تبعات هجوم السابع من أكتوبر قلبت موازين السياسة والقطاعات الحياتية في إسرائيل، ضربة يرزح تحت وطأتها الاقتصاد تحديداً، حيث أضحى خمس القوى العاملة في إسرائيل دون عمل، بفعل عمليات الإجلاء، وإغلاق المدارس، واستدعاء جنود الاحتياط للانخراط في الحرب. وتعتمد إسرائيل على العمالة الفلسطينية من الضفة الغربية، وبدرجة أقل من غزة، في قطاعات التشييد والبناء، والزراعة والغذاء والخدمات، وأقدمت الحكومة الإسرائيلية على إيقاف تصاريح العمل الخاصة بقرابة 200 ألف عامل فلسطيني لديها، ومنعتهم من العمل، أغلبهم من الضفة الغربية، وبينهم 17 ألفاً من قطاع غزة، وتتحكم إسرائيل بتشغيلهم، فتمنع وتسمح، وتزيد وتقلص، تبعاً للأوضاع الأمنية والاقتصادية.أدى هذا الحال إلى تجرّع الاقتصاد الإسرائيلي خسارة اقتصادية بالغة، وصلت لـ830 مليون دولار شهرياً، فيما تبدو تجليات الأزمة على الإقتصاد الفلسطيني تتفاقم، الذي يعاني من الشلّل والركود، وأثرت على تنامي وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، وتشير التقديرات إلى أن تشغيل العمال الفلسطينيين في إسرائيل، مسؤول عن 15% من الناتج المحلي الإجمالي الفلسطيني، لكن ومنذ بداية الحرب يلزم غالبية العمال منازلهم، جراء منع دخولهم لأعمالهم. وسائل إعلام إسرائيلية أشارت، أن الولايات المتحدة طلبت من إسرائيل إعادة استقدام عمال من الضفة الغربية، ولاقى الطلب قبولاً من رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، بينما عارضه أغلبية وزراء الحكومة، فيما دعم كل من جهاز الشاباك، والجيش الإسرائيلي، ومنسق الحكومة في الضفة الغربية، زيادة عدد العمال الفلسطينيين في إسرائيل. إجراءات وتداعيات قرابة 30 ألفاً من العمال الفلسطينيين في إسرائيل، يشتغلون في مجال البناء والزراعة والمصانع، وبقيتهم يعملون في مجالات مختلفة، ويقول مقاول البناء العربي، أبو نائل محاميد من أم الفحم لمنصة "المشهد" إن "العمال الفلسطينيون يتميزون بقدراتهم وإنتاجهم العالي، وإتقانهم في العمل، فهم يستطيعون البقاء في العمل ساعات طويلة، وتكاليفهم أخف من العمال الأجانب، وإسرائيل تفضل أن تصرف الرواتب هنا، لتستفيد من مردودها، وليس في الخارج مثل عمالة الأجانب".وكان آلاف العمال الفلسطينيين قبيل الحرب، يتوجهون من البلدات الفلسطينية إلى عملهم عند الفجر، ولا يعودون إلى منازلهم سوى في المساء، حيث كانوا يقضون جزءاً طويلاً من وقتهم على حواجز التفتيش الإسرائيلية، ولا يحصل هؤلاء العمال على تعويضات بطالة أو ضمان اجتماعي مثل العمال الإسرائيليين، ولا يوجد نظام ضمان اجتماعي يشملهم من السلطة الفلسطينية.ويعرب فراس مرعي، وهو في أواسط الأربعينات لمنصة "المشهد"، وكان ينتقل إلى إسرائيل للعمل في مجال الزراعة، عن تشاؤمه قائلاً "واقعنا صعب، ومستقبلنا مبهم، ما نعيشه معقّد وموجع، أعاني من ضغط نفسي، ولا توجد لدي مدخرات، فقدت عملي في إسرائيل بفعل الحرب، والقوات الإسرائيلية تفرض علينا حصاراً خانقاً، تعقد حياتنا وتجوع الناس".