يتهيأ المصريون في هذه الأثناء كغيرهم من القاطنين على كوكب الأرض لطيّ عام 2024، والذي بدأ العد التنازليّ له ولم يتبقّ منه سوى أيام معدودة، منتظرين بزوغ فجر عام جديد بآمال وطموحات مشرقة.العام الذي شارف على الانقضاء كان محملًا بجملة من التحديات الجسام على المستويات كافة داخل مصر، وخصوصا الاقتصادية والسياسية منها في ظل استمرار التوترات المتصاعدة داخل المنطقة المدججة بالنزاعات والصراعات، والتي كان لها تأثير مباشر على عموم المصريين.ومع قرب انتهاء العام الذي وصفه الكثير من المصريين بالصعب الذي مر عليهم منذ أعوام، ترصد منصة "المشهد" في سطور هذا التقرير أبرز وأهم الأحداث السياسية والاقتصادية التي شهدتها مصر خلال عام 2024.فترة رئاسية جديدة للرئيس المصري عقب فوزه في الانتخابات الرئاسية وبعد حصوله على أعلى عدد من أصوات الناخبين بنسبة 89.6%، أدى الرئيس عبد الفتاح السيسي اليمين الدستورية لفترة رئاسية جديدة تستمر لمدة 6 سنوات، وذلك أمام البرلمان المصريّ بمقره الجديد في العاصمة الإدارية.تغييرات حكومية هامة وعلى الصعيد الحكومي، شهدت الحكومة المصرية خلال العام الجاري تعديلات وصفت بأنها الأوسع في تاريخها، وطالت تلك التغييرات عددًا كبيرًا من الوزارات المختلفة وخصوصًا السيادية والخدمية والمجموعة الاقتصادية، إضافة إلى دمج عدد من الوزارات واستحداث أخرى في إطار توجه الدولة المصرية بتطوير السياسات الحكومية لمواكبة التحديات التي ما تزال تواجه البلاد، وأحدثت هذه التغييرات التي طالت 23 حقيبة وزارية ردة فعل إيجابية لدى مختلف الأوساط المصرية. عودة العلاقات المصرية التركية بعد 13 عاماً من الفتور وسط الأزمات الصعبة والأوضاع الأمنية والسياسية المضطربة في العديد من دول المنطقة، نجحت مصر ليس في الحفاظ على علاقاتها بشركائها الإقليميين والدوليين فحسب، بل تخطت هذا الأمر وذهبت لما هو أبعد من ذلك، واستطاعت احياء علاقات كانت مقطوعة منذ سنوات، وتجلّى ذلك في إعادة علاقاتها مع تركيا بعد تبريد حدة التوترات بين القاهرة وأنقرة طوال السنوات الإحدى عشرة الماضية، في أعقاب ثورة 30 يونيو عام 2013 التي أطاحت بنظام جماعة "الإخوان"، وتبادل رئيسا البلدين الزيارات الرسمية وعادة الأمور إلى طبيعتها مرة أخرى على المستويات كافة. زيارات خارجية مهمة وفي إطار مواكبتها للأحداث والتغييرات الإقليمية والدولية عمدت مصر إلى إحداث توازن في علاقتها بدول العالم المختلفة، وشهدت السياسة الخارجية لها خلال 2024 نقلة نوعية، وظهر ذلك في الجولات المكوكية الخارجية للرئيس السيسي والتي كان من أبرزها زيارته الرسمية إلى دولة الصين، ولقائه بعدد من كبار المسؤولين هناك وفي مقدمتهم الرئيس الصيني شي جين بينغ، وشهدت الزيارة توقيع عدد من اتفاقيات التعاون بين البلدين، من بينها خطة التطوير المشترك لمبادرة الحزام والطريق. كما قام السيسي خلال هذا العام بجولة أوروبية شملت الدنمارك، النرويج، وأيرلندا، مثلت وبحسب كثيرين خطوة مهمة باتجاه تعزيز العلاقات بين مصر ودول الاتحاد الأوروبي، في وقت تشهد فيه منطقة الشرق الأوسط تغييرات جيوسياسية مهمة.حضور مصري بارز في القمم العالميةشاركت مصر هذا العام في اجتماعات قمة مجموعة العشرين التي عُقدت في العاصمة ريو دي جانيرو، وطالب الرئيس السيسي خلال كلمة له في القمة بضرورة تدشين ما أطلق عليه (التحالف العالمي لمكافحة الفقر والجوع)، وذلك بهدف تعزيز الشمول الاجتماعي والقضاء على الفقر والجوع، وجدد السيسي دعوة مصر لتدشين مركز عالمي لتخزين وتوزيع الحبوب والمواد الغذائية على أرضها لضمان أمن الغذاء وتعزيز سلاسل الإمداد ذات الصلة.