"بفارغ الصبر أنتظر هذا الموسم مع عائلتي وأحفادي، فهو موسم سعادة وفرح، حيث نصنع مخلّل الزيتون، ونعصر الزيت، والذي يُعتبر مونة للسنة ومونة للفلّاح، ونجدد ارتباطنا بالأرض"، هذا هو شعور الفلاح المقدسي أبو رمزي الخطيب، وهو ينشد الأغاني والأهازيج الفلسطينية، بينما يقطف وعائلته الزيتون، معبّرا عن غصة تعتصره لمنصة المشهد "ما تمرّ به غزة ليس بعيدًا عن القدس، نتقاسم هذا الوجع المشترك، وندعو أن تتوقف الحرب قريبًا، صحيح أنني في أرضي لكن الهمّ العام يسيطر علينا وعلى تفاصيل حياتنا اليومية، وننتظر الفرج القريب".أصعب عام على المزارع الفلسطينيموسم قطف الزيتون بالنسبة للفلسطينيّين، يشكل جزءًا مهمًا من الهوية الوطنية والتراث الشعبي والعادات والتقاليد، التي يرثونها جيلًا بعد جيل، وهي حكاية مستمرة لتشبّثهم في أرضهم منذ الأزل وتتجدد كل عام، مجسّدة لوحة فنية تزداد جمالًا كلما تقادم عليها الزمن، ومع انتصاف شهر أكتوبر سنويًا، يحزم الفلسطينيون أمتعتهم وطعامهم ويمضون برحلة مليئة بالفرح الممزوج بغبار الزيتون، استعدادًا للدخل الذي سيعود عليهم من زيت الزيتون، الكل يشارك في هذه المناسبة التراثية من صغار وكبار ونساء وشبان. ويُعتبر الزيتون في فلسطين أحد الركائز الاقتصادية وعنصرًا من عناصر الأمن الغذائي، مدير دائرة الزيتون في وزارة الزراعة الفلسطينية رامز عبيد يقول لمنصة "المشهد"، إنّ "الأراضي المزروعة بهذه الشجرة المباركة تشكل ما نسبته 50% من مجمل الأراضي الزراعية في فلسطين، في حين يبلغ معدل الإنتاج العام من الزيت نحو 20 ألف طن، و10 آلاف طن من الزيتون المعدّ للكبيس".ويتابع عبيد قائلًا: "هذا العام من أصعب الأعوام التي مرّت علينا في هذا الموسم الذي ينتظره الناس، حيث نشهد تراجعًا ملحوظًا في الإنتاج بفعل الحرب الإسرائيلية على غزة وعدم تمكن المزارعين هناك، من قطف الزيتون وتدمير الحقول الزراعية مع استمرار القصف، وكذلك الأوضاع الميدانية التي تشهدها القدس والضفة الغربية من مواجهات وهجمات للمستوطنين المسلحين على المزارعين، وإغلاق الطرق والشوارع الرئيسية المؤدية إلى حقول الفلسطينيّين، كلها عوامل أثرت وتؤثر على الموسم".الحرب على غزة تحرم المزارعين من زيت الزيتون وفي قطاع غزة قد ينتهي موسم الزيتون هكذا من دون حصاد، ومن دون جني ثمار الزيتون، من دون أن يشارك فيه الأهالي والمزارعين، ولا حتى في احتفالاته التي تشكل تقاليد يشارك فيها الأهل والجيران وطلبة المدارس، بفعل الحرب التي شنتها إسرائيل على غزّة، ردًا على عملية طوفان الأقصى، وعمليًا تعرّض محصول الزيتون في غزة للخراب والضرر، بفعل الدمار الشامل الذي حلّ بغزة ومبانيها وأراضيها الزراعية، التي تتعرض لحمم نيرانية تدميرية وقصف مدفعي قضى على الأخضر واليابس بحسب الأهالي فيها وتقارير المنظمات الدولية التي تعلن عن الخسائر البشرية والزراعية فيها، وهذا حتمًا سيتسبب بفقدان المزارعين مصدر رزقهم الموسمي عبر جني الزيتون وتحويله إلى زيت قبل بيعه في الأسواق وتصديره للخارج. موسم العام الحالي من المرجح أن يكون غير صالح وسيلحق أضرارًا كبيرة بالمزارعين، بحسب العم أبو وائل من رفح خلال حديثه مع منصة "المشهد" حول تأثر موسم الزيتون بالحرب، قائلًا: "نحن في غزة ننتظر شهر الحصاد لجني أرباح تكفي لتعويض ما دفعناه على مدار العام لتأمين ثمن المياه، والإصلاحات التي قمنا بها لتحسين الأرض المزروعة بالزيتون".ويضيف أبو وائل، "لم أتمكن من الوصول إلى أرضي الزراعية هنا في رفح، بفعل الغارات والقصف المدفعي منذ بداية الحرب، وبالتالي حُرمت من جمع محصول الزيت والزيتون، وبصراحة لا أعلم إذا كانت أشجار الزيتون موجودة أم لا في الركام الهائل الذي مُنيت به تلك المنطقة، والله أعلم إذا كنا العام سنتمكن من قطف الزيتون أم لا، الأمر متروك لما ستؤول إليه الحرب". تعطيل قطف الزيتون بفعل هجمات المستوطنين لموسم قطف الزيتون في الضفة الغربية حكاية مختلفة تمتزج بمعاناة شديدة الوصف، حيث إنّ البلدات والمستوطنات الإسرائيلية على مسافة الصفر من قرى ومدن فلسطين وفي كثير من المناطق يتشاركون الطرق نفسها. ناهيك عن الحواجز الإسرائيلية، وجدار الفصل، والمستوطنات الملاصقة لأراضي الفلسطينيّين، واعتداءات المستوطنين المتعمدة على المزارعين، حيث يتخللها تقطيع وحرق لأشجار الزيتون، وسرقة للمحصول ومنع للأهالي من الوصول لأراضيهم وغالبًا ما تقوم تلك المجموعات من المستوطنين بإطلاق النار على المزارعين وترهيبهم، والموسم الحالي حمل مزيدًا من الانتهاكات تزامنًا مع الحرب على غزة بحماية الجنود الإسرائيليّين، فيما ارتقى عدد من المزارعين برصاص الجيش والمستوطنين في الضفة الغربية، كما أنّ حملة الاعتقالات اليومية المحمومة حرمت مئات العائلات من أبنائها وبناتها، وحالت دون مشاركتهم هذا الموسم. وتهدف هذه العمليات المنظمة من قبل المستوطنين إلى تدفيع الفلاحين المزارعين ثمنًا غاليًا على صمودهم وعلاقتهم بالأرض وتهجيرهم للاستيلاء عليها، بحسب المزارع الفلسطيني سمير عمران من قرية بورين جنوبي نابلس، التي تعاني هجمات مستوطني مستوطنة يتسهار، الأمر الذي يتسبب بمعاناة كبيرة للأهالي طوال العام، وليس فقط في موسم الزيتون، ويؤكد المزارع عمران لمنصة "المشهد"، أنّ "محصول الزيتون هو الأغلى على قلوبنا جميعًا، ولن تبعدنا هذه الهجمات المقصودة عن أرضنا وثمرنا".(القدس - المشهد)