تثير الانتخابات الرئاسية التركية تكهنات واسعة حول كيفية تأثير النتيجة على أكراد العراق، ففي حين أن العلاقات بين أنقرة وأربيل مستقرة حاليا، لا يزال المحللون يدرسون كيف يمكن للفوز المحتمل للمعارضة أن يؤثر على الوضع.فيما يأمل الكثيرون في أن تؤدي حكومة جديدة في النهاية إلى إنهاء الصراع المستمر بين الجيش التركي ومقاتلي حزب العمال الكردستاني في كردستان العراق. ومع استمرار عملية فرز الأصوات، يراقب الخبراء عن كثب التأثير المحتمل لنتيجتها على الأمن والاستقرار السياسي والعلاقات الاقتصادية ما بين البلدين.في هذا السياق، يقول أستاذ العلوم الساسية في الجامعة المستنصرية في بغداد، الدكتور عصام الفيلي في حدث لقناة ومنصة "المشهد": "طبيعة العلاقة القائمة بين كردستان العراق وتركيا أخذت ملامحها تثبت بعد أن أصبح هناك ارتكاز في الحياة الاقتصادية الموجودة ما بين الإقليم والحكومة التركية"، مضيفا أن ذلك محكموم بعاملين:ارتكاز اقتصاديأنبوب النفط وما يمر من الأراضي العراقية عبر أراضي كردستان إلى تركيا، وما يحقق لها من موارد، خصوصا وأن تركيا تكاد تكون دولة متقدمة في منطقة الشرق الأوسط لكن يبقى عامل الطاقة الهايدروكربونية بشقيها الغازي والنفطي يمثل عنصر قلق كبير بالنسبة لها، وما يمر عبر أراضي كردستان عبر بوابة جيهان مرتكز أساسي في العلاقة.هناك ما يقارب أكثر من 2500 شركة تركية من مختلف المجالات تعمل في إقليم كردستان سواء في البناء والإعمار وغيره، وكذلك فإن كردستان تعتبر بوابة النمو الاقتصادي التركي باتجاه العراق لوجود هذه البوابة داخل أراضي كردستان من الناحية العملية، وما يتم تحقيقه يتجاوز أكثر من 12 – 13 مليار دولار.وكان العراق أبلغ السلطات التركية قبل أيام باستئناف عمليات تصدير النفط العراقي عبر ميناء جيهان التركي.وكانت أنقرة أوقفت تدفق النفط العراقي عبر خط أنابيب إقليم كردستان بعد صدور حكم من غرفة التجارة الدولية في 23 مارس الماضي ألزم تركيا بدفع تعويضات بقيمة 1.5 مليار دولار للعراق بسبب سماح أنقرة بضخ صادرات كردستان للفترة من عام 2014 إلى 2018.وكانت الحكومة العراقية توصلت في إبريل الماضي مع حكومة إقليم كردستان شمالي العراق إلى اتفاق مبدئي لاستئناف صادرات النفط من الشمال العراقي.علاقات تقليدية بين أنقرة وأربيلوفي حال فوز المعارضة في هذه الانتخابات المصيرية بالنسبة للرئيس رجب طيب إردوغان المستمر في الحكم منذ نحو عقدين، فيقول الفيلي إن "العلاقات بالنسبة لتركيا مع كردستان سواء بوجود إردوغان التي في حكمه تطورت كثيرا، أو من خلال وجود قوى المعارضة برئاسة المرشح كمال كليجدار أوغلو، فكلاهما في المحصلة يعملان من أجل مصلحة البلاد".ويشير إلى أن "المعارضة أيضا لا تريد أن توتر العلاقة التقليدية القائمة بين كردستان والحكومة التركية، لأنها تدرك أن أحد مصادر الدخل المهمة بالنسبة لها يمر عبر هذه العلاقة، وبالنسبة للأكراد فهم يتعاملون مع كل الجهات، وهم بالأساس يحتفظون بعلاقة استراتيجية مع إردوغان".أما ريزان دلير العضوة في مجلس النواب الكردستاني، فترى في حديثها مع "المشهد" أنه "بالتأكيد إذا لم يفز إردوغان في هذه الانتخابات فالوضع في كردستان العراق أمنيا سيهدأ، لأن هذه المشاكل موجودة بين الأحزاب الكردية والجيش التركي، وكذلك فإن وضع الأكراد داخل تركيا سيكون أهدأ كذلك".