بعد فوزه بنسبة 88%، أدى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اليمين الدستورية مساء الثلاثاء رئيسا لروسيا الاتحادية.وحضر القسم أعضاء مجلس الاتحاد ونواب مجلس الدوما وقضاة المحكمة الدستورية، وممثلو بعض الدول. وعلى الرغم من الانتقادات الكثير التي وُجهت لفوز بوتين بولاية خامسة، فإن فوزه وتنصيبه بالأمس حُظي بتغطية واسعة من قبل وسائل الإعلام الغربية، ما فسّره البعض دلالة على مكانة بوتين الكبيرة على المسرح العالمي. خطاب بوتين الرئاسيفيما يلي أبرز النقاط التي تناولها بوتين في خطابه الرئاسي للولاية الخامسة: بدأ بوتين بشكر مواطني روسيا في جميع مناطق البلاد ولمن سمّاهم "سكان أراضي روسيا التاريخية".شكر بوتين "الأبطال المشاركين في العملية العسكرية الخاصة، وكل من يقاتل من أجل الوطن" في إشارة إلى الحرب التي تخوضها روسيا في أوكرانيا.شدد بوتين على أن موسكو منفتحة على تعزيز العلاقات "الطيبة" مع جميع الدول التي ترى في روسيا شريكا صادقا وموثوقا.أشار بوتين إلى أن بلاده لا ترفض الحوار مع الدول الغربية.وصف بوتين العالم اليوم بأنه معقد ويتغير بسرعة، وأنه يجب على روسيا أن تتمتع بالاكتفاء الذاتي والقدرة على المنافسة.ووفقا لمراسم التنصيب الرسمية الروسية، يتوجه الرئيس إلى الحفل من مكتبه في قصر الكرملين الكبير، ثم يمر عبر الشرفة الحمراء إلى ساحة الكاتدرائية، بالتزامن مع استعراض القائد الأعلى للقوات المسلحة مرور الفوج الرئاسي. ومنذ انهيار الاتحاد السوفياتي، لم تتغير كيفية ترسيم الرئيس الجديد، حيث يتم اعتماد الطقوس ذاتها منذ أول رئيس بعد السقوط (بوريس يلتسين) إلى فلاديمير بوتين اليوم، باستثناء المكان، الذي أصبح لاحقا يتم في الكرملين. وعند وصول الرئيس إلى القصر، يجب أن يكون كل شيء جاهزًا حيث يكون الضيوف قد حضروا، ومن ثم يتم تقديم العلم الوطني لروسيا وراية رئيس روسيا الاتحادية، وشعار رئيس الدولة، ونسخة من الدستور التي يضع الرئيس يده عليها أثناء أداء القسم.ويعلق المحلل الروسي رولاند بيجاموف في حديث إلى منصة "المشهد" على خطاب بوتين قائلا:" أبرز ماجاء في الخطاب هو مقترح الخطاب الاستراتيجي الذي تحدث عنه بوتين، الذي أظهر أنه لا يتعامل مع دول حلف الناتو كأعضاء أزليين، مرسلا إشارة مفادها أن روسيا مستعدة للحوار الاستراتيجي".في السياق، يشرح المحلل السياسي المتخصص في الشأن الروسي د. عمرو الديب في تصريح إلى منصة "المشهد" أن خطاب تنصيب بوتين، هو إعادة تأكيد على المسار الروسي في الـ10 أعوام الأخيرة سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي.وأكد الديب أن الخطاب "لم يأت بجديد، وإذا قيمنا هذا الخطاب بشكل محايد فنرى أنه مجرد إعادة صياغة لكل المبادئ التي عملت السلطات الروسية على إظهارها وتطبيقها".التحوّل من رئيس إلى قيصر "لا علاقة له بالواقع"، هكذا وصف بوتين مرارا لقب القيصر، الذي ينسب إليه كثيرا خصوصا بعد تبني تعديلات دستورية تتيح له تمديد بقائه على رأس الكرملين نظرياً حتى عام 2036.وعلّق بوتين ذات مرة على هذا اللقب بالقول "أنا أعمل كل يوم، أنا لا أحكم. القيصر هو الذي يجلس وينظر إليك من علوٍ ويقول: (أنا آمر وهم ينفذون)، بينما يجرب في الوقت نفسه قبعة وينظر إلى نفسه في المرآة".في هذا السياق، يرى المحلل الأوكراني فلوديمير شوماكوف في حديث إلى منصة "المشهد" أن "بوتين بالأمس تحوّل من رئيس إلى قيصر، وذلك لأن البطريرك الأول هو من قال لبوتين يا جلالكم، وهذه العبارة لا تقال إلّا لملك، أو لقيصر، وليس لرئيس عادي". لكن برأي شوماكوف "لدى بوتين خيبة، لأنه عندما هجم منذ عامين على أوكرانيا، أراد أن يكون رئيسا لدولة جديدة، والتي كانت ستضم بتصوره أوكرانيا وبيلاروسيا. لكن بوتين لم يستطع تحقيق ذلك، لذا لديه اليوم خطة أخرى، بأن يكون رئيسا ليس فقط للاتحاد الروسي، بل لدول أخرى تتكون من أوكرانيا، روسيا، بيلاروسيا، ومن الممكن أن تضم كازاخستان، ودولا أخرى من الاتحاد السوفياتي سابقا".ويرى الديب أنه "لا شك أن فلاديمير بوتين ليس رئيسا عاديا وحقبته المستمرة حتى الآن هي فترة مهمة وغير اعتيادية في التاريخ الروسي وحتى العالمي".ولا بد من الإشارة إلى أن لقب القيصر هو المرادف للقب الإمبراطور في اللغة الروسية، وفي عهد الامبروطورية البيزنطية كان بالإمكان إطلاق لقب القيصر على كل من يتم اختياره حاكماً للبلد، كذلك يرجع البعض لقب القيصر إلى الاسم الرسمي للدولة الروسية (القيصرية).