شكل اغتيال الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله صدمة كبيرة في الأوساط السياسية والعسكرية المتابعة والمراقبة لتطور مسار الحرب الإسرائيلية في غزّة. إذ تزامن ذلك مع تلويح نصر الله باستمرار بقدرته على رد أيّ هجوم إسرائيلي قد يحدث في جنوب لبنان، بالإضافة إلى استعراض عدد مقاتلي الحزب والصواريخ والقدرات العسكرية. وعلى الرغم من بدء إسرائيل عمليتها الكبيرة في قطاع غزة منذ عام تقريبا، إلّا أنه ينظر إليها أنها لم تستطع تحقيق ما حققته في جنوب لبنان خلال أيام فقط. ما أثار تساؤلات حول ما إذا كانت "حماس" تفوقت على "حزب الله" في قدرته على مواجهة إسرائيل. قدرات "حماس" و"حزب الله" منذ بداية حرب غزة استهدفت إسرائيل عددًا من قادة "حزب الله" بشكل متفرق، ولم تشن هجمات مباشرة على الضاحية الجنوبية معقل "حزب الله" في لبنان. لكن في الأيام الأخيرة، وبعد التصريحات الإسرائيلية باستعداد تل أبيب إلى جبهة الشمال، بدأت التحركات الإسرائيلية تظهر على أرض لبنان. ووفقًا لتطور مسار العمليات الإسرائيلية، فقد بدأت إسرائيل باستهداف أكبر قدر من عناصر "حزب الله" من خلال تفجير أجهزة الاتصالات، والتي تسببت بإصابات بالغة أكثرها كانت في العيون والأيدي، ثم بعد ذلك بدأت إسرائيل باغتيالات في صفوف قادة الحزب، ومن ثم بهجمات على مقرات للحزب في الضاحية الجنوبية، ما يشير إلى تسلسل عملياتي اعتمدته إسرائيل بدقة وعناية. في هذا السياق، يقول المحلل السياسي محمد العبادي في حديث إلى منصة "المشهد" إن "قدرات "حماس" لا تتفوق على قدرات "حزب الله"، وهناك حوادث موثقة ومرئية تُثبت ذلك، كما أن نصر الله أكد باستمرار أن الحزب لديه 100 ألف مقاتل، ولديه نخبة العباس والرضوان، ولديه 250 ألف صاروخ، ومسيرات الهدهد التي كانت تصور الجغرافيا الإسرائيلية وغيرها، كل هذه الإمكانات غير متوفرة في "حماس" على الإطلاق، فضلاً عن الطريق البري المفتوح من طهران إلى العراق مروراً بسوريا وصولاً إلى لبنان". بدوره، يؤكد المحلل السياسي د. محمد محسن أبو النور، رئيس المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية، في تصريح إلى "المشهد" أن "إسرائيل استطاعت فعل ما فعلته في جنوب لبنان لـ3 اعتبارات أساسية: الحاضنة الشعبية لـ"حماس" في غزة أقوى من الحاضنة الشعبية لـ"حزب الله" في لبنان. المجتمع الغزاوي موحد خلف قيادة "حماس". ومسألة مواجهة إسرائيل عند الشعب اللبناني ليست عقائدية كما هو الحال بالنسبة إلى الشعب الفلسطيني. وجود اختراق أمني واسع النطاق في لبنان من قبل إسرائيل لم نشهده في الأراضي الفلسطينية. قادة "حماس" يتمتعون بحنكة عسكرية ميدانية أكثر بكثير من قادة "حزب الله"، نظرًا للخبرة العالية جدا في المواجهة والاحتكاك المباشر مع الجيش الإسرائيلي منذ حرب 1948 حتى يومنا هذا. فيما يشرح المحلل السياسي د.عامر السبايلة لـ"المشهد" أن "قدرات "حزب الله" تتفوق على الجميع لكن نموذج استهداف الحزب مختلف. إسرائيل قامت بقتل كل قادة "حماس" العملياتيين وصولًا إلى محمد الضيف". ويلفت السبايلة إلى أنّ "سيناريو استهداف "حزب الله" كان مختلفًا، فهو سيناريو استمر على فترة طويلة استطاعت إسرائيل ضرب كثير من القادة العملياتيين للحزب على مدار السنة الماضية ومخازن السلاح وقطع الإمداد من سوريا، وصولًا إلى نقطة تفجير البيجر، ومن ثم الاستفادة الكبرى من المعلومات الاستخبارية المتوفرة والتي أدت في النهاية إلى خطوات سريعة تستهدف "حزب الله، فبدت للمشاهد أنها سريعة لكن هي نتاج لعمل طويل يمتد لسنوات طويلة". جبهة الشمال "التهديد الرئيسي" قبل بدء الحرب في غزّة، تعتبر إسرائيل جبهة الشمال تهديدًا مباشرا لها، وذلك بسبب وجود