تسود الأوساط الإسرائيلية حالة من النقيضين، بين ابتهاج الكثير، وإصابة البقية بخيبة أمل، عقب عملية تفجيرات البيجر التابعة لعناصر "حزب الله" في لبنان وسوريا، والتي أوقعت عشرات الضحايا وآلاف الجرحى بينهم مدنيون، والأبرز في الحدث أن إسرائيل الرسمية تبقي نفسها في الظل، وتمتنع عن إعلان مسؤوليتها حيال ذلك، فيما أصابع الاتهام من قبل الحزب اتجهت نحوها.تحرّك إسرائيل نحو الشمالوفي هذا السياق، أفادت وسائل إعلام إسرائيلية، بأن الفرقة 98 في الجيش الإسرائيلي، توقّفت عن القتال قطاع غزة، قبل 3 أسابيع، وبدأت اليوم التحرك شمالاً في ظل التصعيد الحاصل مع "حزب الله" اللبناني، وانتقدت العديد من الصحف الإسرائيلية العملية وأجمعت على أنه "حتى لو لم تتبن إسرائيل مسؤولية التفجير، فالعملية ومهما بلغت أهميتها، لن تعيد سكان الشمال لمنازلهم، ولن تغير الواقع بشكل جذري، ولن تؤثر على المعادلة الإستراتيجية". المواجهات القائمة بين إسرائيل و "حزب الله" منذ اندلاع الحرب على قطاع غزة، شهدت تطوراً كبيراً بالتفجير المنسوب لإسرائيل، وأدى لتصاعد حدة التوتر، حال ميداني وسياسي اعتبره مراقبون ومتابعون بداية "لمؤشرات حرب شاملة بين الجانبين". ويبقى احتمال تطور المواجهة بينهما موضوعاً شائكاً يرتبط بعوامل داخلية وإقليمية بحسب محللين وخبراء لمنصة "المشهد"، فالحسابات الإستراتيجية للطرفين تفرض حذراً في الانجرار نحو حرب شاملة. الحرب الإسرائيلية - اللبنانية وحول ضلوع إسرائيل بعملية التفجيرات اللاسلكية في لبنان، قال الأكاديمي والخبير العسكري الإسرائيلي د.موشيه إلعاد لمنصة "المشهد" إن:أحد أكبر إحباطات نصر الله هو أنه يشك في إسرائيل ولكن ليس لديه دليل على ذلك، لقد تعرض لضربة قوية، وفشله الاستخباراتي شديد، وتراجعت قيمته الآن في نظر الإيرانيين.إسرائيل بالطبع لا تتحمل المسؤولية في هذه الحالة، وهذا يزيد من حاجة "حزب الله" إلى إثبات أنه إسرائيل، لم يكن بإمكانه القيام بذلك إلا بشكل زائف أو مصطنع لأن العمل المنجز كان خالياً من كل الآثار. وأشار الخبير العسكري د.إلعاد إلى أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية على أهبة الاستعداد للسيناريوهات المرتقبة، "تستعد إسرائيل لاحتمال أن يقول نصر الله المحبط والمصدوم وغير الآمن إنه ليس لديه ما يخسره ويبدأ حملة ضد إسرائيل، إسرائيل نفسها أبلغته مرات عدة أنه إذا لم يتم حل مشاكل الحدود ولم يسحب قواته عبر نهر الليطاني ومواصلته تهديد السكان، ستفتح إسرائيل حملتها ضده، في هذه الأثناء، هناك ضغوط شديدة من سكان الشمال البالغ عددهم 85 ألف نسمة الذين هاجروا إلى الجنوب، ويطالبون بالعودة إلى ديارهم". ويؤكد الخبير العسكري بأن التطورات الميدانية ستقود لحالة من التصعيد والحرب الإسرائيلية اللبنانية قد تندلع في أي وقت "الاشتباكات بدأت بين "حزب الله" وإسرائيل عام 2000 بعد انسحاب إسرائيل من الشريط الأمني في لبنان إلى الحدود الإسرائيلية، وبطلب من رؤسائه في إيران، كان على نصر الله أن يخترع أسباب الصراع، لأنه في الواقع لم تكن هناك أسباب، وتحدث عن مشاكل إقليمية بين إسرائيل ولبنان لم تكن موجودة من قبل، ومنذ ذلك الحين وهو يواجهنا بدعم إيراني، وتفضل إسرائيل بالطبع أن يكون هناك خط على الحدود على الجانبين، لكن الإيرانيين ليسوا مستعدين لذلك، ونصر الله ينفذ أوامرهم فحسب".قواعد الاشتباك ويعتقد الباحث والمحلل السياسي في الشأن الإسرائيلي عصمت منصور أن الرسالة التي تعمدت إسرائيل توصيلها من خلال عملية التفجيرات اللاسلكية لـ"حزب الله" تتضمن أكثر من رسالة:كسر وتحد لقواعد اللعبة والاشتباك بين الجانبين، وفرض حالة جديدة في المشهد، إسرائيل تريد كسر معادلة الـ11 شهر الأخيرة على الحدود الشمالية.تسعى إسرائيل لوضع "حزب الله" أمام خيارات، إما المواجهة أو الذهاب إلى تسوية، وتقول في الضربة بأنها أعدت وتعد مفاجآت وقادرة وذاهبة ولديها القدرة على المضي حتى النهاية.الأمور تذهب باتجاه تغيير المعادلات في الشمال، هل تنجح؟ أنا أعتقد بأن هذا يتوقف عند "حزب الله". ويستبعد المحلل السياسي في حديث لـ"المشهد" أن تندلع مواجهة عسكرية شاملة بين إسرائيل و "حزب الله"، "لأن إسرائيل غير معنية في نشوب وإدارة حرب مع "حزب الله" الذي يتميز بقوة ردع هائلة، ومنظومة متطورة من الصواريخ كما أنه قادر على ضرب العمق الإسرائيلي، بل إسرائيل معنية بإدارة معركة أو حرب أمنية، واستخباراتية، واستنزافية، تكون قائمة على الإحراج والإهانة، وتجعل الحزب يجثو على ركبتيه، وفي المقابل "حزب الله" يرغب في الحفاظ على المعادلة ولا ينجر لمواجهة من شأنها أن تدمر لبنان، ويبقي أوراقه الضاغطة على إسرائيل".مقاربة الردع وأوضح الباحث والمحلل السياسي أشرف عكة لمنصة "المشهد" بأن "إسرائيل أرادت أن يكف "حزب الله" عن هذه المواجهة ومنع وقوفه بجانب المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة من أجل أن تستفرد بها، وتفكيك الجبهات، والضغط على الحزب داخلياً وعبر التحركات السياسية والدولية، لكي تتوقف العمليات العسكرية عند الحدود الشمالية وتعيد إسرائيل آلاف السكان، وهي محاولة إسرائيلية ليكون للولايات المتحدة وجود نشط من الناحية العسكرية والسياسية". واستطرد عكة حديثه قائلاً بأن "إسرائيل لن تتمكن من إعادة الآلاف من الإسرائيليين للحدود الشمالية في الوقت الراهن، فالصراع الممتد ضدها على أكثر من جبهة ضمن فعاليات غير تقليدية، بل سوف نكون أمام أيام قتالية لا حرب شاملة مع "حزب الله"، خصوصا وأن المنطقة تعيش اضطرابا غير مسبوق، وفكرة الإكراه الشامل والحرب الشاملة التي تروج لها إسرائيل، تأتي في سياق إجبار "حزب الله" لتغيير سياسته في المواجهة".(المشهد)