أعلنت الحكومة المكلفة من مجلس النواب واللجنة العليا للطوارئ والاستجابة السريعة في ليبيا، "درنة" مدينة منكوبة، بعد تعرّضها لسيول وأمطار جارفة أضرّت بالمدينة وسكانها. وتضرّرت كلّ من مدينة درنة وبنغازي والبيضاء والمرج، بالإضافة إلى سوسة بشكل كبير بسبب العاصفة "دانيال"، التي ضربت شمال شرقيّ ليبيا، الاثنين، قبل أن تواصل زحفها نحو السواحل الشرقية. ولقي نحو من 3000 شخص مصرعهم، واعتُبر الآلاف في عداد المفقودين بحسب آخر الإحصاءات الرسمية التي تحصلت عليها منصّة المشهد. ويرجّح مراقبون ارتفاع عدد الضحايا إلى 13 ألف أو ما يفوق نظرا لحجم الكارثة. وصف رئيس الهيئة العامة للسلامة الوطنية بمدينة درنة فتحي الكريمي، في تصريح لوكالة الأنباء الليبية، الوضع في المدينة بالكارثي. وقال رئيس الحكومة الليبيّة المكلفة من البرلمان أسامة حماد، إنّ أحياءً كاملة في مدينة درنة تضم آلاف المواطنين اختفت داخل البحر.وأشار إلى أنّ الحكومة فرضت حظر التجوال وحالة الطوارئ في شرق ليبيا، وأغلقت المدارس والمؤسسات العامة، كما تم إغلاق 4 محطات نفط رئيسية مؤقتا. وتُعتبر هذه الكارثة الطبيعية الأعنف في ليبيا منذ 1967، وكان زلزال مدينة المرج، الحدث الأعظم الذي أصاب ليبيا منذ 56 عاما، فيما فاقت الكارثة الحالية التوقعات من حيث حجم الأضرار. عدد ضحايا إعصار ليبياوقد تصل عدد الجثامين حدود الـ6000 جثة، بحسب معلومات رسمية من مدير مستشفى مرتوبة القروي شرق مدينة درنة، منها ما تمّ انتشاله، ومنها ما يجري انتشاله، وأخرى تحتاج لمعدات حفر وفرق متخصصة.وبحسب المصادر ذاتها، تمثلت ضحايا الكارثة في عائلات بأكملها جرفتها السيول، ومن بينها تم انتشال عائلة كبيرة متكونة من أُسر عدة، وقد تم انتشال 49 جثمانا جميعهم أقارب، ولا يزال البحث عن البقية جاريًا. وفي تصريح خاص تحصلت عليه منصة المشهد، قال الدكتور عبد السلام حسين مدير مستشفى سوسة الليبية، "إنّ الوضع في درنة سيّىء جدا، توصلنا إلى حدّ الآن إلى انتشال 6000 قتيل". وكشف المتحدّث عن أنّ جميع المستشفيات المحيطة قد قدّمت الإمكانات اللازمة، ولم تعد تتحمل أكثر، مضيفا أنّ الأزمة تعكّرت بسبب نقص الإطار الطبي، مشيرا إلى أنّ هناك عددا كبيرا من الأطقم الطبية قد لقوا حتفهم في الفيضانات. كما دعا الدكتور إلى الحاجة الملحّة للتدخل الدولي والمساعدات الإنسانية، مبيّنا أنّ غياب التغطية والإنترنت، قد عمّق من الوضع وحدّ من التواصل مع الجهات المعنية. آخر أخبار إعصار دانيال كشف وزير ليبي، عن أنّه "بسبب السيول، 25% من مدينة درنة قد اختفى بالكامل". وكان المجلس البلدي بدرنة في شمال شرق ليبيا، قد أكد أمس الاثنين، انهيار سدّين من سدود وادي مدينة درنة. وأعلن المجلس البلدي في درنة، عن خروج المدينة بالكامل عن السيطرة وسط انقطاع وانهيار كامل للخدمات. وسجّلت مدينة درنة أكبر الأضرار بحسب مصادر خاصة للمشهد، باعتبار أنّ السيول تسبّبت في انهيار أغلب الجسور، ومداخلها الأربعة من المناطق المحيطة بها، الأمر الذي عطّل عملية