجته إلى الحفاظ على الشرعية كزعيم، مع بسط سيطرة الدولة على جميع الأراضي السورية.مقاومة رمزية رفض بيان مؤتمر الحوار الوطني السوري في أواخر فبراير الماضي أي تنازلات إقليمية، مشيرا إلى كل من إسرائيل والشرع بأنه لن يرضخ لمطلب نتانياهو بنزع السلاح. وطالب البيان بـ"الانسحاب الفوري وغير المشروط" لإسرائيل من سوريا - وهو عمل رمزي من أعمال المقاومة التي عززت سلطة الشرع دون المخاطرة بمواجهة فورية. وفي 26 فبراير، زار الشرع الأردن والتقى بالملك عبد الله الثاني، الذي أكد مجددا دعم عمان لسيادة سوريا وأدان التوغلات الإسرائيلية. وتشير الزيارة إلى محاولة لبناء تحالف إقليمي لمواجهة التحركات الإسرائيلية دبلوماسيا وليس عسكريا خصوصا وأن الأردن يشارك سوريا مخاوفها بشأن استقرار الحدود. وتعكس الاحتجاجات في القنيطرة ودرعا والسويداء ضد تصريح نتنياهو الأخير غضبا شعبيا، لكن الشرع لم يحشد هذه المشاعر لاتخاذ إجراءات ضد إسرائيل، لأن المحاولات السابقة للأنظمة الإقليمية لم تنته بشكل جيد.وبدلا من ذلك، رد الشرع على استفزازات إسرائيل بمزيج من الإدانة اللفظية، والنداءات من أجل السلام والمناورات الدبلوماسية متجنبا التصعيد مع التأكيد على حق سوريا في أراضيها. العمل الجماعي ونظرا للوضع المعقد في سوريا، يجب أن يكون الردّ على تصرفات إسرائيل جماعيا، وفق التقرير. ويجب على المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤولياته، وعلى الدول العربية أن تعمل معا، لأنها ستخسر بشكل كبير إذا نجحت إسرائيل في تحويل سوريا إلى دولة فاشلة. وقد أدانت جامعة الدول العربية والأردن ومصر والمملكة العربية السعودية وقطر من بين دول أخرى، إسرائيل بشدة. والأهم من ذلك، أن تركيا، وهي قوة إقليمية لها مصالح كبيرة في سوريا، لديها الكثير لتكسبه من دمشق المستقرة والكثير لتخسره من العدوان الإسرائيلي على سوريا. ومنذ ديسمبر، ردت تركيا على تصريحات نتانياهو والعدوان الإسرائيلي بإدانة حادة، وشدد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان على السيادة السورية واتهم إسرائيل بالتوسع وتقويض السلام والاستقرار "تحت ستار الأمن". ولا تزال تصرفات أنقرة دبلوماسية ومقيدة، وتركز على القضية الكردية في شمال سوريا بدلا من مواجهة إسرائيل مباشرة. ويبدو أن سياسة تركيا في هذا الصدد مقيدة بعاملين رئيسيين، الأول هو مصير وحدات حماية الشعب الكردية السورية، وهي فرع من حزب العمال الكردستاني، الذي تعتبره أنقرة جماعة إرهابية، والثاني هو الاتفاق المتوقع بين تركيا ورئيس أميركا دونالد ترامب لإنهاء التعاون الأميركي مع وحدات حماية الشعب. ومن غير المرجح أن تتدخل أنقرة بشكل كبير ضد إسرائيل حتى يتم حل هاتين المسألتين، لأن المواجهة المبكرة يمكن أن تأتي بنتائج عكسية مع ترامب والمسؤولين المتشدد المؤيدين لإسرائيل في واشنطن. (ترجمات)