بعد مضي 222 يوماً من الحرب الإسرائيلية المضنية على قطاع غزّة، تشير المعطيات بأنّ قوات الجيش الإسرائيلي لم تحقق مرادها بسحق حركة "حماس" عسكرياً حتى اللحظة، وفي المقابل تتجه ظروف الحرب إلى حرب استنزاف، حيث أفادت التحليلات بأن "حماس" تستخدم تكتيكات حرب العصابات في مواجهة مدرعات الجيش الإسرائيليّ خصوصًا في المناطق المأهولة، مما يجعل حركة الجيش بالغة التعقيد وصعبة، ويزيد أعداد قتلاه، فيما تشن الخلايا المكونة من اثنين إلى خمسة مقاتلين هجمات، وتنصب الكمائن، وتستخدم القناصة، وتتجنب العناصر في هجماتها المواجهة المباشرة مع القوات الإسرائيليّة قدر المستطاع. في ذات السياق، كشف العديد من المسؤولين السياسيين والعسكريين الإسرائيليين، أنهم سيواصلون الحرب على غزّة حتى تحقيق الهدف بالقضاء على "حماس" عسكرياً، وإهلاك سلطتها السياسيّة، مما يدل أن سيناريو حرب الاستنزاف وارد في حسابات السياسيين والعسكريين في إسرائيل، فهل بإمكان إسرائيل وحركة "حماس" خوض حرب استنزاف طويلة الأمد من دون دفع أثمان باهظة في الموارد البشرية والاقتصادية؟ وما تداعيات ذلك على الساحة الدولية؟ عمليات جراحية استنزافيةاعتبر المحلل السياسي الإسرائيلي شلومو غانور في حديثه مع منصة "المشهد"، بأن حركة "حماس" تهدف إلى "تحويل الحرب الجارية في غزّة لحرب استنزاف مع القوات الإسرائيلية، ولجأت إلى تكتيك حرب العصابات في الشوارع، خصوصا بعد تفكيك وحداتها القتالية الكبيرة على يد الجيش الإسرائيلي، تحولت عناصرها إلى عناصر فرديّة، لكنّ القوات الإسرائيلية واعية لمخطط الاستنزاف، فتقوم بين الفينة والأخرى بعمليات تمشيط واسعة وكبيرة، لتحقيق الأهداف المحددة ومن ثم تنسحب في الشمال والوسط والجنوب". وحول دلالة عودة المعارك الضاريّة لشمال قطاع غزّة يعتقد غانور "منذ اليوم الأول للحرب، أعلن بأنها سوف تكون طويلة وقاسية، وربما تستمر لسنوات، وتفكيك البنية العسكرية والنظامية "لحماس" من قبل القوات الإسرائيلية لا يمكن أن يتم خلال أشهر، بل يستغرق وقتاً طويلاً، وهنا تدخل الأولويات والتعليمات والقرارات السياسية والمناخ الذي يوفر شروط العمل للقوات الإسرائيلية في الميدان". وأضاف غانور "لذلك نرى أنشطة للقوات الإسرائيلية في مناطق مختلفة بصورة متواصلة ومنها شمال غزّة، وهذا يختلف عن مراحل الحرب في بداية أكتوبر، أسلوب المناورة البرية الأرضية التي تتبعها القوات الإسرائيلية الآن، بعكس الأشهر الأولى التي امتازت بالتحرك السريع وتفكيك ما يمكن تفكيكه، الآن العمليات محدودة مدروسة وجراحية". ونوه المحلل السياسي إلى سلبية خوض القوات الإسرائيلية حرب الاستنزاف في غزّة، مشيراً إلى أنه "لا حدود للعامل السلبي والاستنزاف للطرفين في قطاع غزّة خصوصا القوات الإسرائيلية في القدرات والمعنويات، طالما هناك غايات وأهداف تدبيريّة، سيتمسك كل طرف بتحقيق أهدافه، الوضع سيستمر طويلاً، لكن الأمر سيتوقف على قدرات كل طرف، سواء العسكرية، أو الاقتصادية، أو الدعم الدولي والسياسي، حتى التمسك بالمعنويات". معركة استنزاف حتمية من جهته، أوضح المختص في الشؤون الإسرائيليّة فراس ياغي لمنصة "المشهد" بأنّ "طبيعة المعركة التي تخوضها القوات الإسرائيلية في قطاع غزّة، وإصرار رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو على إطالة أمد المعركة بالطبع سوف تتحول إلى حرب استنزاف، ولن تقتصر على غزّة بل سوف تمتد للجبهات المتعددة، فأغلب الجبهات الموجودة التي تساند قطاع غزّة، ربطت وقف إطلاق النار من هذه الجبهات، بوقف إطلاق النار في غزّة". وأعرب ياغي عن اعتقاده بأنّ "إسرائيل سوف تتعرض لهجمات مستمرة من الجنوب والشمال، وحتى نتيجة الحصار اليمني على السفن الإسرائيليّة، وبالتالي هذه مشكلة حقيقيّة لإسرائيل أن تعلق في قطاع غزّة، فالوضع سيؤدي لإنهاك الجيش الإسرائيليّ المتعب أصلاً بعد مضي 7 شهور في داخل المعارك، بينما عناصر "حماس" في غزّة أعادت ترتيب وضعها بشكل جيد، وأصبحت مجموعات صغيرة وقادرة على إيقاع الخسائر في صفوف الجيش الإسرائيليّ".وأضاف أن "احتمالية أن تتحول لحرب استنزاف واردة بل نشهدها يوماً بعد يوم، فيما ذهب بعض المحللين العسكريين الإسرائيليين إلى أنه لا يوجد قتال حقيقي داخل القطاع منذ 3 شهور، وهذا يثبت بأن المعركة طويلة في غزّة، إذا لم تذهب إسرائيل لوقف إطلاق النار". واستطرد حديثه بالقول إن "إسرائيل ليست قادرة على خوض معركة استنزاف طويلة المدى في قطاع غزّة، لأنّ ذلك سيرهق المجتمع الإسرائيليّ سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، لكن نتانياهو يحسب حسابات سياسية تتعلق بحكومته وبوضعه الشخصي في داخل الحكومة، لذلك يطيل المعركة في غزّة على أمل أن يحقق انتصارًا لإسرائيل، بالمقابل تحذيرات الجنرال الإسرائيلي إسحاق بريك حول انهيار إسرائيل سياسياً وعسكرياً في محلها، إذا ما طالت المعركة واستمرت لمدى طويل، ستكون حرب استنزاف بصورة تامة، لأنّ المقاومة في غزّة سوف تستهدف العمق الإسرائيلي، وهذا سيعرض إسرائيل لخسائر على المستويين الاقتصادي و العسكري، وذلك ما يقلق إسرائيل ويضغط باتجاه البحث عن حلول، وعلى ما يبدو فإنّ حركة "حماس" أعدّت عدتها لحرب استنزاف طويلة ضدّ القوات الإسرائيلية تستمر لأشهر وسنوات".(المشهد - القدس)