تبعات الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة منذ احتدامها، ألقت بظلالها على الفلسطينيين في مدينة القدس والضفة الغربية وبلدات الداخل 48، وعمدت لاتخاذ إجراءات استثنائية لخدمة مصالحها ومشاريعها التوسعية الاستيطانية، لقلب الواقع الجغرافي والديمغرافي.فباتت الحياة في القدس والضفة الغربية بالغة الخطورة، وحولتهما السلطات الإسرائيلية إلى معازل، عبر فصلهما بالحواجز العسكرية والبوابات الحديدية والسواتر الترابية، وشنت حملات دهم وتدمير وترويع وقتل، واعتقالات طالت معظم الفلسطينيين، فيما فرضت على أهالي الداخل 48، سياسات أمنية عقابية بالغة الاضطهاد والعنصرية، وتضييقات واسعة وممارسات عقابية وقمعتهم من أي حراك شعبي وسياسي للتضامن مع أهالي غزة ضد الحرب. ولفت التقرير الرسمي للمكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان إلى أن "إسرائيل أطلقت موجة استيطان عاتية في القدس والضفة الغربية، بالتوازي مع الحرب على غزة، وتستغل المواجهات وحوادث مقتل مستوطنين، لإقرار وحدات استيطانية جديدة بأرقام قياسية، ما يعني تقويض فرص حل الدولتين، فيما شهدت مناطق الضفة سعاراً استيطانياً محموماً سطى على آلاف الدونمات".من جانبها، اتهمت منظمة "عير عميم" الإسرائيلية غير الحكومية السلطات الاسرائيلية بأنها "تستغل الحرب على قطاع غزة، لبناء أول مستوطنة جديدة بالقدس الشرقية منذ عام 2012 وتسمين بقية المستوطنات، فيما تسعى لتنفيذ 17 خطة لاستيطان اليهود في القدس، بما يعادل 8434 وحدة استيطانية، وحذرت المنظمة من تداعيات ذلك على مسار المستقبل السياسي للقدس، وأي اتفاق للحل".تعديات صارخة ويواجه الحي الأرمني الواقع داخل أسوار القدس العتيقة، المتميز بموقعه الإستراتيجي ومخزونه الحضاري، ويقطنه قرابة ألفي مسيحي أرمني منذ القرن الرابع الميلادي، كارثة محدقة بنسف وجوده وهويته، من جراء المخطط الإسرائيلي المعد لمستقبل الحي منذ سنوات، لتهجير الأهالي واختلاس بيوتهم وعقاراتهم، لأغراض الاستيطان الإسرائيلي وتوسيع رقعته بالقدس العتيقة. واندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة وانشغال العالم بأحداثها المتتالية، جاءت فرصة سانحة لإسرائيل وأذرعها التنفيذية، لشن هجوم كاسح على سكان الحي بفظاظة غير مسبوقة، تارة بالاعتداء عليهم وطوراً بشتم وضرب رجال الدين، وتسليمهم أوامر بالرحيل، ناهيك عن هجمات مجموعات المستوطنين شبه اليومية التي تسفر عن مواجهات مع شبان الحي. فيما تتفنن القوات الإسرائيلية المتمركزة في الحي ومحيطه، بالتنغيص على تفاصيل حياة سكان الحي اليومية، الذين يرفضون تاريخياً أن يرضخ دير الأرمن للسيادة الإسرائيلية، ويشكو أهالي الحي من تضاعف الانتهاكات والاعتداءات ضدهم منذ نشوب الحرب. وأشارت الفلسطينية الأرمنية هوبيك جوردن مارشليان، لمنصة "المشهد"، بأن "إسرائيل تسعى بكل أسلحتها وقوتها لإخراجنا من هذا الحي التاريخي العريق، لأهدافها الاستيطانية المعروفة بالقدس، وتعمل من خلال صفقات مشبوهة مع جهات خارجية للاستيلاء على أراضينا بالحي، وموقف المركبات وأراضي السكان والدير، لكنها لن تفلح في ذلك، وسنبقى هنا مهما تألمنا، لن نتخلى ولن نستسلم".وتصدياً لتلك التهديدات الخطيرة شرع الأهالي بإقامة خيمة للاعتصام لإجهاض مخطط السلطات الإسرائيلية والمستوطنين، من سرقة أرض الحي.بدوره أكد الناشط المقدسي الأرمني چارو نالبنديان، لمنصة "المشهد"، بأن الحي الأرمني من أقدم أحياء القدس القديمة، وأطماع إسرائيل تكمن في الاستيلاء على مساحة 11 ألف و500 متر مربع من الحي، ومنازل العائلات الفلسطينية الأرمنية، ومدرسة اللاهوت، والمتحف الأرمني، وموقف المركبات، هذه النوايا الخبيثة تزوير للتاريخ، واستغلال لأحداث الحرب من أجل تحقيقها، على حساب حقوقنا وهويتنا الراسخة في هذا المكان، التي سوف تنتصر على الباطل، فقوتنا في عزيمتنا وحقنا ووجودنا". مشاريع تتقدم على نحو استثنائي تتعدد المشاريع الإسرائيلية في مجمل الأرض الفلسطينية، من القدس والضفة الغربية وصولاً إلى النقب، والهدف واحد تمرير مخططاتها وبإجراءات سريعة، فمنذ السابع من أكتوبر، تبذل إسرائيل كل ما في وسعها، لإقامة أحياء يهودية داخل المناطق الفلسطينية في القدس، وبالتالي تتخذ خطوات لم تتخذ مثلها منذ العام 67. يوضح مدير معهد الأبحاث التطبيقية "أريج" جاد إسحاق، لمنصة "المشهد": "لاحظنا منذ بداية الحرب بأن إسرائيل أقرت وحدات استيطانية بشكل كبير وغير مسبوق، وهي مخططات أعدت من قبل وأخرجت من الأدراج وبدأت بتنفيذها على الفور، هذا يعني ارتفاع أعداد المستوطنين بالضفة إلى قرابة مليون، وتغلغلهم داخل الأحياء العربية بالقدس، من خلال المستوطنات الموجودة بالأساس، والشروع ببناء بؤر ومستوطنات حديثة في أحياء، بيت حنينا، وبيت صفافا، وأم طوبا، وسلوان، وشعفاط". وأشار إسحاق قائلاً "هناك مؤشرات مرعبة لسياسة الترهيب والانتقام من الفلسطينيين، حيث لم نشهد في أي مرحلة سابقة كهذا التغول، من قبل الحكومة الإسرائيلية وجماعات المستوطنين، بالهجوم على الأراضي الزراعية، وممتلكات الفلسطينيين". وأكد أن "الهدف أسرلة القدس وحصارها، وتفتيت الضفة الغربية وتقطيع أوصالها، وفرض واقع على أهالي الداخل عام 48، فالالتهام والابتلاع هو عنوان سياسة إسرائيل الحالية في خضم الحرب".(المشهد)