قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الاثنين الماضي، وهو يقدم ميداليات لقواته بالقرب من مدينة كوبيانسك، القريبة من الجبهة في منطقة خاركيف التي دمرتها الحرب "إنني سعيد لتواجدي هنا اليوم لرؤياكم".ولكن المشهد من أرض المعركة لا يمت للسعادة بصلة بالنسبة لأوكرانيا، فقد توقف الزخم السابق للجيش، وقام زيلينسكي مؤخرا باستبدال الكثير من قادة الجيش في أهم عملية تغيير منذ بدء الحرب.وأقال زيلينسكي، قائد الجيش فاليري زالوجني الذي يرجع له الفضل في نجاح الجيش المذهل في الصمود ضد القوات الروسية الأقوى كثيرا من قواته في بداية الحرب، حيث يرى البعض أن هذا دلالة على انقسام خطير داخل القيادة. وبالإضافة إلى ذلك، هناك مشروع قانون مثير للجدل سيبحثه البرلمان يتضمن فرض عقوبات أكثر صرامة ضد المتهربين من التجنيد، وخفض سن التجنيد من 27 إلى 25 عاما. ويقول الجيش إنه في حاجة إلى ما يصل إلى نصف مليون شخص لتعزيز صفوفه وتخفيف العبء على القوات المتواجدة على الجبهة.ومما يزيد الأمر سوءا، انسحاب القوات الأوكرانية مؤخرا من مدينة أفدييفكا في منطقة دونيتسك، والتي كانت رمزا للمقاومة الأوكرانية أثناء هجوم موسكو الذي دام شهورا على المدينة، التي أصبحت مُدمّرة حيث لم يبق بها سوى أقل من ألف شخص، بعد أن كان عدد سكانها نحو 30 ألفا قبل الحرب. وقد لا يكون استيلاء القوات الروسية على المدينة مُهمّا استراتيجيا، ولكن يمكن أن يستغله الكرملين لأغراض الدعاية قبل الانتخابات الرئاسية الروسية مارس المقبل، حسبما يرى خبراء من المعهد الأميركي لدراسة الحرب.الدعم الغربي وتغيير سير الحرببعد عامين من الحرب الشاملة، ليست هناك نهاية قريبة لها تلوح في الأفق، حيث إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بتشجيع من تراجع الدعم الغربي لكييف، يبدو مستعدا لحرب طويلة. ويقول المحللون والدبلوماسيون إن أوكرانيا مصممة على مواصلة القتال لاستعادة أراضيها، بينما لن يرضى بوتين سوى باستسلام كامل من جانب كييف.وتساهم معارضة الجمهوريين في الولايات المتحدة لزيادة المساعدات الأميركية لكييف، وعجز أوروبا عن تسريع إمدادات الأسلحة، في أن يسود شعور بالكآبة في أوكرانيا. وفي محاولة لحشد الدعم الأوروبي، زار زيلينسكي باريس وبرلين في منتصف فبراير الحالي لتوقيع اتفاقيات أمنية مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتس. وقبل شهر، وقّع زيلينسكي اتفاقا مماثلا مع بريطانيا ويجري مباحثات حاليا مع إيطاليا، والتقى السبت الماضي مع نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس في مؤتمر الأمن بميونخ، ودعا الكونغرس إلى الموافقة على حزمة المساعدات المتوقفة.من ناحية أخرى، يبدو بوتين متفائلا، حيث أعلن في ديسمبر الماضي أنه "ليس هناك مستقبل" بالنسبة لأوكرانيا. وكان بوتين قد صرّح في مقابلة مؤخرا مع المعلق اليميني تاكر كارلسون أنه من "المستحيل تماما" أن تكون هناك هزيمة استراتيحية لروسيا.