"قنبلة موقوتة" أضحت مدينة حيفا ومرفأها من وجهة نظر الإسرائيليين، تحيط بهم وترعبهم، وباتت قرينة التصعيد العسكري بين "حزب الله"، وقوات الجيش الإسرائيلي، ورمزاً للتصاعد الملحوظ في عمليات إطلاق الصواريخ من قبل "حزب الله" باتجاه عمق إسرائيل، ليتعاظم التوجس الإسرائيلي، بعد إعلان "حزب الله" إطلاق عشرات الصواريخ على مجمع الصناعات العسكرية، والمقر الاحتياطي للفيلق الشمالي وقاعدة تمركز احتياط فرقة الجليل، ومخازنها اللوجستية في قاعدة عميعاد.تزامناً مع الأحداث المتواترة، تمكنت مسيّرات الحزب من التحليق فوق المدينة بكل حرية، ورصدت المواقع العسكرية والإستراتيجية الحساسة، مثل المصانع العسكرية، ومصافي النفط، ومواقع البوارج الحربية، وأماكن اقتصادية هامة، الأمر الذي خلق موجة من الهلع لدى المسؤولين في شمال إسرائيل وسكانها، من أن وعيد الحزب بضرب المدينة وما بعدها قد "اقترب". وحذّر الإعلام الإسرائيلي من السيناريوهات المقبلة على حيفا، وأنه يتوجب على سكانها الاستعداد، كونها هدفاً جذاباً لـ"حزب الله" لثلاثة أسباب على الأقل:لأنها ثالث أكبر مدينة، ويبلغ عدد سكانها أكثر من 300 ألف.تحتوي على المنشآت الإستراتيجية بما فيها المرافئ والمصافي ومعسكرات الجيش ومصانع أمنية ومحطات طاقة، ومرافق تخزين المواد الخطرة.ليست مستعدة للحرب. وبحسب المراقبين الإسرائيليين، يمكن أن تكون حيفا ضمن دائرة التصعيد المحتمل، نظراً لأهميتها الإستراتيجية والاقتصادية، وموقعها القريب من الحدود اللبنانية، وكذلك بسبب إعلان "حزب الله" أن لديه صوراً مُفصلَّةً، لمواقع إستراتيجية عدة فيها بفعل تسلل طائرات الاستطلاع. إذاً أضحت مدينة حيفا الساحلية في مرمى الصواريخ والنيران، ما يزيد من أهميتها في الصراع الدائر، وأيّ استهداف مباشر لها يهدد بنية إسرائيل الاقتصادية والعسكرية، فما هي أهميتها العسكرية والاقتصادية بالنسبة لإسرائيل؟ ولماذا تستهدفها صواريخ "حزب الله"؟ وما تبعات هذا الاستهداف عسكرياً؟أهمية إستراتيجيةوفي هذا الصدد، قال المحلل السياسي والعسكري الإسرائيلي إيال عاليما لمنصة "المشهد" بأن "مدينة حيفا تضم أكبر ميناء في إسرائيل، وتعتبر نقطة حيوية تربط ما بين شمال البلاد وجنوبها، وتتمتع بأهمية إستراتيجية جعلت منها مركزاً أساسياً وحيوياً للنشاطات التجارية والعسكرية، واستهدافها من قبل "حزب الله" ووكلائه في المنطقة، يشكل تهديداً كبيراً للأوضاع الاقتصادية والعسكرية الإسرائيلية". وعن المكانة الاقتصادية التي تتبوأها مدينة حيفا، أشار عاليما لـ"المشهد" بأنها "تتمتع بأهمية بالغة في إسرائيل، فهي تحتوي على مناطق حساسة، تتمثل بالميناء، والمطار، و3 محطات للطاقة، وفيها المجمع البتروكيميائي، الذي يضم عدة منشآت تخزن وتعالج المواد البتروكيميائية، وكذلك فإن الاقتصاد الإسرائيلي يعتمد على ميناء حيفا بنسبة 90% في التجارة، لاستيراد وتصدير البضائع، ويمر ما يقارب 30 مليون طن من البضائع سنوياً من خلاله". وتابع عاليما لـ"المشهد" قائلاً إنه "من الناحية العسكرية والأمنية، ميناء حيفا يحتوي على أسلحة نووية وغير تقليدية، حيث