تواجه الولايات المتحدة تحديات هائلة في الوقت الذي تعمل فيه على تعميق تدخلها الدبلوماسي والعسكري في الشرق الأوسط لمحاولة وضع حد للحرب الوحشية في غزة ودحر النفوذ الإيراني، حسبما ذكر تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال. وأشارت الصحيفة الأميركية إلى أنه بينما يتوجه وزير الخارجية أنتوني بلينكن في زيارة خامسة إلى الشرق الأوسط منذ هجوم "حماس" في 7 أكتوبر، فإن هدف الولايات المتحدة هو ضمان وقف دائم للقتال وإطلاق سراح الأسرى، وهو ما يمثل خطوة حاسمة لتحقيق أهدافها الأكثر طموحا. وعلى الجبهة العسكرية، سعت الولايات المتحدة إلى كسب الوقت لدبلوماسيتها من خلال إبقاء وكلاء إيران في مأزق، وهي المهمة التي أدت الجمعة إلى أقوى رد لإدارة بايدن حتى الآن ضد الميليشيات المدعومة من طهران في العراق وسوريا والذي أعقبها ضربات ضد "الحوثيين" في اليمن.الإستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسطوتواجه الجهود التي تبذلها الإدارة الأميركية عقبات هائلة، ليس أقلها التنازلات الصعبة التي قد تتطلبها من كافة الأطراف، بحسب "وول ستريت جورنال"، مشيرة إلى أن "الأمر الواضح هو أن الشرق الأوسط، قد برز الآن باعتباره التحدي الأكثر إلحاحا للسياسة الخارجية الأميركية أكثر ما يتعلق بالصين وأوكرانيا". وقال المبعوث الأميركي الخاص السابق للمفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية وسفير الولايات المتحدة الأسبق لدى إسرائيل مارتن إنديك: "إن حرب غزة، مثل أي حرب، تخلق فرصًا لتغيير النهج تجاه صراع طويل الأمد". وأضاف: "تدرك إدارة بايدن الآن أنها لا تستطيع تحقيق أهدافها الإستراتيجية في الشرق الأوسط دون تطوير نهج أكثر استدامة لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني". ووفق "وول ستريت جورنال"، كانت إدارة بايدن قبل أشهر تسير على مسار مختلف إلى حد كبير فيما يتعلق بالشرق الأوسط، إذ كانت إستراتيجيتها تتمثل في تشجيع التقارب الإسرائيلي السعودي على افتراض أن الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة لديهم نفوذ محدود وأنهم سيقبلون في نهاية المطاف ترتيبات الحكم الذاتي التي قد يتم تقديمها، كما قامت الإدارة بتقليص البصمة الدفاعية في المنطقة مع توقع عدم وجود تحديات عسكرية كبيرة. وقبل أيام من هجوم 7 أكتوبر، كتب مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان في مقال بمجلة "فورين أفيرز": "على الرغم من أن الشرق الأوسط لا يزال يعاني تحديات دائمة، إلا أن المنطقة أصبحت أكثر هدوءا مما كانت عليه منذ عقود". لكن تم تعديل المقال فيما بعد على الإنترنت عقب اندلاع الصراع. ومع ارتفاع حصيلة الضحايا في غزة، تدعو الاستراتيجية الأميركية الآن إلى معالجة معضلة السلام في الشرق الأوسط من خلال إعطاء الأولوية للقضية الفلسطينية، حسبما يقول خبراء في شؤون المنطقة، حيث أصبح تعزيز آفاق الفلسطينيين في إقامة دولة خاصة بهم شرطاً أساسياً للعلاقات الإسرائيلية السعودية، ومعه الأمل في تعزيز تحالف واسع النطاق مناهض لإيران في المنطقة، وفقا لما يذكر التقرير. وقال القائد الأسبق للقيادة المركزية الأميركية في الشرق الأوسط الجنرال فرانك ماكنزي: "الحرب تجلب الفرص. وهناك فرصة هنا، إذا تمكنا من اغتنامها".