"لن أعود إلى الموصل أريد الهجرة إلى الولايات المتحدة"، بهذه العبارة يستقبلك الشاب كمال أبو مينا، لاجىء عراقي في لبنان، اضطر وعائلته لترك أكبر ثاني كبرى المدن العراقية منذ 9 أعوام حين أعلن سقوط محافظة نينوى بيد تنظيم داعش الإرهابي عام 2014. ومحافظة نينوى مركزها مدينة الموصل وتبلغ مساحتها 37323 كيلومتر مربع ويقدر عدد سكانها بـ 3,729,998 بحسب إحصاء سنة 2018 يقطن نصفهم تقريبا في مدينة الموصل بينما يتوزع الآخرون على باقي المدن والأقضية. أبو مينا كشف في حديث لمنصة "المشهد" أنه "تقدم بطلب هجرة عبر السفارة الأميركية في بيروت منذ حوالى الـ 5 أعوام، وبأن العديد من أبناء منطقته استطاعوا الهجرة لوجهات مختلفة منها ولايات أميركية"، لكنه أصرّ على أنّ "حتى النازحين الموصليين في العراق لا يرغبون العودة إلى بلداتهم التي مزّقتها الميليشيات والأجندات السياسية".وسيطر تنظيم "داعش" في عام 2014 على مدينة الموصل ، وعلى نحو ثلث مساحة العراق، قبل هزيمته في عام 2017.وشدد الشاب الطامح بالهجرة على أن "الموصل تضم مخيم للدواعش وهذا أكثر ما يخيف الأهالي الذين تذوقوا المر من هذا التنظيم"، متسائلا: "هل هذه العدالة التي نريدها؟".ويستعيد العراق دفعات عدة من العائلات العراقية الموجودة في مخيم الهول شرقي سوريا، وسط تقديرات بأن يكون عددها قرابة 150 عائلة، بحسب وزارة الهجرة والمهجرين العراقية.ويضم مخيم الهول ما يتراوح بين 60 إلى 70 ألف شخص، معظمهم من النساء والأطفال، الذين نزحوا بسبب الحروب في العراق سوريا والمعركة ضد تنظيم "داعش"، ونصفهم تقريبا من العراقيين وربعهم من السوريين، فيما يتم إيواء نحو 10 آلاف أجنبي في ملحق آمن، فيما يقال إن كثيرين من الموجودين في المخيم من أشد المؤيدين لداعش.سيطرة الميليشياتويوضح خالد المختار ابن قضاء سنجار الذي غادره منذ 9 أعوام دون ذويهم الذين أصروا على النزوح إلى دهوك للبقاء داخل مخيمات هشّة لسنوات طويلة، على أنه "لا يمكن عودة الأهالي إلى بلداتهم لأسباب عدة لا تعدّ ولا تحصى". المختار قال في تصريحات لمنصة "المشهد" أن "سنجار تعاني من تهديدات الميليشيات التابعة لحزب العمال الكردستاني التي تقوم بتجنيد الشباب لقاء رواتب شهرية تصل قيمتها إلى 800 دولار أميركي، بالإضافة لفصائل مسلحة تابعة للحشد الشعبي والحرس الثوري الإيراني".وأضاف: "يوجد أجندات خارجية تجعل هذه المنطقة متوترة وغير مستقرة خصوصا سنجار التي لا يمكن العودة إليها"، مشيرا إلى أن "بعض أهالي الساحل الأيمن لمدينة الموصل تمكنوا من العودة إلى الساحل الأيسر بعدما أستأجروا منازل هناك وفيما عدا ذلك هم نازحون في أربيل ودهوك". وشدد على أن "الوضع داخل الموصل ليس مريحا بالشكل الذي يتم الترويج له على الرغم من حملات إعادة الإعمار حيث تسيطر الميليشيات على المنافذ الحدودية للمدينة وتأخذ الأتوات لإدخال وإخراج المواد من المدينة وتضع قيودا على تشييد الأبنية".