في العام 2014، دُمّر منزل محمد أبو شريعة في قصف إسرائيلي، فأعاد بناءه. وبعد 10 أعوام، دُمّر منزله مجددا في الحرب الأعنف المتواصلة في قطاع غزة. إلا أنه هذه المرة، ليس متفائلا.وتقول الأمم المتحدة إن حجم الدمار في قطاع غزة الناتج عن حرب متواصلة منذ عام تقريبا، كبير لدرجة أن إعادة الإعمار قد تتطلّب عقودا من الزمن وعشرات مليارات الدولارات. ويقول أبو شريعة لوكالة فرانس برس "هي المرة الثانية التي يُقصف فيها بيتنا ويُدمّر من الاحتلال الإسرائيل.. دُمّر كليّا وتحوّل إلى ركام".حصل ذلك في أكتوبر بعد أيام قليلة على اندلاع الحرب. وقتل في القصف على المنزل 5 من أفراد عائلته بينهم 4 أطفال، ونزح بقية أفراد العائلة في أنحاء قطاع غزة وإلى مصر. بعد قصف العام 2014، أعاد أبو شريعة الذي كان حينها في الـ37 من عمره، بناء المنزل في المكان نفسه الذي كان فيه في حي صبرة في مدينة غزة خلال أقل من عام بأموال منحة حصل عليها من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا). ويقول "الشخص منّا يضع شقاء عمره من أجل بناء منزل وفجأة يصبح سرابا.. يأتي الاحتلال ويمحو البيت والعائلة بصاروخ".إعادة الإعماريواجه معظم سكاّن قطاع غزة البالغ عددهم 2.4 مليون التحدّي نفسه، إذ اضطر غالبية السكّان الى النزوح على الأقل مرّة واحدة من منازلهم، وفق الأمم المتحدة، ودُمّرت منازل كثيرين منهم. ولا يعرف أحد، وربما لا يفكّر في الوقت الحالي، بسبب تواصل الحرب المدمّرة في الموارد والطاقة اللازمة لجولة جديدة من إعادة الإعمار. ويقول أبو شريعة "إذا توقّفت الحرب، سنبني في المكان نفسه، لأن ليس لدينا غيره". ولو أنه يتساءل من أين سيجد الطاقة والموارد للقيام بذلك. ويقول المحلّل السياسي ووزير التخطيط الفلسطيني السابق غسان الخطيب: "التشاؤم نابع من التجارب السيئة مع إعادة الإعمار في الماضي وتباين حجم الدمار الحالي". وهناك جدل حول الأولويات وكيفية إعادة الإعمار، ويرى محللون أن هذا التخطيط سابق لأوانه خصوصا أنه من غير الواضح كيف ومتى ستنتهي الحرب وبأي شروط. ويقول بريان كاتوليس من معهد الشرق الأوسط للأبحاث في واشنطن "الأمر يشبه وضع حبة فاكهة لتزيين كعكة لم تنضج بعد". "الناس سئموا"وتعدّدت الإحصاءات حول الضرر الذي أحدثته الحرب بين إسرائيل و"حماس" والتي وصفتها "الأونروا" بأنها "حرب الصفات المطلقة". في مايو الماضي، قال المقرّر الخاص للأمم المتحدة المعني بالحقّ في السكن إن إعادة بناء نحو 79 ألف منزل مدمّر قد يستغرق 80 عاما.وفي تقرير صادر عن الأمم المتحدة في يوليو، جاء أن العمل على إزالة الأنقاض في قطاع غزة قد يستغرق 15 عاما.ويرى مؤسس مركز "بال ثينك" للدراسات الإستراتيجية ومقره غزة عمر شعبان، أن الاستجابة لحروب غزة السابقة في أعوام 2008 و2014 و2021 تثير شكوكا بإعادة الإعمار هذه المرة. ويقول إن الخبراء الأجانب غالبا ما فشلوا في إشراك الفلسطينيين في التخطيط وتنفيذ المشاريع، كما فشلت الحكومات العربية في الإيفاء بتعهداتها بعد أن وعدت بمبالغ مالية كبيرة. وحال الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع منذ العام 2007 دون وصول مواد إعادة الإعمار بشكل كبير. ويقول شعبان "سئم الناس وفقدوا الثقة حتى قبل الحرب". مقترحات طموحةوعلى الرغم من غياب الرؤية الواضحة واستمرار الحرب، يبقى شعبان من بين أولئك الذين يطرحون إستراتيجيات محتملة لمستقبل غزة بعد الحرب. ونشر في وقت سابق من العام الجاري مقالا اقترح فيه أن تركّز أعمال إعادة الإعمار الأولية على 10 أحياء في كل من محافظات غزة الخمس. ويقول "أريد أن أخلق الأمل. يحتاج الناس إلى أن يدركوا أن معاناتهم سوف تنتهي"، و"إلا سوف يصبحون متشددين". والأمل هو أيضا الدافع الرئيسي لمبادرة "فلسطين الناشئة" التي تقدّم نفسها على أنها "مبادرة تعاونية للقطاع الخاص" عرضت في أبريل مخططا للإعمار يشمل ميناء يبنى على جزيرة اصطناعية مصنوعة من ركام الحرب، وجامعة تقنية لإعادة الإعمار وممرا بين غزة والضفة الغربية. كما تضمنت مشاريع "المبادرة" حملة سياحية وصناعية سينمائية فلسطينية وإنشاء فريق كرة قدم. وتقول المديرة التنفيذية للمبادرة شيرين الشلة في مكتبها بمدينة رام الله "تعتقد عندما تنظر إلى بعض هذه المقترحات أنها مجرد أحلام.. مع ذلك اعتقد أنه إذا لم نحلم فلن نتمكّن من تحقيق أي شيء". ويقول الخطيب "أعتقد ان الناس يجب أن يكونوا أكثر واقعية.. الجوانب العاجلة هي الدواء والغذاء والمأوى والمدارس". ويشاطره الرأي الفتى أحمد صقر الذي يقضي وقته في غزة تكسير حجارة ركام المنازل وبيعها كحصى مقابل ما لا يزيد عن 3 شواكل (نحو 80 سنتا) للدولار الواحد. ويتمنى صقر الذي يقول إنه يبدأ عمله هذا في 7 صباحا حتى 2 ظهرا "أن تنتهي الحرب ونعود لأيام زمان، الأيام التي كنّا نذهب فيها إلى البحر للسباحة وإلى المول والمدرسة، ونصلّي ونصوم. (...) أيام زمان حلوة، نلعب كرة قدم بدلا من تكسير الحصى".(رويترز)