مع سقوط نظام بشار الأسد أعيد خلط الأوراق السياسية في لبنان، خصوصا لجهة القوى السياسية التي كانت مرتبطة عضويا بالنظام السوري مثل "حزب الله" وتيار "المردة" والحزب القومي السوري وحزب البعث في لبنان. ويظهر تخوف هذه القوى السياسية في اعتراف الأمين العام لـ"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم بأنه خسارة طريق الإمداد العسكري عبر سوريا، ما يعني تلقائيا خسارة الدعم السياسية الذي يؤمنه نظام بشار الأسد لهذه القوى. كيف ستؤثر الأحداث على المشهد السياسي في لبنان خصوصا أن دمشق كان لها دورٌ فاعل في الحياة السياسية اللبنانية؟"خلط الأوراق"وفي هذا الإطار، أكد الصحفي والمحل السياسي جان فغالي أن سقوط نظام بشار الأسد في سوريا يمثل ضربة قاسية لـ"حزب الله"، حيث أدى ذلك إلى قطع الطريق بين إيران ولبنان عبر سوريا، وهو ما وصفه بأنه أشبه بحبل المشنقة حول رقبة الحزب. وأوضح أن "حزب الله"، منذ تأسيسه في عام 1982 وحتى قبل سقوط النظام السوري، اعتمد بشكل كامل على الإمدادات الإيرانية التي كانت تمر عبر سوريا.وأشار فغالي في حديث خاص لمنصة "المشهد" إلى أن حديث الشيخ نعيم قاسم عن وجود بدائل صحيح من الناحية النظرية، لكنه غير واقعي من الناحية العملية. ولفت إلى أن البدائل المحتملة، مثل مطار بيروت، مرفأ بيروت، الطرق البرية، أو البحر، غير متوفرة أو قابلة للتنفيذ، ما يعني أن العنق الإيراني الذي كان يربط الحزب بإيران عبر سوريا قد انقطع. وأضاف: "حزب الله يكابر حين يتحدث عن بدائل، لكن عملياً، فإن سقوط نظام الأسد شكّل خسارة إستراتيجية للحزب".من جهة أخرى، شدد فغالي على أن انهيار النظام السوري سيخلط الأوراق كلياً في لبنان. وأوضح أن حلفاء سوريا في لبنان لن يتمكنوا من الحفاظ على تأثيرهم السابق لأن حيثيتهم السياسية كانت مستمدة بشكل رئيسي من النظام السوري. وأضاف: "بعد سقوط هذا النظام، ستتلاشى هذه الحيثية أيضاً، بشرط أن يعرف اللبنانيون كيفية التعامل مع هذا الواقع الجديد".وحذر فغالي من أن استمرار التصرف وكأن نظام الأسد لم يسقط سيؤدي إلى مشكلات كبيرة في لبنان، داعياً إلى التعاطي مع هذا التغيير بوعي وحذر لتجنب أي أزمات إضافية قد تزعزع استقرار البلاد.وقبل سقوط بشار الأسد، كانت قوى لبنانية عدة تؤيد النظام السوري مثل "حزب الله" والتيار الوطني الحر وتيار المردة، إضافة إلى قيادات لبنان وصحفيين لبنانيين يدورون في فلك الحكم السوري وكانوا يتمتعون بنوع من الحماية السياسية من قبل الحكومة السورية. النفوذ السوري في لبنان مستمرعلى المقلب الثاني، أكد الصحفي والمحلل السياسي إبراهيم بيرم في حديث لمنصة "المشهد" أن "سقوط النظام في دمشق فرض واقعاً جديداً طوى صفحة قديمة وفتح الأبواب أمام مرحلة جديدة على المستويين الإقليمي واللبناني". وأشار بيرم إلى أن لبنان، بطبيعته، يتأثر دائماً بما يحدث في سوريا، وهو ما أثبته التاريخ منذ استقلال البلدين عام 1943، وهناك علاقة معقدة وجدلية بين لبنان وسوريا، تتميز بتأثير متبادل بين كيانين منفصلين ولكنهما مترابطان في الجغرافيا والسياسة.