سلّط تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية الضوء عمّا يعانيه اللبنانيون من أضرار خلّفتها الحرب بين إسرائيل و"حزب الله".ومثل العديد من اللبنانيين الذين تعرضت منازلهم وأعمالهم لأضرار خلال أكثر من عام من الحرب، يتوق السيد مهدي (20 عاما) وعائلته إلى بدء إصلاح الفوضى، لكنهم لا يستطيعون فعل الكثير حتى تتم إزالة الأنقاض. وقال مهدي: "هذه هي أكبر مشكلتنا: أين نضع الحطام؟". وبينما يبدأ لبنان عملية إعادة البناء البطيئة بعد وقف إطلاق النار الهش بين "حزب الله" وإسرائيل، يكافح من أجل معرفة كيفية تنظيف الكميات الهائلة من الأنقاض المتناثرة حول العاصمة بيروت. وقال تقرير صادر عن المجلس الوطني للبحث العلمي في لبنان إن تقديرا أوليا للأضرار أظهر أن نحو 3000 مبنى في منطقة الضاحية الجنوبية قد دُمّرت أو لحقت أضرار جسيمة بها. وقُتل أكثر من 3,700 شخص في لبنان خلال الحرب منذ 7 أكتوبر 2023، فيما أدى الصراع إلى نزوح حوالي 1.3 مليون شخص في لبنان، وقضى على ما يقدر بمليارات الدولارات من الاقتصاد ودمر أجزاء كبيرة من جنوب لبنان بالقرب من الحدود مع إسرائيل، فضلا عن المناطق المكتظة بالسكان جنوبي بيروت حيث يسيطر "حزب الله". "كوستا برافا"وقالت مؤلفة التقرير، تمارا الزين، إن التقييمات الأولية أظهرت أن الهجمات الإسرائيلية على المباني والمنازل والمصانع والطرق وغيرها من البنى التحتية في جميع أنحاء البلاد خلقت ما يقدر بنحو 350 مليون قدم مكعب من الأنقاض. وفي غزة حيث تخوض إسرائيل حربا لاستئصال "حماس"، تضرر نحو 60% من المباني أو دمرت في القطاع المحاصر. كما دمرت هجمات "حزب الله" الصاروخية في إسرائيل أو ألحقت أضرارا بمنازل في البلدات الحدودية، وتسببت في حرائق غابات في الأراضي الزراعية. وقال أستاذ الهندسة المدنية والبيئية في الجامعة الأميركية في بيروت عصام سرور، إن مكبات النفايات في لبنان تكافح بالفعل للتعامل مع نفايات البناء الخطرة في كثير من الأحيان. في عام 2006، بعد الحرب الأخيرة بين "حزب الله" وإسرائيل، ألقي حطام من مناطق قصف شديد جنوبي بيروت، والتي تضمنت ذخائر غير منفجرة ومفروشات صناعية وأجهزة إلكترونية محطمة ونفايات عضوية، على طول الخط الساحلي بالقرب من المطار، كما يقول خبراء بيئيون. وأصبحت المنطقة المعروفة باسم "كوستا برافا" مرادفة للكارثة البيئية في لبنان. وقال سرور إن تأثير الصراع الأخير يمكن أن يكون أكبر بكثير وأكثر ضررا.التخلص من العناصر الخطرةعلى مدى العقد الماضي، شهد لبنان ارتفاعا هائلا في استخدام الألواح الشمسية وتخزين البطاريات للتعويض عن تعثر شبكة الكهرباء في البلاد. ويمكن أن يؤدي التخلص غير السليم من الألواح والبطاريات إلى زرع الرصاص والزئبق والعناصر الخطرة الأخرى في البيئة. وقال سرور: "مستوى المخاطر في الحطام الذي لدينا الآن أسوأ بكثير مما رأيناه في عام 2006.. لا يمكننا تحمل إهمال البصمة البيئية للحطام كما فعلنا في المرة السابقة. السبب بسيط: لن نرى عواقب سوء الإدارة الآن، لكننا بالتأكيد سنراها لاحقا".يقدر المجلس القومي للبحث العلمي أنه في منطقة واحدة فقط، وهي الضاحية الجنوبية، تضرر ما يقرب من 4000 لوح شمسي بشدة في النزاع. وقال مهدي، وهو طالب هندسة في الجامعة الأميركية في بيروت، إنه بعد تنظيفها وفرزها، يمكن إعادة تدوير الأنقاض إلى لبنات بناء البنية التحتية الجديدة التي تشتد الحاجة إليها بدلا من البدء من الصفر عن طريق تعدين الرمل والحجر لإنتاج الخرسانة. وأضاف: "أنا أنظر إلى الجانب الإيجابي من كل هذا.. كانت الحرب مأساة للبنان. لكن هناك الكثير من الفرص في كل هذه الأنقاض".خطر بيئيتقوم منظمة أرض لبنان، وهي مجموعة مناصرة للبيئة، بحملة لدفع الحكومة لإيجاد خيارات أكثر استدامة، وكذلك الصيادين الذين يكسبون رزقهم من المياه قبالة الساحل. وفي ديسمبر، خصصت حكومة تصريف الأعمال في لبنان 25 مليون دولار لتقييم الأضرار والهدم وإزالة الأنقاض. وقال وزير البيئة ناصر ياسين، إن التعامل مع الأنقاض من المناطق المحيطة ببيروت أكثر صعوبة بسبب حجمها الكبير واحتمال وجود مواد خطرة ونقص المساحة ضمن مسافة معقولة للنقل بالشاحنات. وقال وزير الأشغال العامة والنقل اللبناني علي حمية إن الحل الوحيد هو إلقاء الأنقاض من منطقة بيروت المجاورة لـ"كوستا برافا". وأكد رئيس "أرض لبنان" بول أبي راشد، أن المعادن الثقيلة والمواد الكيميائية ستذهب مباشرة إلى البحر الأبيض المتوسط، مما لا يسمم المياه اللبنانية فحسب، بل أيضا المياه الأوروبية، نظرا لمسار التيارات المحيطية. ووفقا لحسابات تشارلي لوري، أخصائي الطاقة والبيئة في معهد بديل اللبناني للسياسات، يمكن أن تولد إعادة بناء ما فقده خلال الحرب ما يقرب من 14.8 مليون طن من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، معظمها من صناعة الأسمنت. (ترجمات)