وصول المساعدات المتوجهة إليها. وكان انفجار سدّ الوادي الأكبر مع فجر السبت في درنة، المسبّب الرئيسيّ الذي أدى إلى الكارثة، بحسب سالم ناصر مجيد منسق عمليات الإنقاذ والدعم اللوجستي في طبرق، وعضو اللجنة الدولية لحقوق الإنسان بجنيف مكتب ليبيا. وفي تصريح خاص لـ"المشهد"، أكّد عبد الناصر سالم مجيد عضو اللجنة الدولية لحقوق الإنسان جنيف بليبيا، ومتطوع بعمليات الإنقاذ والدعم اللوجستي بطبرق، أنّ أهم الأسباب التي أدت إلى خروج الأمور عن السيطرة:كون طبيعة مدينة درنة أرضا منخفضة ومساوية للبحر.بفعل انفجار أكبر السدود الموجودة بها، استطاعت المياه المرتفعة بفعل العاصفة إغراق المدينة وجرف المباني نحو البحر.كان الوادي قد خرج عن مساره بعد انفجار السدّ، ما تسبّب في جرف المنازل والعمارات الموجودة على جنب الوادي، وهو ما أدّى إلى تسجيل هذا الحجم من الضحايا والأضرار.وبحسب أعوان الإغاثة على المكان عينه، فقد تم فقدان عائلات كامله أثناء سقوط العمارات، وتقدّر أعدادها بالمئات، وأعداد الإصابات البشرية تقدّر بالآلاف. وتمكّن السيل من رفع المنازل والعمارات من الأرض وسحبها إلى البحر، وأكّد شهود عيان رؤية الجثث في البحر من دون القدرة على حصر أعدادها. ولم تنجُ بقية الجسور والطرقات في المدن المجاورة المتضررة من السيول، ومن آفة التحطم والقضاء. ويقول الصحفي وسام زواغي في تدخّل خاص مع منصة المشهد، إنّ "الوضع في الشرق الليبيّ مأساوي في كل المدن إلا في بنغازي، التي تجاوزت الأزمة، وهناك تخوفات من جريان هذه الأنهار القريبة من المدينة". كما أوضح المتحدث أنّ هناك انهيارا تامًا للطرق الرابطة بين مدن الشرق، ما تسبب في عرقلة الوصول للمتضررين وإنقاذ العائلات. الإهمال والتجاهل كما ذهب متخصّصون إلى تعليق أسباب تضخّم الكارثة على الفعل البشري، وهنا تُلقى المسؤولية على عاتق الجهات الحكومية. ويؤكد سالم ناصر عضو اللجنة الدولية لحقوق الإنسان جنيف بليبيا لـ"المشهد"، أنّ غياب الاستعدادات هو ما أدى إلى هذا الوضع، مبيّنا أنّ هناك غيابًا تامًا لعمليات مراقبة وصيانة السدود. ويقول المتحدث "إنّ سدود درنة لم تتحصل على صيانة منذ 1970"، مشيرا في السياق ذاته إلى أنه رغم إطلاق التحذير من قدوم العاصفة، إلّا أنّ الجهات المسؤولة والمواطنين قد تعاملوا مع النداء باستخفاف. فيما يقول محمد مختار، ناشط مدني ليبي، في تصريح للمشهد، إنّ "ضعف الإمكانات، بل وغيابها، كان السبب الرئيسيّ في الأزمة، وتعاني ليبيا انقساما حادًا على مستوى القيادة والإدارة، وانتشار للفساد، أدى إلى إهمال الصيانة بمختلف مرافق الدولة وعلى رأسها شبكات تصريف مياه الأمطار المتهالكة أساسا منذ عقود، ومنتهية الصلاحية من الناحية الفنية، وعمرها تجاوز 4 عقود من دون تخطيط أو تجديد". كما يقول مختار إنّ "الانفجار السكاني غير المخطّط وغير المقنّن والعشوائي، أدى إلى انحسار المساحات الترابية المفتوحة، وتحوّلها إلى مربعات سكنية، وبالتالي صعوبة في تصريف مياه الأمطار مع ارتفاع المنسوب بشكل