التوفيق بين المخاوف الإسرائيلية والمطالب العربيةومع تزايد وتيرة السياسة في عام الانتخابات الأميركية المقررة في نوفمبر القادم، فإن التقدم نحو إقامة دولة فلسطينية وإنهاء القتال في غزة يمكن أن يمكّن البيت الأبيض من الرد على المنتقدين الذين اشتكوا من أن إدارة بايدن كانت متعاطفة للغاية مع إسرائيل، ولم يهدد بخفض الدعم العسكري. في المقابل، فإن انهيار الجهود الدبلوماسية قد يضر بمستقبل بايدن، بما في ذلك في ولاية ميشيغان، التي تضم عددا كبيرا من السكان العرب الأميركيين. وتشمل التحديات ما أعلن عنه رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتانياهو من معارضته لإقامة دولة فلسطينية. وبحسب "وول ستريت جورنال"، ستحتاج السلطة الفلسطينية إلى الإصلاح حتى تتمكن من المساعدة في حكم الضفة الغربية وقطاع غزة بدعم من الجمهور الفلسطيني. وحتى لو حدث ذلك، فلابد من التغلب على المخاوف العميقة لدى كافة الأطراف، وذلك لأن العديد من الإسرائيليين ما زالوا يشعرون بالقلق إزاء تمكين الدولة الفلسطينية بعد هجوم "حماس" على إسرائيل. ويقول المسؤول الأميركي السابق والمستشار السياسي في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى دينيس روس: "عليك التوفيق بين المخاوف الإسرائيلية من أن الدولة الفلسطينية سوف تهيمن عليها حتما (حماس) أو جماعة شبيهة بها، مع حاجة الدول العربية لرؤية أن الدولة الفلسطينية تتحقق بالفعل". ويضيف روس: "إن كل القطع موجودة من أجل تحرك إستراتيجي أكبر. والتحدي الأكبر هو كيف يمكنك تجميع ذلك معا". وتركز رحلة بلينكن إلى المنطقة على إرساء الأساس لهذه الخطوة من خلال تأمين اتفاق لتحرير الأسرى، الأمر الذي من شأنه أن يوفر مساحة للدبلوماسية الأكثر طموحا، بحسب التقرير. وقال مستشار الأمن القومي جيك سوليفان هذا الأسبوع إن إدارة بايدن تضغط بشدة من أجل التوصل إلى اتفاق يؤدي إلى إطلاق سراح الأسرى، بالإضافة إلى وقف القتال الذي من شأنه تسهيل إيصال المساعدات إلى غزة. وذكر سوليفان عن صفقة الأسرى المحتملة "إنها أولوية قصوى بالنسبة لنا. ويمكن للحكومة الإسرائيلية أن تجيب عما إذا كانت هذه أولوية قصوى بالنسبة لها".الجمع ما بين الدبلوماسية والقوة من أجل النفوذويحدث كل هذا الزخم في الوقت الذي تشن فيه الولايات المتحدة وحلفاؤها ضربات عسكرية ضد الميليشيات المتحالفة مع إيران بهدف منعها من مهاجمة القوات الأميركية، وعرقلة التجارة الدولية في البحر الأحمر، وتعطيل الجهود الدبلوماسية الأميركية. وضربت الولايات المتحدة أكثر من 85 هدفا في أقصى غرب العراق وشرق سوريا الجمعة في إطار سعيها لتدمير مخازن الصواريخ والقذائف والطائرات المسيّرة التي استخدمت لمهاجمة القوات الأميركية. وقال تشارلز ليستر من معهد الشرق الأوسط بواشنطن، إن الضربات كانت أكبر عمل عسكري شنته الولايات المتحدة ضد وكلاء إيران في سوريا والعراق منذ حرب العراق. وأضاف ليستر: "من وجهة نظر هؤلاء الوكلاء وإيران نفسها، فإنهم منخرطون في صراع استنزاف طويل الأمد ضد الولايات المتحدة. وفي الوقت الحالي على الأقل، يبدو هذا بمثابة زوبعة على الطريق بالنسبة لهم". وبحسابات الإدارة الأميركية، فإن الجمع بين الدبلوماسية والقوة الصارمة قد يوفر لواشنطن نفوذاً في منطقة أثبتت في كثير من الأحيان مقاومتها العنيدة للمبادرات الأميركية، بحسب "وول ستريت جورنال". ويسأل سفير الولايات المتحدة الأسبق لدى إسرائيل مارتن إنديك "هل يمكن أن يؤثر ذلك؟"، ليستدرك بالقول: "إنه تحدٍ كبير ولكنني أعطي بايدن ومستشاريه الفضل الكامل في محاولتهم اغتنام الفرصة وإحداث نقلة نوعية ذات عواقب إستراتيجية. سيحتاج الأمر إلى الكثير من التعاون من مجموعة من اللاعبين غير المتعاونين". (ترجمات)