استضاف المغرب اليوم منتدى التعاون العربي - الروسي على مستوى وزراء الخارجية، حيث ترأسه وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة. وحضر الاجتماع وفد روسي رفيع المستوى، ترأسه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، وحضره الأمين العام المساعد للجامعة العربية حسام زكي، وكذلك الوفود الوزارية للدول العربية المشاركة. التنسيق لهذا المنتدى يعود إلى عام 2019، حيث تم اختيار المغرب لاستضافة هذه النسخة من المنتدى، وبالتحديد خلال الدورة التي انعقدت في أبريل بموسكو عام 2019، حيث تم الاتفاق على عقد هذه الدورة على شكل ترويكا موسعة تتكون من الأمين العام للجامعة العربية، والأعضاء الثلاثة في الترويكا الوزارية العربية، وكذا رئاسة القمة العربية. وبحسب منسقي المؤتمر، تبحث هذه النسخة قضايا التعاون بين روسيا والعالم العربي، وذلك وفقا للممارسات الجاري بها العمل. المنتدى العربي - الروسي في مراكشوتبرز أهمية المنتدى في المقام الأول من كونه عربيا – روسيا، في وقت يشهد فيه العالم تغييرات كثيرة على صعيد الأحادية القطبية، والتحول إلى عالم متعدد الأقطاب. في هذا الإطار تبرز الصين وروسيا كمنافسين شرسين إلى الولايات المتحدة، يسعيان إلى إزاحة واشنطن عن صدارة وقيادة العالم. ويندرج المنتدى تحت هذه المنافسة بين الشرق والغرب، حيث تسعى روسيا إلى تقوية علاقاتها مع الدول العربية، والتي بدورها تسعى أيضا إلى تنويع علاقاتها ما بين الشرق والغرب، وإلى عدم الانحياز لطرف دون الآخر، لا سيما في ظل مواقف الولايات المتحدة التي قد لا تروق إلى دول عديدة في المنطقة. في هذا السياق، يقول المتخصص في الشأن الروسي عمرو الديب في حديث إلى منصة "المشهد" إن "المنتدى بدأت أولى جلساته في موسكو عام 2019، ولكن بسبب وباء كورونا تم تأجيل جلساته طوال هذه الفترة، وترجع أهمية انعقاده وتوقيته إلى حاجة روسيا لتقوية علاقاتها بشكل عام مع الدول العربية، في وقت تقوم فيه موسكو بنقل علاقاتها مع الدول العربية إلى مستويات غير مسبوقة". ويضيف الديب "بالطبع استضافة المغرب بشكل خاص لهذا الحدث فيه اعتبارات مهمة لروسيا التي تريد أن تثبت بأن ليس لها مكان نهائي في الخلافات الجزائرية المغربية، وأنه إذا سيكون لروسيا دور ما، فسيكون في اتجاه العمل كوسيط لتقريب وجهات النظر. كما أن روسيا تريد إثبات بأنها تستهدف الدول العربية من المحيط إلى الخليج ومشاركة وزير الخارجية الروسي فيه توضح مدى أهميته لروسيا". نفوذ روسيا في إفريقيا منذ تفكك الاتحاد السوفياتي، وبعد تحول إفريقيا إلى ساحة معركة وتنافس بين الشرق والغرب، تسعى روسيا إلى استعادة إرثها ونفوذها في القارة الإفريقية، معتمدة بذلك على بعض الأنظمة التي تكسب تأييدها، وأيضا على بعض الجماعات التي تخدم مصالحها، خصوصا في ظل الوضع اللامستقر في القارة، يرافقه فقر مدقع وسوء الأوضاع المعيشية وشح فرص العمل. وظهر الاهتمام الروسي بإفريقيا على شكل زيارات رفيعة المستوى ومتتالية إلى القارة، وتوقيع اتفاقيات تعاون بين موسكو والدول الإفريقية. وآخرها ليست ببعيدة، ففي يوليو 2023، وعلى الرغم من حرب روسيا وأوكرانيا المشتعلة والعقوبات المفروضة على موسكو، حضر 17 رئيس دولة إفريقية القمة الروسية - الإفريقية الثانية، وتم التوقيع على عدد كبير من الاتفاقيات في مجالات سياسية واقتصادية ودفاعية متنوعة، كما وعدت موسكو حينها بشطب الديون الإضافية للدول الإفريقية المتعاونة معها. ولا يمكن قياس مدى نجاح روسيا في استعادة إرثها في القارة، لكن هناك مؤشرات على ذلك، أبرزها استمرار تبادل الزيارات بين روسيا والدول الإفريقية، إضافة إلى رفع علم روسيا في دول إفريقية عدة أبرزها النيجر في أعقاب الانقلاب ضد الرئيس محمد بازوم في يوليو الماضي، ووجود رئيس فاغنر السابق يفغيني بريغوجين في المرحلة الأخيرة التي سبقت وفاته بالقارة، كلها دلائل تشير إلى نفوذ روسيا الجديد في القارة السمراء.