اعتمد الرئيس الأميركيّ السابق دونالد ترامب في حملة ترشّحه للرئاسة في عام 2016، على انتقاد الجمهوريّين والديمقراطيّين على حدّ سواء، لتورّطهم في حروب طويلة الأمد في الشرق الأوسط، مقابل تقديم نفسه باعتباره المرشح الذي سينهي الحرب في أفغانستان، ويعيد القوات إلى الوطن، ويمنع البلاد من التورط في صراعات عبثية.تؤثر الصراعات على الانتخابات الأميركية لجهة أعداد الناخبين المشاركين في العملية الانتخابية، وخياراتهم، وفي الوقت نفسه تؤثر على سياسات وتصريحات المرشّحين وتوجّهاتهم.إقبال الناخبين يتناسب طردًا مع عدد القتلى تشير معظم الدراسات والتقارير الأميركية، إلى تأثير مباشر بين الحروب والاستحقاقات الانتخابية في البلاد، فيما تؤكد دراسة لمجلة "تأثيرات الصراعات" أنّ "الحروب بشكل عام، تسببت في خسارة القادة المنتخبين المرتبطين بدخول أميركا إلى المعركة في الانتخابات في زمن الحرب". قد تكون هذه إحدى العوامل التي تعزّز من ثقة اللاعبين الإقليميّين الأصغر ثقلًا في بقع عديدة من العالم، في تأجيج الصراعات أو تحقيق أهداف جيوسياسية أو اقتصادية خلال فترة الانتخابات الأميركية، التي تسمّى سنّة بالبطّة العرجاء. والبطة العرجاء (بالإنجليزية: Lame duck) هو اصطلاح سياسيّ أميركيّ يطلق على الرئيس في السنة الأخيرة من عهده، لأنهم عادة ما يفتقرون في آخر فترات مأموريّتهم الرئاسية المحددة بـ4 سنوات، والقابلة للتجديد انتخابيًا مرة واحدة فقط، إلى الدعم السياسيّ المطلوب لتمرير قرارات حاسمة كدخول الحروب أو مشاريع مهمة جديدة. كما تؤثر الحروب على انتخابات ما بعد الحرب، بقدر تأثيرها على الانتخابات أثناء الحرب في أميركا. يرى مايكل كوخ من جامعة تكساس إيه آند إم وستيفن نيكلسون من جامعة كاليفورنيا في ميرسيد، أنّ "إقبال الناخبين يزداد عندما يؤدي الصراع إلى مقتل أكثر من 300 شخص، وتزيد الأعداد الكبيرة لقتلى الحرب من إقبال الناخبين على التصويت، وخصوصًا إذا حصل هذا الارتفاع في الفترة قبل 60 يومًا من الانتخابات". وفي نتيجة تراجيدية غير مباشرة، تشير هذه الدراسة إلى احتياج أميركي ربما لتأجيج الصراعات، وذلك من أجل التحفيز على مشاركة أوسع في الانتخابات، خصوصًا في فترات تراجع إيمان المجتمعات الأميركية بقوّتها وقدرتها على التأثير على قرار السلم والحرب.كل قرار للحرب له حساباته الانتخابية يقول العالم السياسيّ أندرو باين، في كتابه بعنوان "الحرب على صناديق الاقتراع"، التي يشرح فيها "تأثير الدورة الانتخابية على صنع القرار الرئاسيّ الأميركيّ في الحرب"، إنّ "القادة عادة ما يأخذون الاعتبارات الانتخابية في الحسبان عند اتخاذ القرارات المتعلقة بالاستراتيجية العسكرية والدبلوماسية في الحرب". وبحسب باين، "مقابل كل ضابط عسكريّ أو خبير في وزارة الخارجية، يقدّم المشورة للرئيس بشأن أفضل مسار للقوات الأميركية للمضيّ قدمًا، يحذّر مستشار آخر من التأثير الذي قد تحدثه هذه السياسات على الانتخابات المقبلة". تبدو الطبيعة المتشابكة للانتخابات وصنع السياسة الخارجية على مدار فترة الرئاسة من خلال قرارات كتأجيل العمل العسكري، حتى إجراء الانتخابات، أو التخفيف من حدة التوتّر، إلى حين انتهاء الانتخابات، وقد تتداخل الانتخابات مع استراتيجيات المساومة والتفاوض على الملفّات الحساسة. ولا بدّ هنا إلى الإشارة بالاختلاف بين الانتخابات الرئاسية للفترة الأولى والثانية للرئيس الأميركي، وبينها وبين الانتخابات النصفية من جهة أخرى.