فيما لا تزال الاشتباكات بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع مستمرة في الخرطوم ومدن أخرى، على الرغم من الهدنة المؤقتة، إلا أن صراعا آخر يدور رحاه في إقليم دارفور بغرب البلاد يثير مخاوف من إيقاظ حرب قبلية في المنطقة التي تشهد بالفعل أزمة مستمرة منذ نحو عقدين من الزمان.دارفور التي تُعادل مساحة فرنسا تقريبا، تُعاني من صراعات متفرقة منذ الحرب التي وقعت عام 2003 بين قوات الرئيس السابق المعزول عمر البشير شاركت فيها قوات الجنجويد (قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو)، ومتمردين متحدرين من أقليات إثنية، وتسبّبت بمقتل قرابة 300 ألف شخص ونزوح 2.5 مليون.والآن، مع امتداد الصراع بين قوات الجيش وقوات الدعم السريع والمستمر منذ 15 أبريل الجاري إلى الجنينة عاصمة غرب دارفور، يخشى سكان المنطقة من تحوّل الحرب إلى أزمة إثنية قبلية فوضوية تكون نتائجها وخيمة.صراع شرس.. وقتلى مدنيينتقارير أممية وحقوقية تحدثت عن مصرع 74 شخصا، وإصابة المئات، كما قالت نقابة أطباء السودان إن هناك "عمليات نهب وحرق واسعة طالت الأسواق والمرافق الحكومية والصحية ومقرات منظمات طوعية وأممية والبنوك والمخيمات التي يعيش فيها النازحون" في الجنينة.كما أفادت منظمة "أطباء بلا حدود" في بيان السبت بأن "مستشفى الجنينة التعليمي الذي تدعمه المنظمة بشكل مباشر تعرض لاقتحام عنيف خلال اليومين الماضيين، حيث نُهبت أجزاء من المستشفى وبات بلا إمدادات ولا طواقم طبية"، معربة عن قلقها المتزايد "تجاه سلامة موظفي الرعاية الصحية في غرب دارفور". المستشفيات في عاصمة غرب دارفور تعرضت للنهب والجرحى محاصرون داخلها (أطباء بلا حدود)وذكرت أن "الكثير من الناس عالقون في خضم هذا العنف، وهم يخشون المخاطرة بسلامتهم وحياتهم إن حاولوا الوصول إلى المرافق الصحية القليلة جداً التي لا تزال أبوابها مفتوحة وتعمل".وتحدثت تقارير أخرى عن توزيع أسلحة على المدنيين وقصف يستهدف المنازل، وهو ما يطرح تساؤلات عدة بشأن تحوّل هذا الصراع إلى معارك قبلية مسلحة تمتد إلى خارج الإقليم، وتُصعّد الصراع الموجود بالفعل.دارفور.. حرب مستمرة منذ 2003 وفي هذا السياق، يقول الكاتب والباحث السوداني فايز السليك في تصريح لمنصة "المشهد" إن "الحرب في دارفور اندلعت منذ عام 2003 إلى مواجهات بين الحكومة وفصائل مسلحة عدة بعد أن كانت عبارة عن نزاعات قبلية بسبب الموارد والهوية بين قبائل إفريقية، وأخرى ذات أصول عربية، وعلى الرغم من وجود اتفاقات سلام في أبوجا عام 2006 والدوحة عام 2011، إلا أن الحرب لم تتوقف".ويضيف السليك الذي شغل منصب المستشار الإعلامي السابق لرئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك، أنه "بعد سقوط نظام الرئيس السابق عمر البشير في عام 2019، وقعت معظم الفصائل على سلام جوبا عام 2020، كما شهدت ولاية غرب دارفور صراعات متكررة بين قبيلة المساليت وقبائل ذات أصول عربية كان آخرها الصراع الحالي".وتوقع السليك أن "تزيد الحرب في الخرطوم بين الجيش والدعم السريع من اتساع دائرة الصراع القبلي هناك، لا سيما وأن لقوات الدعم السريع قواعد قبلية واجتماعية هناك"، مشيرا إلى أنه يخشى "من صراعات عرقية دموية تنتقل إلى كافة مناطق دارفور"، قائلا: "من دون شك سيزحف الصراع إلى دارفور وكردفان المجاورة لها وإلى الخرطوم، ومناطق أخرى".زحف الصراع القبلي أما فيما يخصّ مسألة وجود "مرتزقة" كما ذكر قائد القوات المسلحة عبد الفتاح البرهان في تصريح سابق، يقول السليك في حديثه لـ"المشهد": "يصعب إطلاق كلمة مرتزقة هكذا"، مضيفا: "نعم لا أستبعد تسلل عناصر قبلية من تشاد والكاميرون وليبيا لوجود امتدادات لتلك القبائل وانتماءات عابرة للحدود، ومثلما سيكون العنصر الإثني عامل جذب، يمكن كذلك أن يلتحق البعض للصراعات بدوافع مالية بما في ذلك الاستيلاء على أراض زراعية مثلما حدث في السابق".من جانبه، يرى المحلل السياسي السوداني عمسيب عوض في حديث لـ"المشهد" أن الصراع الدائر في دارفور "عمل على تجييش المدنيين في تلك المناطق، حيث إن واحدة من إشكالات هذه المناطق هي انتشار السلاح، وعدم استتباب الأمن بصورة شبه دائمة في مناطق مدنية".ويشير عوض إلى أن "قوات الدعم السريع مكونة من جنسيات مختلفة مثل تشاد وغيرها من الدول، ومن المتوقع أن تكون هناك تحركات لهذه القوات من خارج الحدود لتحاول الدخول إلى الأراضي السودانية".كما ذكر بأن "الصراع في دارفور مرتبط بالجانب القبلي بشكل كبير وهو الأمر الواضح من خلال الصراعات التي حدثت في الفترة الماضية، وخطورة هذا الصراع أنه يحمل الطابع القبلي بشكل كبير، وهذا يؤدي إلى تأجيج الصراع بشكل كبير وحتى نقل الصراع القائم بين الجيش والدعم السريع إلى صراع قبلي ما بين جهات إثنية مختلفة".(المشهد)