في هذا الإطار، يلفت الديب إلى أن: "المنتدى أساسا موجه إلى المصالح الروسية سواء على مستوى العلاقات الثنائية بينها وبين الدول العربية، أم في السياق العام المتمثل في إثبات فشل عزل روسيا دوليا، أم في تسريع عملية بناء نظام عالمي مغاير للقائم. بالطبع الذهاب للمغرب هو في حد ذاته تقريب روسيا لدول الساحل الإفريقي بشكل واضح، وتقوية العلاقات الروسية مع دول شمال إفريقيا تعني تقوية العلاقات الروسية مع باقي الدول الإفريقية المتاخمة لها". أبعاد جيوسياسية للمنتدىويمثل المؤتمر أهميةً للمغرب على وجه الخصوص من ناحية مكانته على الساحة الدولية، وبالتحديد على الساحة الإفريقية. على صعيد آخر يعد المؤتمر بابا جديدا للعلاقات المغربية – الروسية، وعلى الرغم من أن العلاقات بين الجانبين في مستوى جيد، إلا أن المنتدى فرصة للجانبين لتطور وتعزيز التفاهمات بينهما. لكن بالنسبة للمغرب فإن الأهمية تكمن في كسب موقف روسيا بمجلس الأمن حول قضية الصحراء المغربية المتصارع عليها مع جبهة البوليساريو، إذ كانت المواقف الروسية سابقا لا تصب في صالح المغرب، في حين اليوم الموقف الروسي حيادي تجاه القضية، حيث يعمل المغرب على كسب تأييد الدعم العالمي لصالحه في هذا الإطار.في المقابل، وفي حلقة المصالح وتنامي العلاقات بين الجانبين، فتح المغرب مجاله الجوي أمام الطائرات الروسية بعد إغلاقها من قبل أوروبا ودول غربية أخرى بسبب الحرب في أوكرانيا، ما يشي بالتفاهم الروسي المغربي في قضايا تخدم كلا الجانبين.ومن هذا المنطلق، يقول أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية المغربي خالد شيات في تصريح خاص إلى "المشهد" إن "العلاقات المغربية – الروسية بمستويات جيدة، نمت بشكل كبير في العام الماضي، ومؤخرا امتنعت روسيا عن التصويت حول قضية الصحراء المغربية في مجلس الأمن.ويضيف الشيات أن: قرار روسيا بأن يكون المؤتمر في المغرب إشارة مهمة على تنامي العلاقات بين الجانبين، وكذلك إشارة على الدور المهم الذي يقوم فيه المغرب لموازنة علاقاته بين الدول الكبرى، لا سيما في إطار الحرب الروسية الأوكرانية، والتقاطب الحاد بين موسكو وواشنطن.المؤتمر مهم بالنسبة للمغرب ويؤثر على العلاقات الروسية المغربية خصوصا في ظل العلاقات المعقدة مع دول الجوار، ولا سيما الجزائر المعروفة بعلاقاتها الجيدة مع روسيا، وبالتالي اختيار المغرب لا بد أن يكون له معطيات ذات طبيعة استراتيجية مستقبلية بالنسبة لروسيا.سيكون للمؤتمر تأثير على العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين، وكذلك يمكن للمغرب أن يستفيد من وجود ورؤى روسيا في إفريقيا، وأن يكون هناك المزيد من التعاون بين الجانبين في قطاعات عديدة مثل الفلاحة والصيد البحري، وبالمشاريع التي يريد المغرب أن يقيمها على الواجهة الأطلسية الإفريقية.روسيا تريد توسيع نفوذها في إفريقيا، وتريد بوابات أساسية في هذا المجال ولا يوجد بوابة أفضل من المغرب في منطقة غرب إفريقيا. (المشهد)