فجّرت وزارة الزراعة الإسرائيلية قنبلة مدوّية حينما نشرت بيانات رسمية أظهرت تصدّر تركيا لقائمة الدول المصدّرة للخضراوات والفواكه إلى إسرائيل منذ بداية الحرب على غزة. ووفق البيانات التي تداولتها وسائل إعلام فلسطينية بشكل واسع، فقد حلّت تركيا في المرتبة الأولى بين الدول التي قامت بتعويض الخلل الحاصل في القطاع الزراعي الإسرائيلي بعد هجوم "حماس" في 7 أكتوبر من خلال تأمين ما يقرب من 55% من الاحتياج الإسرائيلي للمحاصيل الزراعية.المصائب الزراعية الإسرائيلية فوائد لتركياوتواجه إسرائيل أزمة اقتصادية غير مسبوقة من جراء الحرب في قطاعات التقنية والزراعة والبناء والسياحة، حيث أسفر إخلاء البلدات الإسرائيلية المتاخمة لغلاف غزة والأخرى القريبة من الحدود اللبنانية شمالاً عن خسائر فادحة في القطاع الزراعي، كون المناطق المذكورة تعدّ السلة الغذائية للبلاد، ما أجبرها على زيادة استيراد الخضراوات والفواكه والمنتجات الزراعية والحيوانية الأخرى. وتقدّر المصادر الإسرائيلية أن نحو 30 ألف عامل في الزراعة من المواطنين الإسرائيليين قد اضطر بعضهم إلى ترك عمله بشكل مؤقت، وجزء منهم بشكل دائم، ما زاد من الخسائر الزراعية، بالإضافة إلى مغادرة العديد من العمال الأجانب العاملين في القطاع الزراعي الإسرائيلي، واستمرار منع العمال الفلسطينيين من الدخول إلى إسرائيل. وفي حين عرفت تركيا من بين أكثر الدول انتقاداً لإسرائيل وحربها في غزة، من خلال التصريحات المتكررة من قبل المسؤولين الأتراك وعلى رأسهم الرئيس رجب طيب إردوغان، الذي اتّهم الحكومة الإسرائيلية بالقيام بأعمال إبادة جماعية بحق الفلسطينيين، فإن بيانات وزارة الزراعة الإسرائيلية تفيد إلى أن التبادل التجاري بين البلدين يغرّد بعيداً عن تبادل الاتّهامات والتصريحات الدبلوماسية الحامية. وكشف مصدر في اتّحاد المصدرين الأتراك في حديث مع منصّة "المشهد" مشترطاً عدم ذكر اسمه لحساسية الملف أن "شحنات الخضراوات والفواكه التركية إلى إسرائيل زادت بشكل كبير في الفترة الأخيرة، مقابل تراجع الطلب إسرائيلياً على مواد أخرى كانت تجارتها نشطة في الأسابيع الأولى للحرب". ووفق المصدر المطلع فقد استوردت إسرائيل من تركيا فواكه وخضراوات وأنواعاً أخرى من المواد الغذائية بقيمة 14,833,000 دولار في يناير الماضي (2024)، بزيادة بلغت نسبتها 44% عن التبادل التجاري بداية حرب غزة، مقابل انخفاض الطلب على المواد الغذائية الحيوانية والجافة إلى 26,228,000 دولار بنسبة انخفاض بلغت 35%، و276,966,000 دولار من المنتجات غير الغذائية، بانخفاض أيضاً بلغت نسبته 47%.الحكومة التركية تنفي والبيانات تؤكدتؤكد البيانات الرسمية الصادرة عن دائرة الإعلام في القصر الرئاسي التركي، والأخبار والمقالات المتداولة في الإعلام الرسمي والمقرّب من الحكومة التركية على الدوام على "الإجراءات التي اتّخذتها أنقرة ضد إسرائيل والتي أدّت إلى تراجع الحركة التجارية بين البلدين منذ بداية الحرب في غزة". وتهدف هذه البيانات والأخبار المتداولة دفع تهمة تعامل أنقرة بازدواجية في خطابها ضد تل أبيب مقابل خطواتها العملية، نظراً إلى حساسية الملف الفلسطيني بالنسبة للقاعدة الشعبية المؤيّدة للرئيس التركي في اليمين المحافظ دينياً، وذلك على أبواب الانتخابات المحلّية المقرر إجراؤها في نهاية مارس المقبل، والتي ستشهد منافسة قوية بين