تحيي العاصمة السورية دمشق عيد الميلاد بفرح وبهجة على الرغم من الآلام التي تعاني منها البلاد. منذ بداية ديسمبر تزيّنت شوارع العاصمة، استعداداً للمناسبة الدينية التي تسبق رأس السنة، وافتتحت أسواق الميلاد أبوابها أمام الزوّار من كل الطوائف والأعراق. في دمشق، لا يختلف عيد الميلاد عن الأعياد الدينية للمسلمين، وعلى الرغم من اختلاف شعائر الاحتفال، إلّا أن الدمشقيين يحيون جميع المناسبات بألفة وتعاضد بعيداً عن الفوارق الطائفية والمذهبية.وعلى غرار بيت لحم، لم يكن هناك فعاليات كنسية في دمشق، كالمسيرات أو تجول فرق الكشافة بين الكنائس، حيث أعلنت الكنائس الرئيسة في البلاد الاكتفاء بالصلاة تضامناً مع الفلسطينيين في قطاع غزة.الوضع الاقتصادي يلقي بظلاله على عيد الميلاد ألقى الوضع الاقتصادي في سوريا بظلاله على احتفالات عيد الميلاد لهذا العام، في حين اقتصر نشاط العائلات التي اعتادت الاحتفال بالمناسبة بارتياد المطاعم أو أماكن السهر خارج المنزل، على الجمعات العائلية في البيوت، وذلك بسبب ارتفاع أسعار الحجوزات بشكل غير مسبوق. لكن رغم ذلك، يحرص الدمشقيون على الاحتفال ولو على قدر استطاعتهم، في ظل تأثير الوضع الاقتصادي المتردّي للبلاد على كل تفاصيل الحياة وفقا للشابة سالي، التي تروي في حديثها إلى منصة "المشهد" كيف استبدلت شجرة الميلاد هذا العام، بالشموع وبعض الزينة فقط، وذلك بسبب ارتفاع سعرها بشكل كبير، حيث وصل سعرها إلى 200 دولار، وهو ما يفوق القدرة الشرائية للمواطنين.وتضيف سالي "السوريون متأثرون بحرب غزة، وعلى الرغم من احتفالنا داخل منازلنا وبإمكانيات بسيطة جداً، إلّا أننا نشعر بغصة داخلنا، فالمشاهد التي نراها بشكل يومي للأطفال في غزة، تطغى على أي بهجة بداخلنا. نشعر أيضا بالخجل أحيانا من أننا نمارس حياتنا بشكل طبيعي، والأطفال تقتل كل يوم، لكن لا يوجد باليد حيلة". وتشرح سالي "ليس فقط الحرب في غزة تؤثر على احتفالات عيد الميلاد، بل إن الوضع الاقتصادي في سوريا القاسي جداً يؤثر علينا، فلا يمكننا أن نحتفل ونحضّر طاولة تضم عشرات الأنواع من الأطعمة والحلويات، ونحن نعلم أن جزءا كبيرا من جيراننا لا يستطيعون تناول هذه الأطعمة. الأمر يؤذينا نفسياً، ولا قدرة للإنسان الذي لديه ضمير أن يتجاوزه".وعن طقوس الاحتفال الخاصة بها قالت سالي: "منذ بداية الشهر الحالي، استعدت عائلتي للاحتفال، واشتريت ثيابا لأشقائي الصغار، وحضّرت بعض الشموع. بالأمس، اجتمعت العائلة مع أقاربنا، وحضرت والدتي بعض أنواع الأطعمة، وكذلك الأصدقاء أحضروا معهم بعض الأطعمة التي أعدّوها في منازلهم. أمضينا ليلة جميلة، لكنها بالتأكيد ليست كالمعتاد".دمشق القديمة مقصد أساسي تعتبر دمشق القديمة وأحياؤها مثل باب توما، القيمرية، باب شرقي، مقصدا رئيسيا خلال مواسم الأعياد، وبالتحديد عيد الميلاد. وفي نهاية كل عام، تُزين شوارع وحارات دمشق القديمة أو كما يطلق عليها السوريون "الشام القديمة" بأشجار الزينة، استعداداً للمناسبتين المتتاليتين. فبعض الحارات تضاء بأكملها، أشهرها حارة الزيتون في باب شرقي، الذي توجد فيه كاتدرائية سيدة النياح أو "كنيسة الزيتون" كما يطلق عليها.يشرح الشاب السوري جورج عقاد كيف يحتفل الدمشقيون هذا العام بعيد الميلاد قائلاً: "ألغى الأغلبية فكرة الاحتفال في المطاعم، سواء في عيد الميلاد أم في رأس السنة، وذلك لأن الحجوزات تكلف بالحد الأدنى 150 إلى 200 ألف ليرة سورية للشخص الواحد، من دون المشروب. الناس تلجأ إلى الشام القديمة لأنهم يشعرون بأجواء العيد فيها، حيث الشوارع المزينة والمضاءة، وأشجار الميلاد المنتشرة، والبعض يذهب أيضا إلى قرية الكريسمس الواقعة بالقرب من جسر الرئيس في وسط العاصمة، وتكلفة الدخول للشخص الواحد 20 ألف ليرة سورية". ويلفت عقاد الذي يعيش في العاصمة أن "الدمشقيين يعيشون أجواء عيد الميلاد، على الرغم من الأوضاع القاسية التي تمر فيها سوريا وباقي الدول المجاورة ولا سيما فلسطين، وأغلب الشبان تذهب إلى أماكن الزينة للتصوير، وتوثيق أجواء عيد الميلاد في دمشق". وبحسب عقاد "أسعار المنشآت السياحية مثل المطاعم والكافيهات ارتفعت بشكل كبير منذ بداية ديسمبر، حيث يعتبر عيد الميلاد موسماً بالنسبة لأصحاب هذه المنشآت، خصوصا وأنها تتزامن مع عطلة المدارس والجامعات. هناك قسم كبير من الأهالي يفضلّون الاحتفال والاجتماعات العائلية في المنازل. يتم الاقتصاد على الأمور الرخيصة جداً، والمجانية إن أمكن، الإقبال على حضور الحفلات في الفنادق يشهد انخفاضا كبيرا هذا العام على عكس السنوات السابقة".وكما جرت العادة كل عام، احتضنت أرض مدينة المعارض القديمة وسط العاصمة السورية "سوق الكريسمس"، والذي يضم أكواخاً خشبيةً لعرض الزينة والهدايا والمأكولات خلال موسم الأعياد، إضافة إلى وجود مساحات مخصصة للعب الأطفال. وقبل أيام نفى مصدر مسؤول في وزارة السياحة السورية صدور أي توجه بإيقاف منح التراخيص لإقامة الحفلات من القطاع الخاص، معتبراً أن هذا شأنه شأن جميع الموافقات السارية بمناسبة الأعياد ورأس السنة. وأضاف المصدر أن الوزارة بشكل عام خففت بشكل رسمي من الفعاليات المعتادة أو الرعايات، لكن الحفلات مسموحة خلال أعياد الميلاد ورأس السنة ولم يصدر أي قرار بإيقافها، مشدداً على القيام بجولات رقابية على مختلف الأنشطة وحسن سيرها بالشكل المطلوب. عيد الميلاد في سوريا هذا العام ليس كسابقه، لكنّه لا يزال يحظى باهتمام ونشاط بالغين من قبل معظم السوريين. (المشهد)