تعرّض الشارع الجزائري لصدمة خلال الساعات القليلة الماضية، بعدما قررت مجموعة دول "بريكس" دعوة 6 بلدان جديدة للانضمام إليها ليس من بينها الجزائر، حيث كان المسؤولون يؤكدون في أكثر من مناسبة الانضمام المحتمل لبلادهم خلال القمة الـ15 التي عُقدت في جنوب إفريقيا. وإلى جانب حديث المسؤولين، روّجت وسائل الإعلام الجزائرية الرسمية وغير الرسمية قبل القمة، إلى الانضمام المتوقع للتكتل الاقتصادي الذي يضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، ويحظى بتوقعات مستقبليّة متفائلة للغاية، حيث وفرت قبيل انعقاد القمة بأيام، تغطية إعلامية واسعة عددت في طيّاتها أهمية انضمام الجزائر، ودعم وتأييد الدول الأعضاء لهذه الخطوة. وكانت الجزائر من بين 23 دولة تقدمت بطلبات رسمية للانضمام إلى دول مجموعة "بريكس"، وفق ما أعلنت جنوب إفريقيا قبل أيام من انعقاد القمة، والتي كان إلى جانبها من المنطقة العربية، الإمارات والسعودية ومصر، والبحرين والكويت وفلسطين. والجمعة، اتفق قادة مجموعة "بريكس" في قمتها السنوية بجوهانسبورغ، على منح الإمارات ومصر والسعودية والأرجنتين وإثيوبيا وإيران، العضوية الكاملة اعتبارا من الأول من يناير 2024، لتنضم بذلك إلى نادي كبرى الاقتصادات الناشئة التي تشمل أكبر التكتلات السكانية.وعقب هذا الإعلان مباشرة، خرج وزير المالية الجزائري لعزيز فايد، في أول تصريح له، قائلا خلال فاعليات القمّة، إنّ بلاده أخذت علمًا بالقرار الذي أُعلن عنه بدعوة 6 دول جديدة لعضوية المجموعة كمرحلة أولى، وتطلعهم لفتح المجال في المستقبل القريب لدول أخرى. وأبدى الوزير الجزائري استعداد بلاده للعمل مع التكتل لتأسيس شراكة متينة ودائمة وفق تصور تكاملي يعزز التعاون جنوب-جنوب، بحسب ما نقلت الصحف الجزائرية.فرضية رائجةوينتقد جزائريون كُثر، عدم دعوة بلادهم الانضمام إلى التكتل الذي يسعى إلى إعادة تشكيل النظام العالمي، وفق ما يشير زعماؤه، إذ يقول أستاذ العلوم السياسية لدى جامعة الجزائر عبد الرزاق صاغور، إنّ بلاده تستحق الانضمام إلى التكتل "الذي أصبحت عضويته مسألة اعتبارية أكثر منها اقتصادية" على حدّ وصفه. وأخذ صاغور خلال حديثه مع منصة "المشهد" في المقارنة بين بلاده وإثيوبيا التي وافقت دول "بريكس" على انضمامها، قائلا: "كيف تنضم إثيوبيا الأقل اقتصاديا وسياسيا من الجزائر؟ نحن نتمتّع بثقل سياسي إقليمي على خلاف إثيوبيا التي تعاني حروبا أهلية وصراعات سياسية مع دول الجوار. وبالنظر إلى الاعتبارات الاقتصادية، الجزائر أقوى بكل تأكيد ولديها موارد هائلة".ويشير أستاذ العلوم السياسية، إلى أنّ فرضية شعبويّة رائجة في الشارع المحلي، بشأن عدم الانضمام إلى تحالف "بريكس"، والتي تستند إلى عدم موافقة الهند "التي ترتبط بعلاقة قوية مع الدول الغربية، وعلى رأسها فرنسا التي حرضتها لرفض قبول عضوية الجزائر". وحتى اللحظة لم تُعلن دول مجموعة "بريكس" معايير وشروطا واضحة لمنح العضوية لدول جديدة، بحسب ما يقول النائب في البرلمان الجزائري عبد القادر بريش لمنصة "المشهد"، مضيفا أنّ "عدم انضمام بلاده لا يعني النهاية". لكنّ رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامابوسا قال الخميس، إنّ المجموعة التي تتخذ قراراتها بالإجماع، اتفقت على "المبادئ التوجيهية لعملية توسيع بريكس ومعاييرها وإجراءاتها". في غضون ذلك، قال وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف، إنّ المعايير التي أُخذت في الاعتبار لدى مناقشة توسع "بريكس"، شملت وزن وهيبة الدولة ومواقفها في الساحة الدولية. وهو الأمر الذي يُعيد النائب في البرلمان الجزائري