قوات "حزب الله" المدعومة إيرانيا على حدودها. خصوصا في ظل تصريحات الحزب المستمرة أنه يمتلك ترسانة كبيرة من الصواريخ والقذائف الموجهة نحو إسرائيل، تتزامن مع تدريبات عسكرية مستمرة. وبعد حرب 2006، عملت إسرائيل على تعزيز دفاعاتها على الحدود الشمالية من خلال بناء أنظمة دفاعية متطورة مثل القبة الحديدية وأنظمة صواريخ مضادة للطائرات، وقامت على مدار الأعوام السابقة بعمليات استخباراتية وهجمات استباقية لمنع تطور أي تهديد على حدودها. يلفت المحلل السياسي محمد العبادي أن "إسرائيل تتعامل مع الجبهة الشمالية على أنها التهديد الرئيسي لها. وفي كل عام تجري هيئة الأركان تدريبات ومحاكاة الهجمات، إما هجوم أو دفاع من جبهة الشمال". ويتابع العبادي "لذلك مؤخرا في السنوات الأخيرة لم تكن تعتقد أن جبهة الجنوب (غزة) سوف تشتعل، فكان كل التركيز على الشمال، وبالتالي هذه المنورات كانت تشمل حالة الدفاع والهجوم، كذلك شملت بنك أهداف محدّث بشكل دوري للقيادات في "حزب الله"، ومراكز القيادة والسيطرة ومخازن الصواريخ وطرق تهريب الأسلحة وغيره. ومن هذا المنطلق، توَفرّ لدى إسرائيل جميع ما تحتاج في حربها ضد "حزب الله"، من عملاء وبنك أهداف وغيرها". بينما يشير السبايلة إلى أن "إسرائيل قامت بما تريد به بغزة، بدءا من تدمير البنية التحتية ومن ثم السيطرة على الحدود، ثم تقطيع أوصال قطع غزة، والتفريغ الديمغرافي ونقل السكان من منطقة إلى أخرى". ويضيف السبايلة أن "غزة مشهد معقد عسكرياً ولا يمكن حسمه بسهولة. لكن أيضاً مجرد أنه ليس هناك تهديد حقيقي على إسرائيل من غزة اليوم، يعني فعلياً أن إسرائيل حققت الكثير مما تريده في القطاع. صحيح أن إغلاق الجبهة في غزة لا يخدم تل أبيب، لأن إغلاق الجبهة في غزة قد يمنعها من الانتقال إلى جبهات أخرى، لكن بقاء جبهة غزة مفتوحة مكنها من الذهاب إلى الضفة الغربية، وأخذت ضوء أخضر للقيام بعمليات على مدار الساعة في سوريا، ومن ثم التفرغ للبنان". وبهذا، استطاعت إسرائيل الانتقال تدريجياً في هذه العمليات على مستوى المراحل، وبالتالي هي تقوم بخطوات تعرف تماماً أنها ضمن الإستراتيجية الأمنية الإسرائيلية، وفقا للسبايلة. تأثير الحرب السورية مع بدء الحرب في سوريا عام 2011، تدخل "حزب الله" في الحرب، ولعب دورًا بارزا دعم من خلاله الرئيس السوري بشار الأسد، لكن دعم الحزب لدمشق لم يكن بمفرده، بل كان جزءا من تحالف إقليمي أوسع تزعمته إيران وروسيا، وكان له الدور الحاسم في إعادة سيطرة الدولة السورية على أجزاء كبيرة من البلاد، بعدما خرجت عن سيطرتها. لكن العديد من المراقبين رأوا أن تدخل "حزب الله" في سوريا أفقده الهدف الأساسي الذي نشأ من أجله الحزب ألا وهو مواجهة إسرائيل، على عكس الحزب الذي رأي أن مساندة دمشق واجب وتندرج ضمن مسار مواجهة إسرائيل وحلفائها في المنطقة. وحول ذلك يرى العبادي أن "حزب الله تحول من حركة تحرر ومقاومة ضد المحتل الإسرائيلي خصوصا بعد عام 2000 وتحرير الجنوب اللبناني، ثم عام 2006، وبعد تورطه في الحرب السورية، بدأ هناك جنوح إلى التحول كمافيا، وأداة موظفة من قبل إيران". وبحسب العبادي، بعد دخول "حزب الله" الحرب السورية حدث أمرين مهمين: حدوث حالة انكشاف للحزب بالتحرك من بيئة جغرافية محكمة إلى بيئة أخرى، حيث استغل الموساد الإسرائيلي هذه المساحة باختراق الحزب في عمقه. حدوث الارتباطات المتحولة بالمافياوية، التي ضربت بنية الحزب وجعلتها مترهلة. وعلى الرغم من أن الحزب حقق إنجازات في سوريا، إلّا أن هذه الإنجازات كانت تتم بغطاء روسي، الأمر الذي أكسب الحزب تصورات خاطئة عن نفسه، أنه قوي ومحصن من الاختراق، وقادر على رد الصفعة لإسرائيل، وفقا للعبادي. (المشهد )