كما شارك السيسي في قمة تجمع دول "بريكس"، التي انعقدت بمدينة "قازان" الروسية، وهي القمة التي تشهد لأول مرة مشاركة مصر كعضو في التجمع منذ انضمامها رسميًا له في بداية العام الجاري.اهتمام غير مسبوق بدول القارة السمراء وتعاظم التوجه المصريّ نحو الكثير من الدول الإفريقية على نحو جيد خلال العام الجاري مع الكثير من الدول الإفريقية، وخصوصًا التي لم تكن تحظى باهتمام المسؤولين في مصر، وترجم هذا التوجه من خلال تعزيز الاتصالات والمشاورات شملت جيبوتي شرقًا، وبوركينا فاسو غربًا وجنوب إفريقيا، والكونغو والكاميرون وسطًا، وذلك عبر 3 مسارات (تنموية وسياسية وعسكرية)، كما وقّعت مصر اتفاقات عديدة مع عدد من دول القارة السمراء في مختلف القطاعات، والتي كان أبرزها الاتفاق الدفاعيّ مع دولة الصومال، ويأتي التقارب المصريّ هذا مع الدول الإفريقية في ظل تفاقم أزمة سد النهضة الاثيوبيّ الذي بات يؤرق عموم المصريين.إقرار قانون خاص باللاجئين وفي خضمّ تزايد أعداد اللاجئين في ربوع المحافظات المصرية خلال الفترة الأخيرة، بسبب تزايد وتيرة النزاعات والحروب داخل المنطقة، وجدت مصر نفسها مسؤولة عن ما يزيد على 9 ملايين لاجئ وفقًا لتقديرات الحكومة المصرية، وهو ما مثل أعباءً اقتصادية واجتماعية كبيرة على مصر التي تعاني بالأساس مشكلات جمة على هذين القطاعين، لذا وافق مجلس النواب المصريّ على قانون لجوء الأجانب الذي قدمته الحكومة من أجل تقنين أوضاع اللاجئين، والذي يهدف إلى وضع تنظيم قانوني لأوضاع اللاجئين وحقوقهم والتزاماتهم المختلفة في إطار الحقوق والالتزامات التي قررتها الاتفاقيات الدولية.تحرير سعر الصرف وفيما يتعلق بالأوضاع الاقتصادية فقد استحوذت على النصيب الأكبر داخل البلاد، خصوصًا بعد أن شهد هذا العام اتخاذ قرارات مهمة، انعكست وبشكل مباشر على الأوضاع الاقتصادية برمتها داخل مصر، ومن أبرز هذه القرارات كان إعلان البنك المركزيّ المصري السماح لسعر صرف الجنيه بالتحرك وفقا لآليات السوق، وهو ما ساهم في القضاء الكامل على السوق الموازية للعملات الأجنبية داخل الدولة، وزيادة تحويلات المصريين العاملين في الخارج.صفقة رأس الحكمة اقتصاديا أيضا، مثلت صفقة رأس الحكمة التي وقعتها مصر مع دولة الإمارات العربية المتحدة ووصفت بأنها أكبر صفقة استثمارية داخل مصر، طوق نجاة بالنسبة للاقتصاد المصريّ الذي كان يواجه مشكلات متعددة كان أبرزها عدم توافر سيولة النقد الأجنبي، فالصفقة التي بلغت قيمة استثماراتها الإجمالية نحو 150 مليار دولار، كان لها تداعيات إيجابية على الاقتصاد المصري، حيث سمحت للحكومة تدبير الاحتياجات الأساسية التي تستوردها مصر والتي تعتمد على الدولار الأميركي، فضلًا عن الإفراج على البضائع التي كانت متكدسة في الموانئ المصرية لشهور طويلة بسبب عدم توافر السيولة الدولارية المطلوبة. تحريك أسعار المحروقات 3 مرات وصف عام 2024 بأنه الأصعب على عموم المصريين، وذلك بعد إقدام الحكومة على اتخاذ قرارات قاسية، حيث كان من أهمها رفع أسعار المحروقات للمرة الثالثة هذا العام، وعزى رئيس الحكومة الدكتور مصطفي مدبولي هذا التحريك بأنّ الدولة تحملت أعباء كثيرة نتيجة الزيادة الهائلة في المنتجات البترولية والوقود، كاشفًا في الوقت ذاته بأنّ حكومته مضطرة لزيادة الأسعار حتي عام 2025، في إطار خطتها لرفع الدعم بشكل كامل عن أنواع المحروقات كافة، ونتيجة لتحريك أسعار الوقود شهدت الأسواق المصرية ارتفاعات كبيرة خصوصًا في ما يتعلق بالسلع الغذائية الأساسية وعلى رأسها اللحوم والدواجن والأسماك، بالإضافة إلى الخضروات والحبوب وزيوت الطعام. زيادة سعر رغيف الخبز لأول مرة منذ 36 عاماًفي خطوة قوبلت برفض شديد من قبل المواطنين المصريين وخصوصًا محدودي الدخل، لجأت الحكومة إلى رفع سعر رغيف الخبز المدعم بنحو 4 أمثال سعره، ليصل إلى 20 قرشًا بعد أن كان 5 قروش، وهو السعر الذي ظل ملاصقًا لرغيف الخبز طيلة 36 عامًا مضت.