ملفات داخلية وخارجية شائكة ومعقدة تنتظر الرئيس الإيراني الجديد المُنتمي للتيار الإصلاحي مسعود بزشكيان، والذي حقق فوزًا صعبًا أمام منافسه المتشدّد سعيد جليلي، في جولة الإعادة التي جرت خلال اليومين الماضيين. ويعلق ملايين الإيرانيين آمالهم على الرئيس الإيراني الجديد في تخفيف القيود على الحريات الاجتماعية وانتهاج سياسة خارجية تميل إلى الانفتاح على العالم. ويرجّح محللون أن يلقى بزشكيان، ترحيبًا من القوى العالمية التي تأمل في أن يلجأ إلى سبل سلميّة للخروج من أزمة توتر العلاقات مع طهران بسبب برنامجها النووي الذي يشهد تطورًا سريعًا. ولكن يرى محللون تحدثوا لمنصة "المشهد" أنّ بزشكيان ربما سيلجأ إلى تغيير تكتيكات السياسة الإيرانية الخارجية، ولكن لن يتمكن من رسم تلك السياسات لأنها من صلاحيات المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي. وقال محللون إنّ بزشكيان سيسعى إلى مسايرة التيار المتشدّد المسيطر على البلاد ولن يكون هناك صدام بينهما.ما التحديات التي تواجه بزشكيان؟وفي التفاصيل، قال المتخصص في الشأن الإيراني الدكتور محمد عبادي، إنّ فوز بزشيكان هو رهان من النظام الإيراني منذ زمن بعيد، حيث يتم الدفع برئيس إصلاحيّ حين تقتضي الحاجة إلى الانفتاح على العالم وتحسين صورته خارجيًا في حين يأتي بالرئيس المتشدد في الوقت الذي يريدون فيه ذلك. وأشار عبادي، في حديث لـ"المشهد" إلى أن الرئيس الجديد سيركز على ملفين هما: تحسين العلاقات مع الغرب وخصوصًا فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني.محاولة تحسين الأوضاع الاقتصادية في الداخل والتي ترتبط أيضًا بتحسين العلاقات الإيرانية مع الخارج.وأوضح أنّ الأوضاع الاقتصادية في الداخل والملف النووي مرتبطان ببعضهما البعض لأنّ التوصل إلى اتفاق مع الغرب معناه انتهاء العقوبات الدولية على إيران والتي تنعكس بدورها على الظروف الاقتصادية الداخلية. وكشف المتخصص في الشأن الإيراني، أنّ ملف التسوية النووية الإيرانية ملف صعب وليس من السهل الوصول إلى تسويّة مع الغرب، لافتًا إلى أنّ هذا الملف مرتبط بشكل كبير باسم الرئيس الأميركي القادم. وقال إن وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض مُجددًا في نوفمبر المقبل سيُعقّد الأمور كثيرًا بالنسبة لطهران لأنّه يتخذ موقفًا متشددًا من الملف النووي الإيراني وهو الذي انسحب من الاتفاق في السابق. معضلة أخرى ستواجه الرئيس الإيراني الجديد، بحسب عبادي وهو قدرته على تسيير الأمور الداخلية في الدولة الفارسية، مُشيرًا إلى أنّ فترة حكم الرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي؛ كان هناك تناغم داخل الدولة الإيرانية ولكن بزشكيان المُنتمي للتيار الإصلاحي ربما يواجه بعض الصعوبات في استمرار هذا التناغم. ولكن هذه المعضلة لن يكون لها تأثير كبير لعدّة أسباب: الصلاحيات الحقيقية ورسم السياسات تكون من اختصاص المرشد الأعلى والرئيس ما هو إلا منفذ لهذه السياسات.عدم رغبة بزشكيان في الصدام مع المؤسسات الإيرانية التي يسيطر عليها المتشددون.