تقع فيه قاعدة بولونيوم للأسلحة البحرية، وقواعد لصواريخ برؤوس نووية، وقاعدة للغواصات الحربية، ويتم في مدينة حيفا صناعة السفن الحربية الإسرائيلية وتفقدها بشكل دوري، لكن الضربات والصواريخ المتتالية من قبل "حزب الله" على حيفا والمرفأ، ستعطل بشكل جزئي أو كلي أهم موقع حيوي إسرائيلي، الذي وإن توقف عن العمل سيشل الحركة التجارية والاقتصادية في عموم إسرائيل". رسائل مبطنة وحول أسباب استهداف "حزب الله" لمدنية حيفا بشكل رئيسي، أوضح الخبير في الشأن الإسرائيلي نهاد أبو غوش لمنصة "المشهد" قائلاً: "حيفا، هي المدينة الثالثة في حجمها وعدد سكانها وأهميتها بعد القدس وتل أبيب، وهي مركز حضري كبير حين نقول خليج حيفا فنحن نتحدث عن منطقة متواصلة تضم أكثر من 10 مدن بين حيفا وعكا وبينهما مجموعة الكريوت، كريات اتا وكريات موتسكين وكريات بياليك".واستطرد أبو غوش حديثه بالقول "المدينة تعدّ مركزاً مهماً لمجموعة من المنشآت الحيوية والإستراتيجية، من بينها قواعد لسلاح البحرية ومصانع الصناعات العسكرية وخصوصًا رفائيل والصناعات الجوية، الصناعات الكيماوية، وفيها الميناء الأكبر والأهم، وفوق كل ذلك هي قريبة من مدى الصواريخ القصيرة والمسيّرات، ولا تبعد أكثر من 30 كيلومترًا عن الحدود مع لبنان". واعتبر أبو غوش في حديثه لـ"المشهد" الرسائل التي يسعى "حزب الله" لإيصالها لإسرائيل أن "الضربات الإسرائيلية المتتالية، البيجر والاغتيالات والتهجير والقصف، لم تقض على قدرات "حزب الله" الذي ما زال قادراً على استهداف كل المواقع والمنشآت الإسرائيلية، هذا يؤكد ولو رمزياً على فشل أهداف الحرب بدل عودة سكان الشمال قد تؤدي المواجهات إلى تهجير مزيد من السكان والتهديد لم يتوقف، مشكلة إسرائيل حاولت الدخول البري فاصطدمت بمقاومة ضارية، والمواجهة مع "حزب الله" لم تحسم والخشية الإسرائيلية الكبرى، أن يقود هذا لحرب استنزاف طويلة وإسرائيل لم تتعاف بعد من الحرب على غزة".دلالات ومآلات وفي هذا السياق، يعتقد الأكاديمي والمحلل السياسي د.أيمن يوسف، بأن صواريخ "حزب الله" وصلت أهدافها في حيفا والميناء، مؤكداً بأنها "صواريخ طويلة الأمد، ودقيقة، وذات قوة تفجير عالية، فعلى ما يبدو بأن "حزب الله" قام بتغيير الإستراتيجية، بإطلاق صواريخ أكثر دقة وتفجير، وتوسيع النطاق الجغرافي والسكاني الذي وصلت له الصواريخ أكثر تأثيراً". وشدد د. يوسف على أن "حزب الله" بدأ يتعافى من الضربة الأولى التي تلقاها بعد اغتيال العشرات من قادة الصف الأول بما فيهم الأمين العام حسن نصر الله، واستعاد المسيرة والهمة مرة ثانية، وقام بترتيب الأوضاع، فهناك عشرات الجنود الإسرائيليين الذين قتلوا في المعارك البرية، وبالتالي يمزج الحزب ما بين إطلاق الصواريخ والمسيّرات والالتحام مع الجيش الإسرائيلي جنوب لبنان، والأيام المقبلة ستشهد العديد من التطورات في المواجهة، خصوصًا مدينة حيفا، كنقطة تحول وقرار إستراتيجي وليس تكتيكياً". وفق ما تقدم هل فعلا "حزب الله" استوعب الضربات القاسية التي تعرض لها، وبدأ يوجه ضربات قاسية لإسرائيل أقوى من قبل؟(المشهد - القدس)