مفاجئ، كما حدث في حالة إعصار دانيال". ليبيا في مهبّ العواصف تمثّلت العاصفة دانيال في هطول أمطار كثيفة تقدّر بنحو 250 ملم (10 بوصات) في غضون ساعات قليلة، أدت إلى فيضانات واسعة النطاق وانهيارات طينيّة خطيرة. وأحدثت العاصفة دمارا في البنية التحتيّة، وتسببت في انقطاع التيار الكهربائي وجرف الطرق والجسور، وتعرّض المدارس والمستشفيات لأضرار جسيمة. وكانت العاصفة "دانيال" قد ضربت اليونان وتركيا وبلغاريا الأسبوع الماضي، وتسبب في كوارث بالحجم نفسه. وبحسب تقرير رسمي لمؤسسة فريدريش إيبرت في ليبيا، أكّد أنّ البلاد ليست في منأى عن مهبّ العواصف الترابيّة وتغيّر المناخ. وذكرت المؤسسة في تقريرها، جملة النقاط التي تم التأكيد عليها في مؤتمر الأطراف 27، حول العمل المناخيّ الذي انعقد العام السابق في مدينة شرم الشيخ المصرية، والهادف لاتخاذ إجراءات بشأن مجموعة من القضايا الحاسمة لمعالجة حالة الطوارئ المناخيّة. وشاركت ليبيا في المؤتمر بحضور رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، الذي أنذر من خلال كلمته بالمؤتمر، "أنّ ليبيا من أكثر الدول حساسية للتغيّرات المناخية، وبالإضافة إلى عوامل شحّ مياه الأمطار، وتراجع الموارد المائيّة والجفاف، هناك تأثيرات مناخية حرجة وعاجلة، تتمثل في زيادة حدّة بعض الظواهر المتطرفة مثل العواصف.عاصفة ترابية في ليبيا وكانت ليبيا قد عاشت عاصفة ترابية عام 2022، كانت قد لفتت انتباه المواطنين في معظم المدن الليبيّة بين شهريّ مارس وأبريل. إذ تلحّفت المدن الليبيّة بغطاء برتقالي قاتم أعتم السماء لأيام عدة، وتنبّأ مختصون زيادة حدّتها ومدتها في الأعوام القادمة. في 13 أبريل 2022، حذرت 6 شركات نفطية ليبيّة، من عاصفة ترابيّة تمر بالبلاد، ووجهت الشركات التابعة للحقول النفطية إعلان حالة القوة القاهرة لما تسببه العاصفة من انعدام للرؤية، وعرقلة لحركة السير، خصوصا في واحتَي مرادة وجالو جنوب خليج سرت. لم تكن هذه العاصفة الترابية هي الأولى من نوعها لعام 2022، إذ اجتاحت عاصفة ترابيّة منطقة شمال إفريقيا وشبه الجزيرة الإيبيرية منتصف مارس 2022> ووصل الغبار الصحراويّ إلى الجبال الأوروبية، مخلّفًا قممًا ثلجية ذهبية اللون لا بيضاء. وأشار تقرير نُشر في مارس لبرنامج كوبرنيكوس لخدمات مراقبة الغلاف الجوي، أنّ الغبار الصحراويّ في الجو، وفق أنظمة الرصد الإقليميّة وصل لتركيزات عالية وصفها بأنها "تاريخية". وتعاني مدن شرق ليبيا إلى حدّ الآن، السيول التي تُغرق الشوارع والمباني وأهمها المستشفيات. ولم يتمّ تسجيل وصول أيّ مساعدات إلى المناطق المتضررة بحسب أعوان ميدانيين من طبرق ودرنة، فيما شهدت الأخيرة نزوحًا كاملا للأهالي، الذين تم إيواؤهم في المدارس ولدى العائلات في منازلهم الخاصة بالمناطق المجاورة. ويدعو نشطاء إلى التدخل السريع من أجل إنقاذ الأرواح وانتشال الجثث والتصرف بتلك التي تملأ البرادات، وسط غياب التفاعل التام من قبل الحكومات والجهات الرسمية الليبية، بحسب مسؤولي الإغاثة. (المشهد)