وأوضح بيرم في حديثه:سقوط النظام السوري يطرح تساؤلات عدة، أبرزها حول إمكانية النظام المقبل، مهما كانت طبيعته أو انتماؤه، أن يتخلى عن أطماعه في لبنان أو عن النظرة الخاصة للواقع اللبناني. تصريحات جولاني بشأن انتخاب قائد الجيش جوزيف عون رئيساً للجمهورية تُظهر رغبة في استمرار النفوذ السوري، ولو بشكل غير مباشر، في لبنان.وأضاف بيرم أن المرحلة الحالية تضع لبنان أمام تحديات داخلية كبيرة، أبرزها قدرته على إدارة نفسه كدولة مستقلة بعيداً عن التدخلات الخارجية. وقال: صحيح أن النظام السوري سقط، لكن الأزمة السورية لا تزال مستمرة، وتأثيرها السلبي على لبنان واضح من خلال موجات النازحين المستمرة التي تثقل كاهل البلاد". هناك مخاوف من أن يقع كل من لبنان وسوريا تحت وصاية دولية مشتركة، تُفرض من خلالها سياسات معينة على البلدين، مثل فرض رئيس أو حكومة أو حتى ترتيبات عسكرية ذات طابع إقليمي، وصولاً إلى احتمال الضغط نحو معاهدات سلام مع إسرائيل.وتابع بيرم أن الدعم السوري كان شريان الحياة لـ"حزب الله" منذ تأسيسه في الثمانينيات، معتبراً أن سقوط النظام السوري أثر بشكل كبير على الحزب، خاصة فيما يتعلق بخطوط التسليح والإمداد. وأوضح أن تصريحات الشيخ نعيم قاسم، التي أكدت فقدان الحزب لخط التسليح الأساسي، تُبرز حجم التغيير الذي أحدثه انهيار النظام السوري.فرض معاهدة سلام مع إسرائيلوأشار بيرم إلى أن الأزمة السورية المستمرة تلقي بظلالها الثقيلة على لبنان. وقال بيرم إن البلاد تواجه اليوم تحديات متزايدة، أبرزها موجات النزوح السوري التي تُثقل كاهل الدولة اللبنانية. وأضاف أن هناك مخاوف جدية من أن يقع كل من لبنان وسوريا تحت وصاية دولية مشتركة في المستقبل القريب، ما قد يفرض على لبنان واقعاً جديداً لا يرضي جميع اللبنانيين.وأوضح بيرم أن "هذه الوصاية قد تشمل فرض رئيس للجمهورية، وحكومة، ونظام عسكري بمواصفات محددة.، وفي نهاية المطاف، قد يُفرض على البلدين معاهدة سلام مع إسرائيل، وهو أمر يثير قلقاً كبيراً في الداخل اللبناني، خاصة إذا انعكس ذلك على استقرار البلاد".وحذر بيرم من أن هذه التحولات قد تدفع لبنان نحو مشكلات داخلية أو حتى حرب أهلية، مشيراً إلى ضرورة تجنب تكرار سيناريو عام 1982، عندما اجتاحت إسرائيل بيروت وفرضت واقعاً سياسياً جديداً أدى إلى أزمات طويلة الأمد. وقال: "ما زلنا نعاني آثار تلك المرحلة، من انتفاضة 6 شباط إلى الحرب مع الجبل ووليد جنبلاط، والانقسام في الجيش اللبناني، وصولاً إلى الفراغ الرئاسي".وفق ما تقدم يبدو أن القوى السياسية في لبنان تتعامل بحذر مع المعادلات الجديدة في سوريا والمنطقة، وألا تسعى لتكرار تجربة النظام الأحادي التوجه، بل أن تعمل على تحقيق توافق وطني يضمن استقرار البلاد بعيداً عن الصراعات الإقليمية.(المشهد - بيروت)