وقال عبادي إنّ بزشكيان سيمثل حالة التنفيس عن الغضب الشعبي الإيراني تجاه السياسات الأصولية المتشددة في الدولة الفارسية، لافتًا إلى أنّ الرئيس الجديد سيركز على أمرين هما الانفتاح والاقتصاد وهذان الأمران لا يتعارضان مع السياسة الإيرانية الحالية. إشارة أخرى يلفت المتخصص في الشأن الإيراني النظر إليها وهي أنّ بزشكيان سيعمل على مسايرة التيار الأصولي في البلاد، وبدا ذلك واضحًا في عدم الإعلان عن تعيين محمد جواد ظريف وزيرًا للخارجية لأنه شخص غير مرغوب فيه بالنسبة للتيار المُحافظ وهو ما يشير إلى عدم رغبة بزشكيان في الاصطدام بالتيار المحافظ.تبعات فوز بزشكيان عالميًاوتمكّن بزشكيان من الفوز بثقة قاعدة انتخابية يُعتقد أنها تتألف من أبناء الطبقة الوسطى الحضرية والشبان المصابين بخيبة أمل كبيرة من الحملات الأمنية التي خنقت على مدى السنين أيّ معارضة علنية للحكم الديني، بحسب تقرير لـ"رويترز".وتعهّد جراح القلب البالغ من العمر 69 عامًا بتبني سياسة خارجية براغماتية وتخفيف التوّتر المرتبط بالمفاوضات المتوقفة الآن مع القوى الكبرى لإحياء الاتفاق النووي لعام 2015 وتحسين آفاق الحريات الاجتماعية والتعددية السياسية.في المقابل، يرى رئيس المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية الدكتور محمد أبو النور، أنّ فوز مسعود بزشكيان هو مفاجئة لكل المتابعين للسياسة الإيرانية. وقال في حديث أبو النور في تصريحات لمنصة "المشهد" إن بزشكيان قبل شهرين لم يكن معروفًا لدى قطاعات كبيرة من الشعب الإيراني ولم يكن من الصفوف الأولى لتيار الإصلاح في إيران، مُشيرًا إلى أنّ بزشكيان جرى رفض ترشحه في الانتخابات البرلمانية الماضية من قبل مجلس صيانة الدستور. وأشار أبو النور إلى أنّ فوز بزشكيان سيكون له أثار وتبعات كبيرة على السياسة الإيرانية في الداخل والخارج. وأضاف: "لا أتوقع أن تتغير السياسة الخارجية لإيران لأنّ سياسة الرئيس السابق إبراهيم رئيسي كانت مُنفتحة على العرب".وحول الملف النووي الإيراني، أشار أبو النور إلى أن رسم السياسات الخارجية للدولة الفارسية في يد علي خامنئي وبالتالي لن يكون له تأثير كبير أيضًا على هذا الجانب، لافتًا إلى أنّ الدولة الإيرانية تسعى منذ فترة إلى تسوية هذا الملف وقبل وفاة رئيسي بيومين فقط تم الإعلان عن عقد لقاءات بين مسؤولين أميركيين وإيرانيين في عمان لمناقشة هذا الملف. ورأى أن بزشكيان طرح نفسه كرئيس لكل الإيرانيين وليس للتيار الإصلاحي فقط، وهو ما سيعمل عليه خلال الفترة المقبلة، مشيرًا إلى أنه من المتوقع أن يعين عباس عراقجي، وزيرًا للخارجية نظرا لدرايته الواسعة بملف المفاوضات النووي الإيراني.تغيير تكتيكات وليس سياسات! وقال إنه لن يقوم بتعيين محمد جواد ظريف رغم أنه مقرب منه ربما لأنه لا يريد الاصطدام بالتيار المتشدد في البلاد. واتفق أبو النور مع الطرح السابق المتعلق بوصول دونالد ترامب لرئاسة الولايات المتحدة مرة أخرى، قائلًا: "المعضلة الحقيقية تتعلق بأن يتم إعادة انتخاب ترامب مرة أخرى حينها ستواجه إيران مشكلة من أجل الوصول إلى تسوية للملف الإيراني دون تقديم تنازلات كبيرة". وأوضح أن الرئيس الجديد ومعه وزير الخارجية وأمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني سيقومون ربما بتغيير تكتيكات التحركات الإيرانية في المنطقة ولكن ليس إعادة رسم السياسات التي تظل في يد المرشد الأعلى. (المشهد)