مصر في 2025ومع قرب العام الجديد استطلعت المشهد آراء عدد من المراقبين، للحديث عن توقعاتهم لما يمكن أن تؤول إليه الأمور داخل مصر في العام المقبل، وخصوصًا في ما يتعلق بالملفين السياسيّ والاقتصادي.استمرار ضغوط صندوق النقد الدولي وكانت بعثة صندوق النقد الدوليّ اختتمت أعمال المراجعة الرابعة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي المصريّ الشهر الماضي، والتي تستهدف صرف الشريحة الأكبر من شرائح القرض المتفق عليه بقيمة 8 مليارات دولار، وبإتمامها ستحصل القاهرة على 1.2 مليار دولار، لكنّ رئيس المنتدى الاقتصادي المصري الدكتور رشاد عبده أشار في تصريحات خاصة لمنصة "المشهد" أن عام 2025 سيشهد ضغوطًا كبيرة من قبل صندوق النقد على الدولة المصرية لتنفيذ شروطه الصعبة والتي من بينها بيع المزيد من أصول الدولة سواء بنوك أو شركات وخلافه، مؤكدًا أنّ هذه الضغوط ستؤتي ثمارها وبالتالي سيكون هناك مزيد من خفض قيمة الجنيه المصري خلال العام الجاري، مشيراً إلى أنّ هناك حالة واحدة قد لا تتسبب في خفض العملة المصرية، وتتمثل في دخول مصر في استثمارات مباشرة وشراكات استثمارية مع جهات أخرى، ومن ثم سيعمل هذا الأمر على توفير نسبة عائد جيد في المستوى القريب.أعباء معيشية متزايدة ووفقًا لبرنامج الإصلاح الاقتصاديّ الذي تتبناه مصر، فإنّ عملية ترشيد الدعم ستتواصل في العام الجديد، وسيتم رفع تدريجيّ لأسعار الوقود حتى نهاية 2025، وفي هذا الإطار توقع عبده أن تزداد الحياة المعيشية صعوبة على الكثير من المصريين العام المقبل، نتيجة لعزم الحكومة رفع أسعار المحروقات، خصوصًا وأنّ الكثير من أنواعها تستخدم في التصنيع والنقل والتوزيع، وبالتالي فإنّ الأسواق مرشحة أن تشهد ارتفاعات وخصوصًا في ما يتعلق بأسعار الغذاء، ناهيك عن ارتفاع تعريفة وسائل المواصلات والتي تعتمد جميعها على المحروقات.حماية الأمن القومي المصري من جهته، الخبير في مكافحة الإرهاب اللواء رضا يعقوب أكد أنّ الحفاظ على محددات الأمن القومي المصري تعدّ على رأس أولويات الحكومة خلال العام المقبل، وذلك في ضوء جملة التحديات التي وصفها بالخطيرة، ولا تزال حاضرة على الجبهات الإستراتيجية كافة، فضلًا عن تنامي الأزمات الإقليمية، والتي من أبرزها استمرار الاقتتال الداخليّ في السودان، والحرب الإسرائيلية المشتعلة في قطاع غزة، وانعدام الاستقرار في ليبيا، وهو ما يتطلب يقظة مستمرة واستراتيجيات فعّالة للحفاظ على أمن مصر القومي.تحالفات لمواجهة أزمة سد النهضة وطالب يعقوب بأهمية تحرك مصر بشكل أكثر فاعلية العام القادم من أجل عودة مسار مفاوضات سد النهضة مرة أخرى بعد توقفها الفترة الماضية، باعتبارها المسار القادر على حلحلة تلك الأزمة، كما حث على ضرورة العمل على تكوين تحالفات إقليمية ودولية تكون داعمة للموقف المصريّ في أيّ مفاوضات أو عند اللجوء مرة أخرى لمجلس الأمن الدولي.وينتظر المصريون أن يكون عام 2025 بداية حقيقة لتحقيق الاستقرار المنشود على المستويات كافة، بما يضمن لهم حياة معيشية أفضل لهم ولأولادهم.(المشهد - مصر)