منذ ساعات، كشفت دائرة المخابرات العامة الأردنية عن تفكيك خلية إرهابية خطيرة يُزعم ارتباطها بعناصر متطرفة، فيما وصفه مسؤولون وخبراء بأنه إحدى أهم عمليات الأمن الوطني في الأعوام الأخيرة. وتؤكد المخططات التي أحبطها "فرسان الحق" في الأردن، التي تضمنت تخطيطا مُسبقا وتخزين أسلحة، ونوايا لاستهداف بنى تحتية حيوية داخل المملكة، على التعقيد المتزايد للإرهاب الحديث والحاجة الملحة إلى استدامة اليقظة.ومساء أمس الثلاثاء، أعلن وزير الاتصال الحكومي الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية الدكتور محمد المومني، عن تفاصيل إحباط دائرة المخابرات العامة لـ4 قضايا إرهابية خطيرة كانت تهدف إلى زعزعة الأمن والاستقرار داخل الأردن. وأشار إلى أنه تم القبض على جميع المتورطين بعد متابعة استخباراتية دقيقة استمرت منذ عام 2021. وأوضح المومني أن القضايا الأربع تورط فيها 16 شخصا، توزعوا على خلايا عملت على تصنيع صواريخ قصيرة المدى، وتخزين متفجرات وأسلحة مهربة، وتصنيع طائرات مسيّرة، وتجنيد وتدريب عناصر داخل المملكة وخارجها، وفق وكالة الأنباء الأردنية (بترا).تفاصيل المخططاتوفي تفاصيل العمليات، تم ضبط خلية أولى مؤلفة من 4 عناصر قامت بنقل وتخزين متفجرات شديدة الخطورة وصاروخ "كاتيوشا" مجهز للتفجير. أما الخلية الثانية، فتمكنت من تصنيع صواريخ باستخدام معدات محلية وأخرى مستوردة، كما أنشأت مستودعات سرية محصّنة في عمان والزرقاء. وفي القضية الثالثة، عمل 4 متهمين على مشروع لتصنيع طائرات مسيّرة بمساعدة أطراف خارجية، حيث أنجزوا أنموذجاً أولياً باستخدام مواد أولية. وشملت القضية الرابعة، مجموعتين قامتا بتجنيد وتدريب عناصر بشكل غير قانوني، بعضهم تلقى تدريبا في الخارج. وأشار المومني إلى أن جميع المتهمين أُحيلوا إلى محكمة أمن الدولة بعد اكتمال التحقيق ومصادقة النائب العام، بتهم ترتبط بمخالفة قانون منع الإرهاب. ولفت إلى أن المتهمين ينتمون إلى جماعة سياسية غير مرخصة ومحلولة، موضحا أن فيديوهات لاعترافاتهم ستُنشر في نشرة الأخبار المسائية.حل الجماعةرأى رئيس الجمعية الأردنية للعلوم السياسية الدكتور خالد شنيكات، أن توقيت الإعلان عن القضية يأتي في ظل توتر متزايد بين الدولة وجماعة "الإخوان"، خصوصا مع تصاعد التوترات الإقليمية في قطاع غزة والضفة الغربية، التي قد تزيد اشتعالا بسبب السياسات الإسرائيلية المتطرفة، ما قد ينعكس على علاقة الأردن بإسرائيل ويزيد من حساسية الموقف الأمني.وأوضح شنيكات أن تحويل القضية إلى محكمة أمن الدولة يُمهّد لمسار قضائي مكتمل الأركان، يتضمن تقديم الدفوع والدفاع والاستماع للاتهامات وإثباتها أو نفيها.وأشار إلى أن هذا المسار قد يترافق مع قرارات سياسية مثل "حلّ" الجماعة، أو محاولات لفتح قنوات حوار جديدة، كما سبق أن دعت شخصيات سياسية إلى تقليص نشاط الجماعة في الشارع والتركيز على العمل داخل المؤسسات. وأكد شنيكات أن الجماعة، نفت أي علاقة تنظيمية لها بهذه الخلية، معتبرا أن هذا النفي يشكل جزءا من تفاعلها مع المسار القضائي، وقد يحمل رسائل موجهة إلى الدولة الرأي العام وحتى قواعدها الشعبية.