"حلم الثراء السريع" فخ يقع فيه الكثير من المصريين من دون الاكتراث بعواقبه الكبيرة وأثمانه الباهظة التي يتحملونها، ومع تزايد الرغبة الجامحة في الجري وراء هذا الحلم المحفوف بمخاطر عديدة، تتعدّد طرق الاحتيال والنصب، خصوصًا المرتبطة بمواقع وتطبيقات الشبكة العنكبوتية "الإنترنت".فبين عشية وضحاها استيقظ مصريون على قصة نصب جديدة، مخلفة وراءها خسائر مادية فادحة للباحثين عن هوس المال السريع، بدلًا من استثمار أموالهم في مشاريع حقيقية ذات فائدة اقتصادية مضمونة وآمنة.منصة إلكترونية للنصب في مصر FBCتطبيقات ومنصات إلكترونية متعددة انتشرت خلال الآونة الأخيرة، أوقعت الكثير من المواطنين في مصر بالاشتراك بها، بعد إيهامهم بالحصول على أرباح مالية ضخمة خلال أوقات قصيرة. أحدث هذه المنصات كانت منصة FBC التي نجحت في جذب آلاف المصريين في إيداع أموالهم إليها، بحجة تحقيق أرباح مضاعفة، معتمدة في ذلك على أسلوب مخادع من خلال منح المودعين عوائد ضخمة وسريعة في بداية اشتراكهم في المنصة، الأمر الذي زاد من ثقة البعض ومن ثم ضخوا أموالًا إضافية قبل أن يكتشفوا في النهاية أنهم وقعوا ضحية لعملية نصب كبرى.ووفقًا لتصريحات سابقة لعدد من مسؤولي منصة FBC في مصر أثناء مقطع فيديو مصور اطلعت عليه منصة "المشهد"، فإنّ هذه المنصة بمثابة شركة إعلانات إلكترونية عالمية مقرها الرئيسي في بريطانيا، وتعمل في مصر بتصاريح رسمية وبمصداقية عالية، كما لا توجد أيّ مخاطر لأموال عملائها، ودعا مسؤولو المنصة الذين بدا عليهم الانتماء إلى الجماعة السلفية المتشددة المواطنين المصريين بالانضمام إليها والاستثمار فيها، مؤكدين أنّ هذا الاستثمار "حلال".استدراج الضحايا وبشكل مفاجئ ومنذ يومين، امتنعت منصة FBC عن إرسال الأموال إلى عملائها من دون توضيح الأسباب، وما زاد من الطين بلة هو اختفاء مسؤولي تلك المنصة وانقطاع أخبارهم، بل والحديث عن هروبهم خارج البلاد، وهو الأمر الذي أحدث صدمة لدى المشتركين بعد أن ذهبت أموالهم إلى مصير مجهول، وللوقوف على حالة الجدل الدائرة داخل مصر بسبب هذه القضية، التقت منصة المشهد عددًا من ضحايا منصة FBC.ويقول خالد السيد ويبلغ من العمر 55 عامًا، إنه لم يكن يعلم شيئًا عن الاشتراك في التطبيقات الإلكترونية، وليس لديه خبرة في هذا المجال، مشيرًا إلى أنه تعرف إلى منصة FBC من أحد جيرانه الذي شجعه على الانضمام للمنصة من أجل الحصول على أرباح مالية يومية، مؤكدًا أنه كان مترددًا بالاشتراك في بداية الأمر، لعدم درايته الكافية بالموضوع، لكنّ الذي حثه على ذلك، هو رؤيته للمكاسب التي كان يتحصل عليها جاره بشكل يومي، وبالتالي رغب في خوض هذه التجربة التي وصفها بالفاشلة.آلية الانضمامويقول خالد إنّ الاشتراك في هذه المنصة كان خاضعًا لنظام الباقات، فكل باقة لها قيمة مالية معينة، ومن ثم تخضع لأرباح معينة، ويتم دفع هذا المبلغ عبر خدمات ومحافظ إلكترونية، مضيفًا أنّ الأرباح تُقدم للعميل مقابل تنفيذ مهام تتمثل في مشاهدة فيديوهات مع الترويج لعدد من التطبيقات، وكشف أنه كان مشتركًا في باقة بقيمة 11,200 جنيه مصري، اضطر إلى بيع الموبايل الخاص به، بالإضافة إلى اقتراضه مبلغًا من المال من أقاربه للاشتراك في تلك المنصة.محمد علي ضحية أخرى من ضحايا منصة FBC، ويصف ما حدث له بـ"صدمة العمر" نتيجة للخسائر التي تلقها، حيث قام في البداية بالاشتراك بمبلغ قيمته 900 جنيه مصر، وبعد ذلك طُلب منه تحميل عدد من التطبيقات على هاتفه وبالفعل قام بذلك. بعدها تم تحويل مبلغ 1000 جنيه مصري على محفظته الإلكترونية، مشيرًا إلى أنه استمر في هذا الأمر لأكثر من 5 مرات، لكن مع كل مرة كان يضع أموالًا أكثر حتى وصل به الحال إلى تحويل أكثر من 40 ألف جنيه مصري، بسبب المكاسب التي كان يتحصل عليها في كل مرة، لكنه في آخر محاولة لم يحصل على أيّ مكاسب حتى علم عبر مواقع التواصل الاجتماعي أنّ المنصة كانت عبارة عن احتيال ونصب.