نفت صحيفة "الوطن" السورية عن مصادر مطلعة في دمشق صحة الأنباء التي تفيد بوجود تواصل بين الجانب السوري وأي أحزاب تركية سواء كانت موالية أو معارضة للحكومة التركية. هذا النفي جاء عقب ساعات من زعم حزب الشعب الجمهوري التركي تلقيه رداً إيجابياً على طلب رئيسه، أوزغور أوزيل، للقاء الرئيس بشار الأسد. المواقف السورية الرسمية أكدت انفتاحها على جميع المبادرات المتعلقة بالعلاقة بين سوريا وتركيا، شريطة احترام سيادة الدولة السورية ومحاربة الإرهاب. سباق تركي – تركي حالة التنافس والسباق على التواصل مع دمشق لحل المشكلات العالقة طفت إلى السطح من جديد بعد أن هدأت بعد الانتخابات الرئاسية التركية في مايو 2023. في الآونة الأخيرة، توالت التصريحات بين الحكومة والمعارضة التركية التي تشير إلى رغبتهما في إعادة الدفء إلى العلاقات مع سوريا، حيث أطلق الرئيس التركي مؤخرًا تصريحات تعتبر الأقوى في مسار التطبيع السوري – التركي، أشار فيها إلى رغبته الكبيرة بفتح صفحة جديدة مع دمشق، مستذكرًا أيامه السابقة مع الرئيس الأسد واجتماعاتهم العائلية. في المقابل، تحاول المعارضة التركية استغلال ورقة العلاقات مع سوريا لصالحها، كونها مرتبطة بالعديد من المشاكل التي تعصف بتركيا، ووصل ذلك إلى إعلان حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة في تركيا، أنه تلقى رداً إيجابياً على طلب رئيسه أوزغور أوزيل لقاء الأسد بدمشق، في مسعى لدفع جهود تطبيع العلاقات بين تركيا وسوريا، الأمر الذي نفته دمشق كليًا. وعلى الرغم من أن مواقف المعارضة التركية كانت لينة ومتوافقة أكثر من مواقف السلطة، إلا أن دمشق لم تفتح علاقات معها. ويضع الباحث والمحلل السياسي السوري د. محمد نادر العمري في حديث إلى منصة "المشهد" النفي في سيناريوهيين: إما أن الدولة السورية اليوم لا تريد منح أيّ من القوى السياسية في تركيا سواء كانت المعارضة أو السلطة أيّ ورقة لتوظيف الملف الداخل السوري ضمن التجاذبات والمناوشات السياسية الحاصلة في تركيا.أو أن الدولة السورية تريد الذهاب نحو تطبيع مع الدولة التركية وفق أساس ومبادئ الشريعة الدولية من دون إيجاد أيّ عراقيل أمام هذا التطبيع؛ وبالتالي ليس صدًا للمعارضة التركية بقدر ما يمكن وصفه بأنه إبداء بناء ثقة وإرساء علاقات سليمة ما بين الجانبين وخصوصًا بعد حالة التوتر ما بين سوريا وتركيا.في السياق، يقول نائب رئيس حزب الجيد التركي تورهان تشوميز والمستشار والطبيب الشخصي السابق لإردوغان في حديث إلى منصة "المشهد" إنّ "السياسة التي تنتهجها حكومة إردوغان منذ سنوات، وخصوصًا منذ بداية الحرب الأهلية في سوريا، خاطئة، وأثرت سلباً على الأمن بين البلدين الجارين، وعلى المنطقة كلها".ويلفت تشوميز إلى أن "ملايين النازحين الذين يحاولون الهجرة من وإلى بلدنا وإلى بلدان أخرى بحثًا عن مكان للعيش تجلب معها مشاكل حاسمة مثل التضخم الناجم عن الهجرة، كل هذه الديناميكيات، من وجهة نظر حزب الجيد، تجعل من الضروري إقامة صداقة بين أنقرة ودمشق".مصلحة مشتركة وتبدي كلا من أنقرة ودمشق رغبة في تقريب وجهات النظر بينهما، والوصول إلى حلول ترضي الطرفان، في وقت يحتاج فيه الجانبان إلى حل للمشاكل العالقة بينهما.