تأثرت تركيا بنشاطات تنظيم داعش الإرهابي طوال السنوات الماضية، سيما وأنها تمتلك حدوداً برية مع سوريا والعراق، وبالتحديد مع المناطق التي نشط فيها التنظيم. واجهت أنقرة انتقادات بشأن علاقتها بتنظيم داعش في الأعوام السابقة، حيث تم اتهامها بتقديم دعم غير مباشر لبعض العناصر المتشددة في سوريا والعراق، بما في ذلك "داعش"، ما أدى إلى تدفق المقاتلين والتمويل والإمدادات عبر الحدود التركية السورية إلى التنظيم. ولم يقف الأمر عند الاتهامات التي وُجهت لها، بل أن بعض المسؤولين الأتراك أطلقوا تصريحات اعتبرها البعض تساهلا وتكتما على التنظيم أبرزها تصريح رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو حول عناصر داعش قائلا "إنهم مجموعة من الأطفال الصغار المحبطين"، كذلك لم تصنف الحكومة التركية تنظيم داعش على أنه منظمة إرهابية حتى بداية عام 2016.تحول تركي فسّر البعض سياسية تركيا تجاه داعش بـ"عدو العدو صديق"، في إشارة هنا إلى عداء التنظيم لقوات سوريا الديمقراطية التي تحاربها أنقرة، وذكرت العديد من المعلومات الغربية أن هذه السياسة سمحت بمرور أكثر من 25 ألف مقاتل أجنبي عبر تركيا وسمحت للعديد من الجماعات المتطرفة بتنفيذ عملياتها اللوجستية عبر أراضيها. لكن في الآونة الأخيرة يبدو أن السياسة التركية تجاه داعش تختلف، وذلك بناء على عدد من المعطيات، أهمها إعلان الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في 30 أبريل 2023، مقتل الإرهابي أبو الحسين القرشي زعيم داعش في سوريا خلال عملية نفذتها الاستخبارات التركية، وقال إردوغان حينها خلال مقابلة متلفزة "إن هناك تطورا يظهر معركتنا الصارمة ضد التنظيمات الإرهابية". يضاف إلى ذلك ملاحقة قوات الأمن التركية لأي شخص تشتبه فيه بتعامله مع التنظيم، إذ ألقت قوات مكافحة الإرهاب التركية قبل يومين القبض على اثنين من الأجانب للاشتباه بتورطهما في توفير معدات عسكرية ودعم لوجيستي لتنظيم داعش الإرهابي وعناصره في سوريا والعراق. سبق ذلك إلقاء السلطات التركية القبض على 7 من المشتبه بانتمائهم إلى تنظيم داعش في يناير الماضي، بحملات متزامنة في 8 ولايات تركية ضمن عملية ضد خلايا التنظيم الإرهابي. وفي هذا الإطار، تقول د. سمية العسلة المتخصصة بشؤون الإرهاب في حديث إلى منصة "المشهد" إن:تركيا قدمت لتنظيم داعش الدعم المادي والمعنوي، أبرز دليل على ذلك أن قادة التنظيم دائما ما يتخذون من الحدود التركية ملجأً لهم. تركيا لن تتخلى أبدا عن أوراق الضغط التي تمتلكها لتنفيذ سياساتها في المنطقة وإحدى هذه الأوراق الجماعات المتطرفة وعلى رأسها داعش. ليس ضد الدول العربية فقط، بل حتى ضد الدول الغربية. في حين يشرح المختص في شؤون الجماعات الإرهابية أحمد سلطان في حديثه إلى "المشهد" أن "تركيا هي ولاية لوجستية بالنسبة لتنظيم داعش الإرهابي، ومنذ عام 2019 عقب انتهاء دولته المزعومة أعلن تأسيس ولاية لوجستية في تركيا باسم ولاية "تركيا"، كذلك كانت الأخيرة مقرا لمكتب الفاروق، وهو أحد المكاتب الخارجية للتنظيم، ونتيجة للقبض على العديد من عناصره داخل تركيا تم حل المكتب ونقله إلى مكان آخر". ويُضيف سلطان "الخلايا النائمة في تركيا تقوم بمهمة الدعم اللوجيستي، وتشارك في التمويل وجمع التبرعات لصالح التنظيم من مناطق مختلفة حول العالم، واليوم هذه الخلايا لا تخطط لشن هجمات