علي أوضح أنّ مسؤولي المنصة كانوا يُجيدون حيلًا متعددة في جذب المشتركين، وكان من أبرز تلك الحيل، أنه يتم مضاعفة الأرباح والمكاسب للعميل في حال نجح في إقناع أشخاص آخرين بالانضمام والاشتراك في المنصة، وبالتالي كان الكثير من المشتركين يبذلون جهودًا كبيرة في جلب مئات المشتركين الآخرين من أجل الاستفادة بالمزايا المالية، لافتًا إلى أنه يعرف المئات من ضحايا هذا الاحتيال، والذي تعرّض بعضهم لأمراض شديدة بسبب الصدمة، خصوصًا وأنّ الكثير منهم لجأ إلى الاقتراض من البنوك وأقاربهم، وبالتالي أصبحوا في ورطة كبيرة.منصة FBC وهميةوتشير تقديرات أولية إلى أنّ عدد ضحايا منصة FBC تجاوز المليون الضحية، فيما وصل حجم المبالغ التي تم تحصيلها من هؤلاء الضحايا إلى 6 مليارات دولار، وفي هذا الصدد كشف المستشار القانوني عبد العزيز حسين ومحامي عدد كبير من الضحايا في تصريحات خاصة لمنصة "المشهد"، أنه توجه ظهر أمس إلى الإدارة العامة لمباحث الإنترنت في مصر. وقام حسين بعمل بلاغات رسمية حتى الآن لأكثر من 30 شخص تعرضوا لعملية نصب جماعي كبيرة طالت مختلف المحافظات المصرية، مؤكدًا أنّ جميع الأجهزة الأمنية والمختصة داخل مصر تبذل جهودًا مضنية في هذه الأثناء، من أجل القبض على مسؤولي المنصة الذين تسببوا في سرقة أموال المصريين.وفي ما يتعلق بتصريحات مسؤولي منصة FBC الذين ظهروا عبر مقطع فيديو أكدوا خلاله أنّ المنصة تعمل بشكل موثق وبعلم الحكومة المصرية، نفي المستشار القانوني هذه الكلام جملةً وتفصيلًا، وأكد أنّ هذه المنصة ليس لها أيّ أوراق رسمية داخل مصر، وكانت تعمل في الخفاء وبشكل وهمي من دون علم الحكومة المصرية بها.وناشد محامي الضحايا النائب العام المصري والبرلمان بغرفتيه النواب والشيوخ، بضرورة إصدار تشريع قانوني جديد يضع حدًا للتطبيقات والمنصات الالكترونية التي تجلب ملايين المصريين للتعامل معها، وباتت تشكل خطورة كبيرة على الأمن القومي لمصر، وطالب في الوقت ذاته بأهمية توعية المواطنين عبر الوسائل الاعلامية وغيرها من الابتعاد عما أسماه (الطمع والجشع) وبمخاطر هذه التطبيقات الإلكترونية، وخصوصًا غير المرخصة داخل الدولة.ومن ناحيته، حذر خبير أمن المعلومات أيمن عصمت المواطنين من التطبيقات الإلكترونية، مؤكدًا على وجود صعوبة بالغة في وضع رقابة واضحة على تلك التطبيقات التي باتت منتشرة على الهواتف الشخصية، واصفًا إياها بالمسألة المعقدة ولا يوجد آليات للتحكم فيها نظرًا لعددها الضخم، وهم ما يجعل وجود إشكالية في الوصول إلى المحتالين الذين يتخذون من هذه التطبيقات ستارًا لأعمالهم الإجرامية. وحول تكرار أخطاء المواطنين في عمليات النصب والاحتيال عليهم من قبل التطبيقات والمنصات الإلكترونية، أوضح عصمت أنّ الظروف الاقتصادية تعدّ أحد الأسباب القوية التي تدفع المواطنين نحو اللجوء إلى تلك المنصات من أجل تحسين معيشتهم، لكن كالعادة يقعون فريسة لهؤلاء، مطالبًا تعاون الجهات الأمنية والمجتمع المدني بعمل حملات توعية للمواطنين بمخاطر هذه الظاهرة. ولم تكن منصة FBC هي الأولى في النصب والاحتيال الإلكتروني على المصريين، ولا يبدو أنها ستكون الأخيرة لطالما كانوا هناك من يسعون لجلب الثراء والأموال من دون عناء أو مشقة.بيان الداخلية المصريةوزارة الداخلية المصرية، من جهتها أعلنت القبض عن 13 متهمًا فى إطار جهود أجهزة الوزارة لكشف ملابسات ما تبلّغ من عدد من المواطنين بتضررهم من القائمين على منصة إلكترونية بمسمى "FBC" عبر شبكة الإنترنت للاحتيال عليهم والاستيلاء على أموالهم.وأكدت الوزارة في بيانها أنّ: عمليات الفحص أسفرت عن قيام تشكيل عصابة يتزعمها 3 عناصر يحملون جنسيات أجنبية موجودين بالبلاد، مرتبطين بشبكة إجرامية بالخارج متخصصة فى مجال النصب والاحتيال الإلكتروني والاستيلاء على أموال المواطنين بزعم استثمارها لهم عبر منصة إلكترونية بمسمى "FBC".وقيامهم بالاتفاق مع عدد 11 شخص لتأسيس شركة بالقاهرة لممارسة نشاطهم الإجرامي والترويج للمنصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيق الواتس آب مقابل عمولات مالية. (القاهرة - المشهد)