مرشّحي السلطة والمعارضة في المدن الكبرى وفق آخر استطلاعات الرأي. وردّاً على اتّهامات التناقض بين الخطاب الرسمي والواقع، تداولت وسائل إعلام تركية مقرّبة من الحكومة الأسبوع الماضي بشكل واسع بيانات تشير إلى "اتّخاذ الشركات التركية مواقف مقاطعة ضد إسرائيل"، مؤكدين على "تراجع حجم التجارة بين إسرائيل وتركيا منذ أكتوبر 2023". وقالت وكالة أنباء الأناضول الرسمية إن "المصدّرين الأتراك، توجّهوا إلى أسواق بديلة عن السوق الإسرائيلية، حيث انخفضت صادرات تركيا إلى إسرائيل بنسبة 31.1% في يناير، مقارنة بشهر سبتمبر 2023". وقالت الوكالة إن إسرائيل التي كانت ثاني وجهة لصادرات الصلب التركي عالمياً في شهر سبتمبر 2023، تراجعت إلى المركز العاشر في شهر يناير بنسبة استيراد من تركيا، وبلغت نسبة الانخفاض 62%". كما أن قطاعي "السفن واليخوت والخدمات" و"مصانع ومنتجات الزينة" لم تصدّر أي منتجات إلى إسرائيل في شهر يناير الماضي. لكن المصدر أكّد لـ"المشهد" بأن "انخفاض نسب التصدير في قطاعات الصلب وانعدامه في قطاع اليخوت ومنتجات الزينة مردّه تراجع أو توقّف الطلب الإسرائيلي لهذه المنتجات مقابل تصاعد الطلب على منتجات أخرى يبدو أنها أكثر لزاماً لتل أبيب في الوقت الحالي: وعلى رأسها الفواكه والخضراوات والغذائيات". ووفق بيانات جمعية المصدرين الأتراك فإن قطاع صناعة الصلب جاء في المركز الأول في صادرات تركيا إلى إسرائيل عام 2023، بقيمة 883 مليون دولار، تلاه قطاع المواد الكيميائية في المرتبة الثانية والسيارات في المرتبة الثالثة.الأسمنت والوقود يتدفقان إلى إسرائيلوقال المصدر إن "شحنات الأسمنت إلى إسرائيل لم تتوقف أيضاً منذ حرب غزة، وقد شهد شهرا أكتوبر وديسمبر الماضيان تصاعداً في الطلب على هذه المادة". وكشف المصدر أن "شركة إرين القابضة مثلاً، وهي مورد الأسمنت ومواد البناء الرئيسي لإسرائيل، مستمرة في إرسال شحناتها المنتظمة من دون أي انقطاع منذ 8 أكتوبر، وقد أرسلت أكثر من 200 ألف طن من المواد إلى إسرائيل منذ بدء الحرب". ومن المعروف أن الشركة تحظى بدعم كبير من قبل حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا والأحزاب المتحالفة معه كحزب الحركة القومية، وحزب الاتحاد الكبير، وحزب هدى بار. وتعرف شركة إرين القابضة في تركيا ببناء وترميم المساجد. ووفقاً لسجلّات حركة السفن الدولية، فقد تم نقل أكثر من 100.000 طن من المواد إلى إسرائيل من موانئ أنطاليا وإزمير وسيليفكي يشيلوفاجيك وديليسكيليسي ومرسين وإسكندرون وعليا نمرود التركية في الأيام الثلاثة الماضية فقط، وذلك عبر سفن شحن مسجّلة في تركيا وإسرائيل ودول أوروبية. وتظهر السجلّات التي اطّلعت عليها "المشهد" قيام ناقلات وقود تركية بنقل وتزويد إسرائيل بالوقود ومشتقات الطاقة، إلى جانب شحنات الفولاذ والأسمنت والمواد الغذائية. ويضغط "اتّحاد الصناعيين ورجال الأعمال الأتراك" (TUSIAD) و"اتّحاد الصناعيين ورجال الأعمال المستقلّين" (MUSIAD) المقرّبان من السلطة في تركيا على الحكومة من أجل استمرار التعامل المتصاعد مع إسرائيل في مواجهة التراجع الاقتصادي الذي يؤثر على القطاعين التجاري والصناعي في البلاد. من خلال ما سبق يبدو بأن الأكثر انتقاداً لسياسات التجويع التي تمارسها إسرائيل ضد الفلسطينيين في غزة هو الأكثر حرصاً على تغذية الإسرائيليين زمن الحرب.(المشهد)