إرهابية، وإنما يقتصر دورها على الدعم اللوجيستي، وتهريب الأشخاص إلى داخل سوريا، وأحيانا إلى داخل العراق". دوافع أنقرة منذ عام 2020، غيرت تركيا سياستها في المنطقة، وعمل إردوغان على إصلاح علاقاته مع دول اتخذها خصما في السابق، ولا سيما دول الخليج ومصر، وضمن هذه المساعي ولتحقيق أجنداته وإرضاء الدول التي أعاد العلاقات معها، سارع إردوغان إلى المشاركة في القضاء على الخلايا الإرهابية ومهاجمتها، وأطلق تصريحات ضدهم، وشمل الإخوان المسلمين باعتبار بعض الدول تصنفهم على أنهم "جماعة إرهابية"، ما يشي إلى استخدامه لداعش أو لغيرها من الجماعات بما يتناسب ومصالحه بشكل أساسي، بعض النظر عن الأذى الذي يمكن أن تسببه هذه الجماعات حتى على الداخل التركي. من جانب آخر، بعد انهيار ما يسمى "الدولة الإسلامية في العراق والشام" والتي استمرت 4 سنوات تقريبا، تخشى أنقرة من عدم السيطرة على خلايا التنظيم وانتشارهم داخل حدودها، خصوصا وأن التنظيم تحوّل إلى خلايا نائمة سواء في سوريا أو العراق.وفي هذا السياق تشرح العسلة "تريد تركيا تحسين صورتها وإثبات حسن نواياها، وخصوصا للدول المحورية في المنطقة التي تأذت من الإسلام السياسي ومن الجماعات الإرهابية المتشددة، في وقت لدى أنقرة علاقات تجارية واقتصادية مع هذه الدول، إذ تريد إظهار أنها تلاحق فلول عناصر داعش، وتحاربهم، وتحاول القضاء عليهم". وتتابع "يندرج ضمن هذه السياسة التركية أيضا مساعي الأخيرة بدخول منتدى غاز شرق المتوسط، والوصول إلى حل في ليبيا بالشراكة مع الجانب المصري، وإلى توافقات مع القاهرة حول حقول الغاز والتواجد في شرق المتوسط، وعمليات ترسيم الحدود".الخلايا النائمة لا شك أن تركيا تخشى من انتشار الخلايا النائمة لتنظيم داعش على أراضيها، الأمر الذي قد يؤدي إلى أضرار سياسية واقتصادية بالمقام الأول، كون تركيا تعد وجهة سياحية للعديد من السياح حول العالم. وإذا حدثت أي أعمال إرهابية في أماكن عامة سيؤثر ذلك على سمعتها السياحية وبالتالي سيخسر اقتصادها جزءًا كبيرا من موارده الأساسية، خصوصا وأن الأمور كادت أن تصل إلى ذلك في بداية هذا العام، حيث أغلقت قنصلياتٍ أوروبية عدة أبوابها في إسطنبول، وأطلقت السفارة الأميركية في أنقرة تحذيرات لرعاياها من حدوث هجمات إرهابية في البلاد. بعد ذلك بأيام، أعلنت السلطات الأمنية التركية عن احتجاز 15 شخصا من أنصار داعش وإحالتهم إلى القضاء، مشيرة إلى أن المحتجزين كانوا يخططون لشن هجماتٍ ضد القنصليات الأوروبية في تركيا. مثال آخر على ذلك، في 2017 تم الهجوم على ملهى رينا الليلي في إسطنبول خلال الساعات الأولى من يوم رأس السنة الجديدة، مما أسفر عن مقتل 39 شخصا وإصابة آخرين. من جهته، يبين سلطان أن "الخلايا النائمة تمول نفسها من التنظيم بشكل أساسي والذي يعتمد على التبرعات، أو من خلال فرضه ضرائب في الأماكن التي يسيطر عليها، ومن ثم يقوم بتوجيه هذه الأموال لدعم الخلايا النائمة".ويتابع: "من مصلحة تركيا القبض على هذه الخلايا لأنها تكشف عن مجموعات تعمل داخل حدودها، وفي بعض الأحيان تقوم السلطات التركية بمراقبة هذه الخلايا من دون القبض عليها، وذلك لمعرفة حجم الشبكات داخل البلاد".وينهي سلطان حديثه لـ"المشهد" بقوله إن "تركيا تعتبر داعش ورقة لكسب الزخم السياسي، وظهر ذلك بشكل واضح عند إعلان الرئيس التركي بنفسه مقتل زعيم التنظيم". (المشهد)