ورغم الجهود المتواصلة، لا تزال هناك تحديات كبيرة تعترض طريق التقارب بين البلدين، أهمها الوجود العسكري التركي في شمال سوريا، والذي تراه دمشق "احتلالاً" لأراضيها وتشترط زواله لتطبيع العلاقات، وهو ما ترفضه أنقرة حتى الآن بذريعة وجود قواتٍ كردية على حدودها الجنوبية تشكل خطراً على أمنها القومي. وازدادت مخاوف تركيا بعد إعلان الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا إجراء انتخابات محلية في 11 يونيو الماضي، في مناطق عدة تشمل الشهباء وعفرين ومنبج بريف محافظة حلب، ومقاطعتي الفرات والطبقة التابعتين لمحافظة الرقة، إضافة إلى مدن وبلدات ريف دير الزور الشرقي ومناطق الجزيرة السورية في محافظة الحسكة. لكن هذه الانتخابات تم تأجيلها إلى أغسطس القادم. وجاء هذا التأجيل استجابة لمطالب الأحزاب والتحالفات السياسية المشاركة في الانتخابات، التي طالبت المفوضية العليا للانتخابات بتأجيلها لتوفير وقت أطول للحملات الدعائية، ولتأمين المدة الكافية لمخاطبة المنظمات الدولية لمراقبة سير العملية الانتخابية، وفقاً لبيان صادر عن الإدارة الذاتية.من جهته، يقول تشوميز إن "تحسين العلاقات بين سوريا وتركيا وإنشاء قنوات قديمة من الصداقة والتعاون سوف يشكل تطوراً مهماً للغاية ليس فقط للبلدين بل وأيضاً للمنطقة. ونحن نعتقد أنه ينبغي تطهير سوريا من جميع العناصر الإرهابية ونؤكد على ضرورة استعادة سوريا لمناخ السلام والهدوء، كما نؤكد على ضرورة حماية وحدة أراضي سوريا ورفع الحصار المفروض عليها".فيما يرى العمري أن "عودة العلاقات ستعود بالنفع على كلا الجانبين السوري والتركي، خصوصًا أن سوريا اليوم بحاجة إلى الذهاب نحو حل سياسي، وتركيا لعبت دورًا سلبيًا مؤثرًا في سوريا. في المقابل، أنقرة بحاجة إلى تحسين الواقع الاقتصادي، وتأمين مقومات الأمن القومي التركي وحل قضية اللاجئين، وهذا لا يتحقق إلا بالتنسيق مع دمشق". ويرجع العمري تصريحات إردوغان الأخيرة إلى الوضع الداخلي التركي سواء كان خسارة حزب العدالة والتنمية للانتخابات المحلية الأخيرة وفقدانه لأهم المدن سواء كان إسطنبول، أو أنقرة، أو إزمير، وتصاعد قوة الأحزاب المعارضة. بالإضافة إلى الضغوط التي يعاني منها حزب العدالة والتنمية فيما يتعلق بموضوع اللاجئين الذين باتوا اليوم يشكلون عبئًا على الداخل التركي اجتماعياً واقتصادياً وأمنياً. ويعتقد العمري أن "الوضع الاقتصادي اليوم لتركيا لا يمكن أن يعود إلى سابق عهده وبخاصة بعض التخبطات الاقتصادية وتراجع الليرة التركية وتراجع النمو الاقتصادي، إلا بعد تصفير مشاكلها مع الدول المجاورة. ولا بد من الإشارة إلى أهمية البعد الأمني المتمثل بمخاطر إقدام "قسد" وبالتعاون مع القوى الكردية في شمال العراق باتجاه الذهاب نحو إجراء انتخابات محلية".المعارضة السورية في مأزق بعد فتح معبر أبوالزندين بين مناطق سيطرة الحكومة السورية والمعارضة، بدأت مخاوف الأخيرة تزداد من تخلي أنقرة عنهم، وتسليم مناطقهم تدريجيًا إلى دمشق. وعبروا عن ذلك بتظاهرات انطلقت في الشمال السوري، وحاصروا المؤسّسات المدنية والسياسية والعسكرية التركية، وأنزلوا الأعلام التركية وحرقوا بعضها. يشرح العمري أن "خسارة المعارضة للجانب التركي دليل على أن هذه المعارضة ليست لديها بيئة شعبية في الداخل السوري، وكانت تستند على قوة خارجية تريد تنفيذ أجنداتها في الداخل السوري عبر هويات وشخصيات سورية".الجدير بالذكر أن مسار التقارب بين أنقرة ودمشق بدأ بشكل رسمي في 28 ديسمبر 2022، بهدف استعادة العلاقات السياسية بين الطرفين، التي قطعت منذ 2011. وعلى الرغم من الخلافات بين الجانبين، إلّا أنهما يُجمعان على ضرورة تفكيك مشروع "قوات سوريا الديمقراطية" في شمال شرقي سوريا، في وقت ترى فيه أنقرة امتدادًا لحزب "العمال الكردستاني" فيما تراه دمشق مشروعًا انفصاليًا يهدد وحدة البلاد.(المشهد )