استقطاب العمال الأجانبوبفعل تداعيات الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة، ومنع العمال الفلسطينيين من دخول إسرائيل، وعودة آلاف العمال التايلانديين إلى بلادهم بسبب تصاعد العمليات الحربية، باتت تتطلع إسرائيل لمعالجة نقص العمال الفلسطينيين، عبر استقدام عشرات آلاف الهنود "غير المسلمين" حصراً، وكذلك من عدة دول، كالصين، ومولدوفا، وتايلاند، والهند. ويعلق الباحث والمحلل السياسي إلحنان ميلير عبر منصة "المشهد" حول هذا الإجراء الإسرائيلي، "خيار استقدام العمال الأجانب إلى إسرائيل، هو قرار سيئ، لأن جلبهم يستغرق وقتاً طويلاً، والسبب أن إسرائيل تعيش تحت مخاطر أمنية بسبب الحرب المشتعلة، ومثل هذا الاقتراح يثير الشك بوجود فساد، كمل حصل قبل سنوات عندما تم استقدام عمال أجانب، فتحت قضية دفع رشاوى غير قانونية، بالمجمل العمال الفلسطينيين أكثر كفاءة من العمال الأجانب بكل المستويات والمقاييس، وتكلفتهم المادية أقل، وفق التقديرات الإسرائيلية". ويعتقد ميلير لمنصة "المشهد" " بأن مواصلة المنع الإسرائيلي للعمال الفلسطينيين سيترتب عليه عواقب وخيمة، ومساس بالاقتصاد الإسرائيلي، الذي يعتمد أيضاً على الاقتصاد والأسواق الفلسطينية، وهذا الإجراء سوف يكبد قطاعات العمل الحيوية مثل الزراعة والبناء خسائر كبيرة، وبالتالي سوف تكبر التحديات جراء الحرب الحالية، ويتعقد الأمر شيئاً فشيئاً، فالحكومة الإسرائيلية تدرك بأنه ليس في مصلحتها إشعال الضفة الغربية وتغذية الغليان فيها، بل يجب عليها التخفيف من حجم البطالة بالضفة، حيث ارتفاعها سيؤدي لتدهور الوضع الأمني". مصير العمالة الفلسطينية وحول مصير الأيدي العاملة الفلسطينية في ظل الظروف الراهنة يجيب الخبير الاقتصادي طارق الحاج منصة "المشهد"، "باتت عودة العمال الفلسطينيين إلى إسرائيل متشابكة مع سياسات الحرب، رغم الضغوطات على المؤسسة الأمنية من أجل إعادة تفعيل تصاريح العمل بأعداد كبيرة، وتفشي أنباء إسرائيلية حول إطلاق برنامج تجريبي يسمح لبعض الفلسطينيين الذين تم التدقيق في أوضاعهم بالعودة إلى وظائفهم، إلا أنها واجهت معارضة شديدة من وزراء الحكومة الإسرائيلية". وأضاف الحاج قائلاً "ثمة خطة حكومية إسرائيلية للتخلص من الاعتماد على العمال الفلسطينيين، عبر جلب عمالة أجنبية من مختلف دول العالم، حكومة نتانياهو تعكف على تبني خطة لسنة 2024 تهدف فيها إلى التخلي عن العمال الفلسطينيين من الضفة الغربية للأبد". ويؤكد الحاج بأن "عدم عودة عشرات آلاف العمال إلى إسرائيل، سيؤدي إلى تعمية المأزق الاقتصادي بالضفة الغربية، في ظل عجز الحكومة الفلسطينية عن توفير بدائل، وبالتالي ستنعكس الأزمة التي يمر بها العمال على عائلاتهم ومجتمعهم، فتحوّلهم من عاملين إلى عاطلين عن العمل بلا دخل".ويختم قوله "في حالة كان هناك قرار إسرائيلي، بعدم منع تلك الشريحة العمالية من العودة لأعمالهم بتاتاً، فهذا يعني أن ربع القوى العاملة الحالية ستنضم إلى صفوف البطالة، التي سترتفع لمستويات غير مسبوقة".(المشهد)