ملفّات ساخنة على طاولة المرشّحين يجد المرشّحان الرئاسيان المحتملان في الانتخابات الأميركية القادمة في نوفمبر نفسهما أمام امتحان صعب في ملفات خارجية عدة، في ظل اضطرارهم على استهلال حملاتهم الانتخابية وسط حرب مدمّرة في أوكرانيا، وأخرى في غزة، ومخاوف البرنامج النوويّ الإيرانيّ وتنامي تأثير شبكاتها المسلّحة في منطقة الشرق الأوسط والبحر الأحمر، وتزايد نفوذ بكين في البحر الصينيّ ومحاصرتها السياسية لتايوان، والنشاط البالستيّ المفرط لكوريا الشمالية وغيرها من القضايا الدولية الساخنة. وبالاستناد إلى نظرية "باين"، فإنّ الحسابات الانتخابية ستكون حاضرة، وربّما الأكثر حضورًا في وعود المرشّحين حول كل من هذه الملفّات، بالإضافة إلى التأثير المؤكّد على قرارات الرئيس الحالي. وإن ذهبت بعد الفرضيات إلى اعتبار هجوم "حماس" في 7 أكتوبر محاولة للتأثير على العلاقات العربية -الإسرائيلية، وأيضًا العلاقات بين أنقرة وتل أبيب، فقد تكون حسابات الانتخابات الأميركية قد لعبت دورًا أيضًا في تحديد الساعة الصفر، بالنسبة للهجوم الذي يُعتقد بأنه سيغيّر وجه المنطقة من الناحية الجيوسياسية. وكشف استطلاع للرأي أجرته "نيويورك تايمز" الأميركية منتصف ديسمبر الماضي، تراجع شعبية جو بايدن بين الديمقراطيّين وغيرهم من المؤيدين السابقين، بسبب الاستياء من دعمه القويّ لإسرائيل في حربها ضد "حماس"، وبشكل خاص بين الناخبين الشباب (أقل من 30 عامًا)، المجموعة ذات الميول اليسارية التي باتت تفضل دونالد ترامب على بايدن بهامش 49% إلى 43%. في المقابل، حرص الرئيس السابق ترامب الذي أسس سياسته الخارجية خلال فترة ولايته الأولى في منصبه على دعم إسرائيل، على تقديم رسائل مختلطة حول كيفية تعامله مع حرب غزّة لو أنّه كان مكان بايدن. وانتقد ترامب بدايةً القيادة الإسرائيلية بسبب هجمات "حماس" في 7 أكتوبر، لكنه أكّد دعمه لإسرائيل. وأصر على أنه سيتخذ موقفًا أكثر تشددًا ضدّ إيران، التي تدعم منذ فترة طويلة الجناح العسكريّ للحركة المسيطرة على الأرض في غزة، كما أيّد ضرورة استمرار الحرب بين إسرائيل و"حماس"، مشيرًا إلى أنّ القتال المطوّل بينهما "قد يكون أمرًا لا مفر منه بسبب العداء الطويل الأمد بين الجانبين".الثابت في السياسة الأميركية دعم إسرائيل في المقابل، يعارض د. الأكاديميّ في جامعة كينيسو الأميركية والباحث في إدارة الأزمات إسحاق أنديكيان في حديثه مع "منصّة" المشهد، فرضية تفاقم الصراعات في الفترات الانتخابية الأميركية، شارحًا بأنّ "المسألة تتلخّص في أنّ كلّ رئيس، خصوصًا إذا كان الخلف ينتمي إلى فريق سياسيّ مختلف عن الذي ينتمي إليه السلف، لديه رؤية للسياسة الخارجيّة لأميركا ويحاول تطبيقها عندما يصل لسدّة الحكم والتي أحيانًا كثيرة تتعارض مع رؤية سلفه". ووفق أنيديكيان فالمسألة لا ترتبط فقط برؤية كل رئيس إلى الحروب أو الصراعات، بل الفكرة سارية على كل الملفات التي ترتبط بالسياسة الخارجية. ويدعم أنيديكيان رأيه بمثال "الاتفاق النوويّ الإيرانيّ الذي توصّل إليه الرئيس الديمقراطيّ أوباما وانسحب منه الرئيس الجمهوريّ ترامب الذي انتهج استراتيجيّة أكثر عدائيّة تجاه إيران، وحاول الرئيس الديمقراطيّ بايدن إحياءها من دون نتيجة". ويشرح قائلًا: "كذلك الأمر بالنسبة للاتفاق المناخي والاحتباس الحراري (اتفاق باريس) الذي توصّل إليه الرئيس الديمقراطي، وانسحب منه الرئيس الجمهوريّ ترامب بموجب أمر/مرسوم تنفيذيّ (executive order) ثمّ عاد إليه الرئيس الديمقراطيّ بايدن". وعلى المقلب الآخر، والكلام لأنديكيان، "أرسى الرئيس الجمهوريّ ترامب علاقات مميّزة بين الولايات المتّحدة وروسيا، في حين أنّ إدارة الرئيس الديمقراطيّ بايدن كان لها مقاربة أكثر تشنّجًا مع هذه الدولة وغيرها". وينهي أنديكيان حديثه إلى "المشهد" بالقول: "بالمحصّلة لكلّ إدارة في البيت الأبيض سياساتها وإستراتيجيّاتها المنبثقة من رؤية سياسيّة لعلاقات أميركا الخارجيّة التي تحدّدها رغبة الناخبين والعملية الديموقراطية في الانتخابات الرئاسية. لذلك ليس من ثوابت في السياسة الخارجيّة الأميركيّة إلّا ما يتعلّق بإسرائيل ومصالح أميركا، والباقي يخضع لنتيجة البازار الانتخابي. إنّها مشكلة من مشاكل "الديموقراطيّة" التي قد تأتي برئيس من حزب سياسيّ مختلف عن السلف". (المشهد)