ويرى القادة الأوروبيون بصورة متزايدة أنه إذا تم السماح لبوتين بالانتصار في أوكرانيا، فإنه قد يميل إلى اختبار دفاعات حلف شمال الأطلسي (ناتو). وقال مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، في مؤتمر ميونخ: " لدينا مشكلة روسية". وحذر الرئيس الفرنسي ماكرون يناير الماضي من أنه يجب أن تكون أولوية أوروبا هي" عدم السماح بانتصار روسيا". وقال وزير الدولة لشؤون الدفاع في سلوفينيا دامير كرنتشيتش، في مائدة مستديرة نظمها مركز المستقبل الأوروبي للأبحاث إن الدعم الأمني والعسكري هو الأكثر أهمية في الوقت الحالي. ومع كل هذه التصريحات وغيرها، يرى المحللون أن توفير زيادة كبيرة في الدعم الغربي، هو الأمر الوحيد الذي يمكن أن يغير مجرى الأمور حيث تواجه أوكرانيا مشكلة نفاد الذخيرة. حيث قالت أندريا كيندال – تيلور، وهي زميلة بارزة في مركز الأمن الأميركي الجديد للأبحاث "إن هناك سباقا بين الجانبين لإعادة بناء قدراتهما الهجومية. وإذا لم يتوفر التمويل الغربي، وإذا ما حققت روسيا ميزة ما، فإنها يمكن أن تحقق المزيد من المكاسب.. لقد تحول الزخم". ويزيد الاتحاد الأوروبي من"ضغط" العقوبات مع إظهار الاقتصاد الروسي قدرته على الصمود.عقوبات على موسكووطوال العامين منذ هجوم روسيا على أوكرانيا، فرض الاتحاد الأوروبي أشد العقوبات في تاريخه، حيث أدرج نحو 2000 من الأفراد والكيانات في القائمة السوداء.ووافق الاتحاد الأوروبي الأربعاء الماضي على جولته الـ13 من العقوبات ضد روسيا، بعد أن وافق مؤخرا على حزمة مساعدات جديدة تبلغ قيمتها 50 مليار يورو. ومن المقرر أن يبدأ سريان الحزمة السبت في الذكرى الثانية للحرب. وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين على منصة التواصل الاجتماعي"إكس" إن مجموعة العقوبات الأخيرة "تواصل زيادة الضغط على الكرملين". ويستهدف الضغط قطاع الصناعة العسكرية الروسية، ويشمل قيودا على الصادرات والتكنولوجيات مثل مكونات الطائرات المسيرة.لكن على الرغم من العقاب الاقتصادي الذي لم يسبق له مثيل، ما يزال الاقتصاد الروسي صامدا ونجح الكرملين في تسريع الإنتاج العسكري. ووفقا لتحليل لمركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف، أوردته شبكة "سي إن إن" الإخبارية فقد حققت روسيا 37 مليار دولار من مبيعات النفط الخام للهند العام الماضي. وقد تم تكرير هذا النفط وتصديره للولايات المتحدة في شكل منتجات نفطية. وقد ارتفع الدخل الفيدرالي للكرملين إلى رقم قياسي بلغ 320 مليار دولار في عام 2023 ومن المتوقع أن يزداد ارتفاعا. ولكن الضعف الاجتماعي في روسيا يمكن أن يكون مصدر تفاؤل في الغرب، فعلى الرغم من صمود الاقتصاد الروسي في مواجهة الحرب، هناك دلالات على شعور بالإرهاق لدى المواطنين أثناء الحرب بسبب طول أمدها والخسائر الفلكية التي الحقتها بالمجتمع الروسي.سرية الخسائر الروسية والأوكرانية تبلغ الخسائر في الأرواح في أوكرانيا مئات الآلاف، لكن الحصيلة الدقيقة غير معروفة. فالجانبان يحافظان على سرية الخسائر العسكرية، وهناك دلائل على أن روسيا تخفي وفيات المدنيين في المناطق التي احتلتها.وأعلن الجيش الأوكراني الثلاثاء الماضي أنه قتل أو أصاب أكثر من 405 آلاف من الجنود الروس منذ الهجوم. وفي ديسمبر الماضي، قال وزير الدفاع الروسي سيرجي شويغو إن قواته قتلت أو أصابت 383 ألفا من الجنود الأوكرانيين.والاثنين الماضي، أعلنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في جنيف أن هناك 23 ألف شخص على الأقل في عداد المفقودين في أوكرانيا وأن مصيرهم ما زال غير واضح. وذكرت اللجنة أنها مع نهاية يناير الماضي كانت قد ساعدت 8000 من العائلات الروسية والأوكرانية على الحصول على معلومات عن مصير ومكان أقاربهم المفقودين.(د ب أ)