خسائر متتالية مُنيت بها إسرائيل وتكبدتها على الأصعدة كافة، منذ هجوم 7 أكتوبر، وما تلاه من حرب ضارية على قطاع غزة، قلبت الحياة والموازين لدى الحكومة والمجتمع الإسرائيليّ برمّته.وانعكاسًا إلى حالة الحرب التي تنشها إسرائيل على غزة، تقول صحيفة "يديعوت أحرونوت" ضمن تلخيصها لشهور الحرب الـ3، إنّ الحرب كلّفت إسرائيل، حتى الآن، أكثر من 60 مليار دولار. وبعد مضيّ 3 أشهر على الحرب الضروس، ورغم الإخفاقات والخسائر، إلا أنّ العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة متواصلة، فلماذا يُصرّ رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو على مواصلة القتال رغم العدد الهائل من القتلى والجرحى في صفوف الجيش؟ وهل تستمر إسرائيل في معركتها رغم خسائرها العسكرية والاقتصادية المتزايدة؟ عزلة دبلوماسية وخسائر بشرية وعسكرية انتكاسة للدبلوماسية الإسرائيلية ومؤشر على تراجع الغطاء الشرعيّ الذي حصلت عليه إسرائيل عند بدء الحرب، إثر تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار يطالب بوقف إطلاق النار، القرار غير ملزم، لكنه أقوى مؤشر على تراجع الدعم الدوليّ لأفعال إسرائيل، وأيدت ثلاثة أرباع الدول الأعضاء، وعددها 193، القرار، ولم تنضم سوى 8 دول للولايات المتحدة وإسرائيل في رفضه. فيما قطعت بوليفيا العلاقات مع إسرائيل، وسحبت كل من تشيلي، وكولومبيا سفيرَيهما من تل أبيب، في خطوة تعكس بوادر دولية لمناهضة الحرب وممارسة ضغوط لوقفها، كما استدعت دول الأردن والبحرين، وتركيا، وهندوراس سفراءها لدى إسرائيل، بتهمة خلق كارثة إنسانية غير مسبوقة وتهديد الأمن الإقليميّ في الشرق الأوسط. بدورها رفعت جنوب إفريقيا قضية على إسرائيل في محكمة العدل الدولية لمقاضاتها على ارتكاب إبادة جماعية في غزة. وعلى الصعيد العسكري، وصل عدد الجنود والضباط الإسرائيليّين الذين قُتلوا منذ بدء الحرب في 7 أكتوبر، وفق الأرقام الرسمية الإسرائيلية إلى 501، ومن المتوقع أن يصل عدد الجنود المصابين بإعاقات، إلى 12 ألفًا و500 جندي. كما أعلن الجيش الإسرائيليّ أنّ وحدة 669 للإنقاذ أجلت أكثر من ألف جريح أصيبوا منذ بدء العملية البرية في قطاع غزة. وكشفت المصادر الإسرائيلية، أنّ أكثر من 5 آلاف جنديّ جريح وصلوا المستشفيات، وأكثر من ألفين تم الاعتراف بهم رسميًا على أنهم معاقون بالجيش، بينما يستقبل قسم إعادة التأهيل يوميًا 60 جريحًا معظمهم إصاباتهم خطرة. ويندرج ضمن حسابات الحرب، بقاء 136 أسيرًا في قطاع غزة، يواصل احتجازهم التسبّب بضرر معنوي لدى مجمل الإسرائيليّين. الاقتصاد والسياحة في حالة متردّية الأضرار المباشرة للاقتصاد وسوق العمل الإسرائيليّ فادحة، خصوصًا مع ارتفاع معدلات البطالة وتزايد العجز في الموازنة العامة، حيث أوردت وزارة المالية الإسرائيلية أنّ إسرائيل سجلت عجزًا في ميزانيّتها بقيمة 4.5 مليارات دولار في نوفمبر الماضي فقط، في حين يتوقع محافظ بنك إسرائيل بأن تصل الخسائر الاقتصادية إلى ما يمثل 10% من الناتج المحلذي الإجمالي، وهي نسبة تعادل نحو 52 مليار دولار. كما من المتوقع أن يشهد الناتج المحلّي تراجعًا إلى 2% خلال عام 2023، على أن يواصل التراجع إلى 1.5% في عام 2024، بحسب ما تقول منظمة التعاون الاقتصاديّ والتنمية. صحيفة ذا ماركر الاقتصادية قالت، إنّ النمو سيتوقف تمامًا في 2024، مشيرة إلى أنّ تكلفة تجنيد قوات الاحتياط تصل إلى ملياري شيكل أسبوعيًا، وأنّ تكلفة فقدان أيام العمل نتيجة تعبئة قوات الاحتياط تقدّر بنحو 138 مليون دولار أسبوعيًا. في حين وصلت الخسائر السياحية في إسرائيل إلى 80% شملت المكونات كافة لهذا القطاع، من فنادق ومرشدين وشركات عاملة، بحسب الصحيفة الاقتصادية المحلية.رغم الأضرار.. لماذا إسرائيل تواصل الحرب؟ في ظل الخسائر الإسرائيلية الاقتصادية والبشرية، يُصرّ بنيامين نتانياهو على مواصلة الحرب في غزة، ويعتبر الخبير في الشؤون الإسرائيلية أليف الصباغ لمنصة "المشهد"، أنه "إذا نجحت إسرائيل في هذه الحرب، ونجح نتانياهو، سيردّ كل تكاليف الحرب من خسائر مادية وغير مادية وسيخرج منها منتصرًا". أما إذا فشل نتانياهو في هذه الحرب، فإنه سيدفع الثمن "هو وكل من يحيط به سياسيًا"، بحسب ما يقول الصباغ، مضيفًا: "سيدفع الجمهور الإسرائيليّ أيضًا الثمن الماديّ لهذه الحرب، لذلك نتانياهو مستمر في هذه الحرب حتى يستطيع أن يخرج بصورة انتصار أيّ كان". ويؤكد الصباغ أنه "بعيدًا عن مشهد الدمار والقتل للمدنيّين في غزة، نتانياهو يريد مشهد انتصار ضد (حماس)، ومثال على ذلك يتمثل في اغتيال أحد قادة الحركة من الدرجة الأولى مثل محمد الضيف أو يحيى السنوار. وهذا هو الانتصار الكبير في الحرب بالنسبة له بعد أن اغتالوا القياديّ صالح العاروري". بدوره، يقول المحلل السياسي يوآف شتيرن لمنصة "المشهد"، "ما حدث يوم 7 أكتوبر كان ضربة قاسية للمواطنين في إسرائيل، وهذا أعطى المبرر للحكومة مع التأييد الشعبيّ للخروج إلى عملية واسعة النطاق مع خسائر كبيرة جدًا في الأرواح والاقتصاد وكثير من الأصعدة في إسرائيل". ويضيف: "هناك تضامن إسرائيليّ لما يقوم به الجيش، حيث لا يمكن أن يعود المواطن الإسرائيليّ إلى منطقة غلاف غزة وحركة (حماس) لديها القدرات العسكرية وتسيطر على القطاع، ولهذا السبب يستمر الجيش والحكومة في هذه المعركة، كذلك المخطوفين الإسرائيليّين هم جزء من المعادلة". وعلى الرغم من تضرّر شعبية نتانياهو بشدة بسبب الإخفاقات الأمنية التي سمحت لمقاتلي "حماس" بالتدفق إلى جنوب إسرائيل في 7 أكتوبر، إلا أنّ أغلبية كبيرة من الإسرائيليّين يدعمون العملية العسكرية المستمرة في القطاع، بحسب ما أظهرت استطلاعات الرأي التي جرت مؤخرًا. وأظهر استطلاع أجراه المعهد الإسرائيليّ للديمقراطية في 19 ديسمبر، ونقلته وكالة "رويترز"، أنّ 65% من الإسرائيليّين يعتقدون أنّ الحكومة ستدمر قدرات "حماس" كما وعدت، إلا أنّ أكثر من الثلث 29.4% و5.6% على التوالي يعتقدون أنّ تحقيق ذلك مستبعد، أو قالوا إنهم لا يعرفون. حماس تقاتل من تحت أنقاض غزة المدمرة ومنذ أن أعلنت إسرائيل حربها على قطاع غزة، وضع الجيش شبكة أنفاق "حماس" المعروفة باسم "مترو غزة" على رأس قائمة البنى التحتية التي يجب تدميرها، من أجل إضعاف قدرة الحركة العسكرية وعدم تكرار هجمات 7 أكتوبر.لهذا، يوضح الخبير في الشؤون الإسرائيلية أليف الصباغ لمنصة "المشهد"، حول الأضرار التي أصابت القدرات القتالية لحركة "حماس" مع دخول الحرب شهرها الرابع، بأنّ " هنالك فرقًا بين الخسائر التي أصابت (حماس) في غزة، وخسائر الشعب الفلسطيني من جرّاء الحرب المدمرة على غزة". ويضيف الصباغ: "لا نستطيع في الوقت الحاضر أن نقيّم خسائر حركة (حماس) العسكرية، لأنّ هذا الموضوع لا يزال غامضًا حتى اللحظة، ولا يوجد أرقام قدمتها الحركة حول أعداد القتلى والجرحى من المقاتلين في صفوفها، فالقصف الإسرائيليّ طال أرجاء غزة وبالتأكيد حركة (حماس)، بفعل الدمار الهائل في البنى التحتية والحاضنة الشعبية، وتعطل الحياة بتفاصيلها كافة". وخلال الساعات القليلة الماضية، أعلن الجيش الإسرائيليّ أنه "أكمل تفكيك" بنية القيادة العسكرية لحركة "حماس" في شمال قطاع غزة، وسيركز عملياته على الوسط والجنوب، إذ قال المتحدث باسم الجيش دانيال هاغاري، "لقد أكملنا تفكيك بنية (حماس) العسكرية في شمال قطاع غزة. وفي وسط وجنوب القطاع سنفعل ذلك بشكل مختلف عما حصل في الشمال"، من دون أيّ توضيح. ويقول المحلل السياسي يوآف شتيرن لمنصة "المشهد"، إنّ "حماس ليس لديها الكثير لتخسره، وهي مستعدة أن تدفع ثمنًا كبيرًا من الأرواح والعتاد خلال الحرب الإسرائيلية على غزة. وتظن بأنّ الاحتماء بالمخطوفين الإسرائيليّين وعدم الاستسلام للمطالب الإسرائيلية الموقتة خلال الحرب، هو أمر صائب". ويضيف شتيرن: "(حماس) تفضل الاستمرار في المعركة على وقف موقت للقتال، لكي لا يصلوا مجددًا لنقطة تشديد القتال مع الجيش الإسرائيلي، لكن من دون وجود الأسرى. خصوصًا أنّ المخطوفين يمثلون نوعًا من الحماية لهم. نحن وصلنا لهذه النقطة أن تحتمي حركة (حماس) بالمخطوفين، وهم يعتقدون أنه إذا تم إطلاق سراح المخطوفين الآن، لن يبقى في يدهم ورقة للضغط أو لحماية أنفسهم".(المشهد)