وقال المحلل الأمني البارز عامر السبايلة لرويترز "نتحدث عن تكتيكات جديدة، صواريخ وطائرات مُسيرة. هذا يعني تغييرا جذريا في طريقة تعامل جماعة الإخوان مع الأردن واستهدافها لأمنه".أبعاد القضية أبرز خبراء أمنيون ومحللون سياسيون تحدثوا لمنصة "المشهد" مدى تطور الخطط المكشوفة، مشيرين إلى استخدام أساليب عملياتية مُتقدمة مثل تكنولوجيا الطائرات المسيّرة تصنيع الصواريخ، وهي تقنيات تُرتبط عادة بشبكات المتمردين المُدرّبة تدريبا عاليا. وأكد الخبير العسكري والإستراتيجي نضال أبو زيد، أن اعترافات المتهمين فيما يُعرف إعلاميا بـ"خلية الإخوان المسلمين"، والتي نشرتها دائرة المخابرات العامة، تعكس 3 أبعاد رئيسية. أولى هذه الأبعاد وفق أبو زيد، هو البُعد التدريبي المتقدم، الذي يتجلى من خلال استخدام أحد المتهمين لمصطلح "النقاط الميتة"، وهو مفهوم شائع في برامج التدريب الأمني المتقدم. ولفت إلى أن البعد الثاني، هو البعد العملياتي من خلال المضبوطات التي وُجدت بحوزة المتهمين، أما ثالثها فهو البُعد التخطيطي، الذي تمثل في استهداف مواقع داخلية ذات طابع أمني حساس. وأشار أبو زيد إلى أن ما ظهر في المقاطع المصورة، من مواد متفجرة مثل TNT وC4، وصاروخ كاتيوشا، بالإضافة إلى استخدام طائرات مسيرة (درونز)، يشير إلى "أننا أمام عملية أمنية مركبة تستهدف الداخل الأردني، وليس الخارج". ويعكس توظيف الطائرات المسيّرة تطورا نوعيا في أساليب التنفيذ، ضمن ما يُعرف بالجيل السادس من العمليات الأمنية، ما يمثل نقلة نوعية عن الأساليب التقليدية في العمليات الإرهابية. وأضاف أبوزيد "كان الهدف بوضوح زعزعة استقرار الأمن الداخلي بدلا من السعي وراء أجندات عابرة للحدود".وفي ما يتعلق بمتابعة الأجهزة الأمنية للشبكة منذ عام 2021، أوضح أبو زيد أن ذلك يدل على أن نشاط الخلية لم يكن مرتبطا بشكل مباشر بالأحداث الجارية في غزة، وإنما يعكس طبيعة عمل معقدة ومتشعبة، قائمة على ارتباطات أفقية يصعب تتبّعها، وهي من أصعب أشكال البُنى التنظيمية في الشبكات الإرهابية. وأوضح أبو زيد أن هناك بُعدين اثنين في مسار التهم الموجهة: الأول قضائي، حيث يشير تسريع إحالة القضية إلى القضاء إلى استقلالية القضاء الأردني عن الأجهزة الأمنية. والمسار الثاني، بحسب الخبير الإستراتيجي، أمني-سياسي، يتمثل في أن التهم تؤكد تورطا كاملا في عمل إرهابي منظّم ومعقّد، ما قد يشير إلى ارتباط المتهمين بجماعة الإخوان. وأشار أبوزيد إلى احتمال صدور قرار سياسي بـ"حلّ" الجماعة، استنادا إلى الاعترافات التي توحي بعلاقة تنظيمية معها، موضحا أن هذه القضية قد تشكّل رادعا لأي جهة تفكر في زعزعة الأمن الوطني.(المشهد)