عبد القادر بريش للتأكيد خلال حديثه، أنّ الجزائر تحظى بهذه المعايير، إذ "من الناحية السياسية فهي دولة مستقرة ولديها علاقات وتأثير إقليمي في المنطقة العربية والإفريقية، وأيضا على النطاق العالمي. واقتصاديا تمتلك الجزائر اقتصادا قويًا ولديها علاقات تجارية مع 3 دول على الأقل من دول التكتل، كما أنها بوابة إفريقيا من وإلى حوض المتوسط مع أوروبا". ويضيف بريش: "أعتقد أنّ عوامل انضمام الجزائر متوافرة. لكنّ ما جرى تم بناءً على توافقات بين البلدان الأعضاء على الدول الجديدة ورؤيتها الخاصة للدول التي تقدمت بطلب". وينتقد النائب في البرلمان الجزائري، عدم الإفصاح عن المبادئ التوجيهية لعملية توسيع المجموعة حتى اللحظة، مشيرا إلى أنّ هناك "عوامل لا نعلم عنها شيئًا، وذلك بالمقارنة مع شروط الانضمام في الاتحاد الأوروبي أو دول مجلس التعاون الخليجي. جميعا نعرفها تقريبا".العودة مجدداوترك قادة مجموعة دول "بريكس" الباب مفتوحا أمام توسعات مستقبلية، في ما يُحتمل أنه تمهيد للطريق أمام انضمام عشرات الدول الأخرى المدفوعة برغبة في تكافؤ الفرص في الساحة العالمية، حسبما تقول وكالة "رويترز"، مستندةً على ما قاله الرئيس الصيني شي جين بينغ في كلمته: "التوسع يعدّ نقطة انطلاق جديدة للتعاون بالنسبة لبريكس. فهو سيمنح آلية تعاون بريكس قوة جديدة، وسيعزز قوة الدفع باتجاه السلام والتنمية في العالم". ومنذ الإعلان عن منح الدول الـ6 الجديدة العضوية في مجموعة "بريكس"، لم تبدِ الجزائر موقفا سياسيا واضحا، بحسب ما يقول أستاذ العلوم السياسية عبد الرزاق صاغور، الذي يشير إلى أنّ "الجزائر يجب أن تخرج من عباءة الانضمام إلى التكتل، والسعي نحو موازنة علاقتها مع الدول الغربية، إلى جانب تعزيز حضورها وتأثيرها بمختلف القضايا العالمية والإقليمية". ويتفق مع هذا البرلماني الجزائري عبد القادر بريش، الذي يشدد خلال حديثه على ضرورة تقييم ما حدث، و"السعي إلى الانطلاق من جديد نحو تسريع وتيرة الإصلاح الاقتصادي، وإعطاء ديناميكية أكبر للاقتصاد، من أجل تحقيق النجاح في المرحلة المقبلة". وعلى عكس أستاذ العلوم السياسية لدى جامعة الجزائر والذي يعتبر الانضمام إلى "بريكس" "مسألة اعتبارية"، ينظر عبد القادر بريش إليها على اعتبار أنها "تعطي قوة وثقة للجزائر مع الشركاء سواء داخل التكتل أو خارجه". ولا يستبعد النائب البرلماني أن تنضم بلاده لمحاولة الانضمام مرة أخرى في القمة الـ16 المقرر انعقادها العام المقبل في روسيا، قائلا: "أعتقد أنه خلال العام القادم إذا فُتح باب الترشح في القمة القادمة بروسيا، قد تنضم الجزائر. كما أنّ الجزائر ستكون حاضرة بقوة لدعم حلحلة الأزمة الروسية- الأوكرانية". بدوره، يرى أستاذ العلوم السياسية عبد الرزاق صاغور، أنّ سعي بلاده للانضمام مرة أخرى، يعتمد "على مدى استعداد تقبّل الشارع للفكرة مجددا"، قائلا: "لا أعلم ما إذا كانت ستحاول الجزائر الانضمام مرة أخرى لهذا التكتل أم لا". وفي ما يتعلق بدور مجلس الشعب الجزائري في التعامل مع الغضب والصدمة التي لاحقت عدم الانضمام، لا يستعبد عبد القادر بريش أن يكون هناك سعي من النواب لعقد جلسة استماع للحكومة، للحديث عن ما جرى في ما يتعلق بعضوية بريكس.ويقول بريش في حديثه مع منصة "المشهد": "البرلمان الآن في عطلة، وافتتاح الدورة البرلمانية سيكون بعد أسبوع، ومن الممكن أن تتبلور رؤى وأفكار حول عقد جلسة استماع للحكومة، سواء على مستوى المجموعة البرلمانية لحركة البناء التي أنتمي إليها، أو بالتوافق مع التحالفات البرلمانية الأخرى. هذا الأمر قد يتم بحثه مع بداية الدورة البرلمانية القادمة".(المشهد)