وفيما يخص وضع العلاقات بين أربيل وأنقرة حال فوز المعارضة، تشير دلير إلى أنه "سيكون هناك مشاكل لأن المعارضة لا يوجد بينها وبين أربيل أي علاقة، وبالتالي سيكون على الأكراد التعامل مع حكومة جديدة بشكل أكثر دقة لأنها بالنهاية تسعى لمصلحة الشعب الكردي فحسب، كما أن كليجدار كانت لديه وعود بالنسبة للشعب الكردي، ونحن في انتظارها حال فوزه".وبينما لم يقدم كليجدار أوغلو مقترحات ملموسة لحل القضية الكردية في تركيا، اتهم إردوغان بـ "وصم" الأكراد، كما تعهد بالإفراج عن الزعيم الكردي لحزب الشعوب الديمقراطي اليساري صلاح الدين دميرتاش المسجون منذ عام 2016 لنشره "دعاية إرهابية".لكن الحرب القائمة ما بين الجيش التركي وحزب العمال الكردستاني، بالنسبة لدلير "مشكلة موجودة وستستمر مع وجود إردوغان وهو شخص ديكتاتوري أضرّ بالشعب التركي اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، وهو في الآونة الأخيرة لم يعترف بوجود الشعب الكردي، لذلك فإن الأكراد في كردستان الآن اتفقوا للتصويت لصالح المعارصة لهذا، لأنه بعدم فوز إردوغان سيعم الأمن والأمان في كل المنطقة، لكن إذ فاز سيستمر الوضع كما هو".الأمن القومي التركيفي المقابل، يرى عصام الفيلي في حديثه لـ"المشهد" أن هذه المسألة "تُمثل جزءا لا يتجزأ من الأمن القومي التركي، فحينما وصل حزب الرفاه القديم في منتصف تسعينيات القرن الماضي قبل وصوله أعلن أنه سيحلّ الملف الكردي سلميا، ولكن ما إن استلم السلطة حتى قام بما يعرف بمطاردة المطرقة الساخنة التي فيها استطاع أن يُحجّم الكثير من نشاطات حزب العمال الكردستاني".ويضيف أن "هذا ربما يكاد يكون محكوما باستراتيجية موجودة خصوصا وأن الحكومات التركية تتجه في أوقات الحاجة وأوقات الانتخابات إلى ائتلافات مع الأحزاب الكردية ولكن حينما تستتب لها الأمور سياسا أو تصل إلى السلطة تبدأ بالمواجهة"، لافتا إلى أن "ملف حزب العمال الكردستاني لن ينتهي إلا بالحوار السلمي إذا نجحت الحكومة التركية المقبلة في خلق حوار سلمي مع منح الأكراد ما يعرف بالحكم الذاتي".أما عن تأثير نتائج الانتخابات على أربيل، فيول الفيلي: "تركيا لديها أكثر من ملف مُعقّد من بينها ما يعرف بالقوميين الأتراك وهي مسألة مهمة جدا وهو ما يمثل تحديا للحكومة المقبلة، أما الملف الآخر فهو القوة اليسارية التي تمثل تحديا كذلك لأي جهة، لأنها تحتفظ بعلاقات مع حزب العمال الكردستاني، إضافة إلى الجيش الذي ما يزال يؤمن بالعقيدة الأتاتوركية وهو الآن يمثل الدولة العميقة".ويرى الفيلي أن "موضوع معالجة الملف الكردي يجب أن يمر بتوافقات بين هذه القوى، خصوصا إذا ما أدركنا أن طبيعة جراحات ما خلفته القضية الكردية لا يمكن لها أن تندمل بالناحية العملية. وإضافة إلى كل هذا، فإن القضية الكردية الآن تجاوزت حدود إقليم كردستان لتشمل مناطق أخرى في سوريا والعراق. يشار إلى أن الجيش التركي يحتفظ بعشرات القواعد في شمال العراق وينفذ ضربات جوية وعمليات برية ضد حزب العمال الكردستاني الذي يدير قواعد خلفية في المنطقة.ونادرا ما تنتقد الحكومة الإقليمية الكردية في العراق أنقرة، على الرغم من قصف تركيا المتكرر لأراضيها والتسبب في سقوط ضحايا من المدنيين. وبدلا من ذلك، عادة ما تحد أربيل من ردها العلني على البيانات الصحفية التي تدين انتهاكات سيادة العراق وتأثيرها على السكان، بحسب وكالة "فرانس برس".(المشهد)