وتابع: "أهلي من سنجار ومن حقهم العودة إليها لكن منازلنا تدمرت ولم نأخذ تعويضات مالية"، معربا عن أسفه "في حملات تهجير قسرية تساهم بها ميليشيات مرتهنة للخارج". تصفية للأقلياتوعن الواقع الذي يمنع الأهالي من العودة، تقول الصحفية والناشطة السياسية سانتا ميخائيل لمنصة "المشهد" أن "المسيحيين والأيزيديين ضحية أجندة سياسية وصراع إقليمي لكونهم أقليات ولا يوجد من يسندهم لا أحزاب قوية ولا ميليشيات"، مشددة على "وجود محاولات مستمرة لتغيير ديموغرافي قسري بدعم الأحزاب الموالية لإيران والمليشيات التابعة لها".واعتبرت ميخائيل أن "أبرز الأسباب التي تعيق العودة هو عدم ثقة الأهالي بالجار حيث التحقت بعض العشائر بالتنظيم الإرهابي حينها، بالإضافة لوجود ميليشيات تابعة وموالية لإيران والبعض منها بأسماء مسيحية".وكان التنظيم المتطرف قد أعلن قيام ما يسمى بـ "دولة الخلافة" على مساحة تفوق 240 ألف كيلومتر مربع تمتد بين سوريا والعراق، وتحكم مقاتلوه بمصائر 7 ملايين شخص.وبث هؤلاء الرعب في مناطق سيطرتهم وفرضوا تطبيقا صارما جدا للشريعة، ونفّذوا اعتداءات وحشية قبل أن تتقلص مساحة سيطرتهم تدريجيا.وفي ديسمبر 2017، أعلن العراق الانتصار على التنظيم الذي قام بما سماه عمليات "تطهير ثقافي" عبر تدمير مواقع أثرية ورموز دينية مسيحية وإسلامية.وتابعت ميخائيل : "إلى أين سيعود الأهالي؟ المنازل تدمرت والمناطق معدومة حيث لا خدمات ولا ظروف تناسب أبسط مقومات الحياة". وبالإضافة لتحميل المسؤولية للفصائل التابعة لإيران والحشد الشعبي، تتمسك الصحفية العراقية بـ"وجود أجندات دولية أميركية وأوروبية لتسهيل هجرة المسيحيين والأيزيديين من أجل إخراج الأقليات وتفريغ العراق من مكوناته الرئيسية". آبار نفط غير مسجلة وفي سياق الأسباب التي تعيق عودة الأهالي، تكشف مصادر من القطاع النفطي طلبت عدم الكشف عن هويتها لدوافع أمنية أن "مناطق غرب سنجار والمول تضم أكثر من 40 بئرا نفطيا غير مسجلا في بيانات وزارة النفط".وبيّنت المصادر في تصريحات لمنصة "المشهد" أن "الأهالي يخشون العودة بسبب سطوة المجموعات المسلحة على المنطقة التي كانت تعتبر ثروة رئيسية لتمويل داعش في السابق".وأشارت إلى أن "استخراج النفط في شمال العراق لا يحتاج لحفر آبار عميقة إذ يكون على شكل بحيرات نفطية تطفو على السطح، وهي الآن بيد الميليشيات المواليد للحشد الشعبي وإيران وحزب العمال الكردستاني".وقالت إن "الميليشيات المتورطة هي كتائب حزب الله، عصائب أهل الحق التابعة للحشد، وسرايا السلام المتعاونة مع حزب العمال المعارض لتركيا"، مشيرة إلى أنه "يتم تهريب من 10 إلى 12 ألف برميل إلى إيران مقابل 8 دولار للبرميل الواحد أي أقل من ربع السعر".وتابعت: "البراميل تستخرج من آبار غير مقيّدة وتنتقل عبر سهل نينوى وسنجار إلى بندر عباس في إيران".(المشهد)