مع انطلاق حرب غزة، كثّفت إسرائيل من ضرباتها الجوّية في كل من سوريا ولبنان، والتي تقول بأنها تستهدف اغتيال قيادات إيرانية وأخرى تابعة لها في المنطقة، وبالإضافة إلى القضاء على البنية التحتية اللوجستية والعسكرية لطهران والميليشيات المرتبطة بها في سوريا. اليوم، استفاقت دمشق على أصوات قصف استهدف الأول صباحاً بناء سكنيّاً في منطقة كفر سوسة وسط العاصمة السورية، حيث أفاد الإعلام المحلّي بمقتل 3 أشخاص وإصابة آخرين نتيجة القصف، وطال القصف الثاني منطقة الديماس في الريف المتاخم لدمشق، فيما أعلنت هيئة البث الإسرائيلية أن طائرات إسرائيلية أطلقت صواريخ عدة من الجولان على أهداف قرب دمشق. اغتيال قيادات إيرانية وتعتبر تل أبيب وجود القادة الإيرانيين العسكريين من الحرس الثوري الموجودين في مناطق نفوذ إيران في كل من سوريا والعراق ولبنان، وقادة الميليشيات المدعومة من إيران وخصوصا "حزب الله" خطراً على أمنها، مبررة استهدافهم بمنع طهران من توسيع نفوذها على الحدود مع إسرائيل. ويقول المحلل السياسي الإيراني وجدان عبد الرحمن في حديثه إلى منصة "المشهد" إنه "يتم الوصول إلى القيادات الإيرانية في دمشق بسبب الخروقات الأمنية داخل الصفوف الإيرانية أولاً، ومن ثم هناك اتهامات إيرانية لعناصر القوات السورية وحتى لعناصر روسية بأنها تقدم معلومات للاستخبارات الإسرائيلية، وهذه المعلومات الدقيقة تستخدمها إسرائيل لاستهداف القيادات الإيرانية، ولا يتوقف الأمر عند الأشخاص فحسب، بل يصل إلى استهداف حمولات السلاح التي تقوم طهران بنقلها عبر المعابر الحدودية، أو عبر الطيران". لكن بدوره يشرح الكاتب والباحث في العلاقات الدولية د.محمد نادر العمري أن "الاغتيالات التي تحصل تعدّ جزءا من الصراع بين إيران وإسرائيل، كصراع استخباراتي، ومكّن تقدم وسائل الاتصال والأقمار الاصطناعية الطرفين من رصد تحرّكات الطرف الآخر، والاغتيالات تؤكد أن هناك صراعا استخباراتيا وتكنولوجيا يتم توظيفه في الحرب الدائرة". ادّعاءات وجود خرق أمني في صفوف الحرس الثوري في سوريا وتسريب معلومات لإسرائيل تدحضها سلسلة الاغتيالات لقيادات من "حزب الله" في جنوب لبنان، بالإضافة إلى اغتيال القيادي في "حماس" صالح العاروري في الضاحية الجنوبية لبيروت، حيث لا سلطة ولا وجود أمني سوري في المناطق المذكورة.وأكّد مصدر أمني سوري لـ"المشهد" خلو الشقّة المستهدفة في كفر سوسة من القاطنين، مشيراً إلى وجود عامل نظافة يؤدي مهامه في المكان بين الضحايا المدنيين الثلاثة، بالإضافة إلى مدنيين آخرين كانا في الموقع بمحض الصدفة.تصريحات إيرانية "تكتيكية"في بداية الشهر الحالي، قالت 5 مصادر مطلعة لوكالة رويترز، إن الحرس الثوري الإيراني "قلّص نشر كبار ضباطه في سوريا، بسبب سلسلة من الضربات الإسرائيلية"، موضحة أنه "سيتم الاعتماد أكثر على فصائل شيعية متحالفة مع طهران للحفاظ على نفوذها". وقالت المصادر، إنه بينما يطالب أغلب المحافظين في طهران بـ"الثأر"، فإن قرار إيران سحب كبار الضباط "مدفوع جزئيا بحرصها على ألا تنجر إلى صراع يحتدم في أنحاء الشرق الأوسط". فيما يتعلق بسحب طهران لمستشاريها من سوريا ولبنان يرى وجدان أن "الأمر دعاية، لأن إيران لن تسحب قياداتها من سوريا أو لبنان، وذلك لأنها تعتبر نفسها في معركة، وبالتالي لا يمكن التخلي عن هذه المعركة وسحب قواتها، لكن التصريحات الإيرانية هي تصريحات تكتيكية، وهي سحبت قياداتها من المراكز والمقرات المعروفة بالنسبة لإسرائيل وللتحالف الدولي، لكن هذه القيادات التي انسحبت لم تعد إلى إيران، وإنما تم إخفاؤها في مناطق سكنية". في السياق ذاته يبين العمري أنه "لا يوجد تصريحات رسمية من إيران أنها سحبت قيادات من سوريا ولبنان، وهذا الأمر تم الترويج له عبر وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام، واليوم وجود هذه القيادات في سوريا ولبنان ليس هدفها توسيع النفوذ الإيراني كما تروج إسرائيل، حيث إن وجود هذه العناصر كان في مرحلة زمنية معينة وهو وجود استشاري، وكمساهمة في محاربة الإرهاب في سوريا والعراق، نحن أمام عودة إلى إستراتيجية الاغتيالات، وهي إستراتيجية قديمة جديدة". وأضاف أن "إستراتيجية الاغتيالات بدأت تظهر مع تأزم وضع نتانياهو على المستوى الداخلي، وكذلك مع عدم تحقيق القوات الإسرائيلية لأي هدف في قطاع غزة بعد مرور أشهر على بدء الحرب، وكانت البداية عبر استهداف القائد في "حماس" صالح العاروري في الضاحية الجنوبية لبيروت".هل ستتوسع دائرة الحرب بين طهران وواشنطن؟ في نهاية يناير الماضي قتل 3 جنود أميركيين وأصيب العشرات بضربة طائرة من دون طيار استهدفت موقع "قاعدة البرج 22 " الأميركية على المثلث الحدودي الأردني العراقي السوري. ردّت عليها واشنطن بسلسلة من الغارات في 2 من فبراير الجاري، قالت بإنها استهدفت 85 موقعاً يضم مراكز القيادة والسيطرة ومنشآت المخابرات، ومرافق تخزين أسلحة تستخدمها ميليشيات مدعومة من إيران لمهاجمة القوات الأميركية في شرق سوريا، وتحديداً في المنطقة الواقعة بين الميادين والبوكمال القريبة من الحدود العراقية. كما نفّذت واشنطن سلسلة من الاغتيالات بحق قادة عسكريين لميليشيات عراقية تابعة لطهران في العاصمة بغداد والمدن العراقية الأخرى. هذه التطورات زادت من خشية المراقبين من أن تتسبب الأحداث الأخيرة في إشعال المنطقة، وفق سيناريوهات لمواجهة الميليشيات الموالية لإيران للقوّات الأميركية، وذلك بالتزامن مع تصعيد "حزب الله" في جنوب لبنان من استهدافاته للثكنات والنقاط العسكرية الإسرائيلية في المناطق المتاخمة للحدود. وبرأي وجدان أن "إيران تنظر إلى مقتل القادة على أنها معركة خارج أراضيها، وفي مناطق تعتبرها طهران جزءا من إستراتيجيتها ونفوذها، وفي المعارك تفقد الدول قادة وجنودا، وإيران تحاول إبعاد الحرب عن حدودها، ولذلك بالنسبة لها موضوع الاغتيالات مفهوم جداً لأنه دفاع عن الوطن، ولن يكون هناك ردّ إيراني انتقامي لاغتيال هؤلاء القادة تجنّباً لردود فعل شديدة من قبل إسرائيل وحلفائها". ويعتقد وجدان أن "إيران لن تخترق قواعد الاشتباك بينها وبين الولايات المتحدة، لديها قدرة كبيرة على ضبط النفس، والسيطرة على قواعد الاشتباك، واجتماعها مع قادة الفصائل الموالية لها في بيروت أكّد بأن هذه الفصائل لن تقوم بأي ردود فعل من دون موافقة طهران، وكذلك زيارة قائد فيلق القدس في الحرس الثوري إسماعيل قآني قبل يومين إلى العراق وتوصيته الفصائل الموالية لطهران بعدم الرد، وتصريح خامنئي حول الصبر الإستراتيجي تؤكد بأن إيران تحاول السيطرة على قواعد الاشتباك بينها وبين الولايات المتحدة وإسرائيل من خلال تحمّل وتقبل الضربات التي تتلقاها". في المقابل، يوضح العمري أن "إيران تدرك أن سلوك إسرائيل هو انفعالي، يهدف إلى جر إيران لحرب في مسعى لتشكيل تحالف للدفاع عن إسرائيل، وسمعنا عن هذا التحالف مع بدء استهداف السفن في البحر الأحمر، وهو محاولة إسرائيلية للعبث بأمن المنطقة وجر الغرب لحرب بالوكالة عن إسرائيل". يأتي ذلك في وقت أعلنت وزارة الدفاع الأميركية فيه أن قواعدها العسكرية في سوريا والعراق لم تتعرض لهجمات جديدة منذ تاريخ 4 فبراير، في إشارة إلى نجاح الضربات الأميركية في تحقيق هدفها المتمثّل بردع الهجمات على قواعدها. وينهي العمري حديثه إلى "المشهد"، قائلا": نتيجة لما يحصل قد نشهد تصاعدا للتوتر على جبهة جنوب لبنان، وقد نشهد زيادة في استهداف القواعد الأميركية الموجودة على الأراضي السورية والعراقية. وعلى الرغم من ذلك، الجميع باستثناء إسرائيل لا يرغبون بتوسيع دائرة الصراع. (المشهد)