وفيما يلي بعض الأمور التي يراها البعض دلالة على تحوّل بوتين من رئيس إلى قيصر: منذ بداية القرن الـ21 لم تشهد روسيا سوى فلاديمير بوتين رئيسا للبلاد. بوتين هو الزعيم الروسي الأكثر بقاءً في السلطة منذ عهد جوزيف ستالين (منذ عام 2000). يُنظر إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على أنه جوزيف ستالين الثاني (أحد مؤسسي الاتحاد السوفياتي) الذي استطاع هزيمة ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية. يعتبر بوتين واحدا من أقوى الزعماء الروس، وفقا للعديد من الأبحاث، لكنه يختلف عن غيره بقدرته على اعتماد سياسة القوى الناعمة للترويج لشخصيته داخليا وخارجيا. لعب بوتين دورا مهما ورئيسا في إعادة دمج روسيا بالمجتمع الدولي بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، حيث عمل على استعادة الصداقات القديمة وتشكيل شبكة من الحلفاء حول العالم.ترسيم منقوصضمت قائمة الشخصيات الأجنبية مبعوثين من دول أوروبية عدة، ومنها فرنسا والمجر وسلوفاكيا ومالطا وقبرص واليونان.وفي حين تكرر باريس دعواتها إلى ضرورة إرسال قوات غربية إلى أوكرانيا لمساندتها ضد روسيا، كان السفير الفرنسي بيير ليفي على رأس الحاضرين. وعلى الرغم من استدعائه إلى وزارة الخارجية الروسية في اليوم السابق للحفل، في خطوة رفضتها وزارة الخارجية الفرنسية باعتبارها محاولة للترهيب، فإن فرنسا لم تتغيب عن الحفل.وقاطعت نحو 20 دولة من دول الاتحاد الأوروبي الحفل، كما لم يحضر السفير الأميركي، ما يشي بالانقسام بين الدول الغربية حول كيفية التعامل مع الرئيس الروسي بوتين.وعلق على ذلك المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف قائلا: "إن عدم الحضور لم يكن سببا لاتخاذ إجراءات انتقامية معينة"، لافتا إلى أن حفل التنصيب كان مخصصا في المقام الأول للمواطنين الروس.وحول عدم حضور بعض ممثلي الدول الغربية لمناصب الترسيم، يقول شوماكوف إن "الغرب لا يعترف بهذه الانتخابات، ويعتبرها غير شرعية أو ديمقراطية، وهو ما يطرح السؤال، كيف سيتعامل الغرب بشكل دبلوماسي مع روسيا في المستقبل؟، وبالتالي كيف لسفراء هذه الدول أن يقدموا اعتمادهم لبوتين؟". فيما يلفت الديب إلى أن "تغيب بعض المبعوثين الدبلوماسيين مرتبط بمواقف حكوماتهم وغير مرتبط بدعواتهم أو عدم دعواتهم في الأساس، ومسألة حضورهم من عدمها هي عملية بروتوكولية ولكن غير مهمة في سير عملية الترسيم".أما برأي بيجاموف فيشير تغييب بعض السفراء إلى "ضعف الغرب، وإلى الانقسام في الصفوف الغربية، لأنه لا يوجد في الغرب أي أفق منظور، فهم دخلوا في صراع مع روسيا، وأخطأوا في حساباتهم، حيث إن النخب السياسية في الغرب لا تعرف كيف تتعامل مع هذه الأزمة".المرحلة المقبلةويؤكد بيجاموف أن أحد الأمور التي سيركز عليها بوتين هو "دوره كزعيم عالمي، يواجه ويتحدى الغرب، ويدخل في صراع من أجل ولادة عالم متعدد الأقطاب، الأمر الذي يعدّ تمردا ضد القوى الغربية، والذي سيجل اسم بوتين في التاريخ"، مبينا أن أحد المهام الرئيسية لدى بوتين هي "تنفيذ جميع المهام المتعلقة بالعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا".ويضيف بيجاموف أن "هناك مهمة أخرى لدى بوتين وهي إعادة ترتيب البيت الداخلي، لأن الشعب الروسي ينتظر إزالة رواسب فترة انهيار الاتحاد السوفياتي، وبناء مجتمع جديد في روسيا".فيما يشير الديب إلى أن الأمور التي سيركز عليها بوتين في المرحلة القادمة هي تطبيق المبادئ التي أرساها في آخر 10 أعوام، والمرتبطة أساسا بالسياسة الخارجية وعلاقته مع الغرب والشرق الأوسط والصين والهند، وهذه السياسة تستهدف بناء عالم متعدد الأقطاب وغير قائم على قوة واحدة".وأيضًا "العمل على جعل روسيا مكتفية ذاتيا على المستوى التكنولوجي وكذلك الاقتصادي في أقرب وقت"، وفقا للديب، الذي يضيف قائلا:يظل الملف الأوكراني مفتوحا ويمكن معه أن تتطور الأمور للأسوأ على مستوى الصراع العام بين الغرب وروسيا. لذلك من أهم الملفات التي يعمل بوتين عليها هو غلق هذا الملف باتفاق أو بانتصار حاسم. وإلّا ستكون أوكرانيا حرب استنزاف لمقدرات روسيا على المدى المتوسط والقريب.(المشهد )