قبل عامين لم يكن أكثر المتشائمين في أوروبا يتوقع أن تشهد القارة العجوز حربا، لكن اليوم وبعد دخول الحرب الروسية الأوكرانية عامها الثاني، بدأ القادة الغربيون ينظرون إلى ما يحدث بواقعية أكثر، لتتنوع خططهم ما بين إعادة بناء قدرات جيوشهم العسكرية، ودعم كييف بالذخيرة والعتاد لهزيمة قوات بوتين القابعة على حدودهم الشرقية. وعلى الرغم من تزايد الدعم العسكري من الدول الحلفاء لكييف خلال الأشهر القليلة الماضية، وتوعد الرئيس فولوديمير زيلينسكي في خطاب ألقاه مع بداية العام بأن تكون 2023 "عام الانتصار على روسيا"، إلا أن المعارك الدائرة في شرق أوكرانيا تشير إلى تحقيق موسكو انتصارات ملحوظة، مع تطويق القوات الروسية مدينة باخموت في محاولة للاستيلاء عليها بالكامل. ومنذ أسابيع تستعد أوكرانيا لما تسميه بـ"الهجوم المضاد" على القوات الروسية، والتي تتوقع تقارير صحفية غربية أن يبدأ خلال الربيع، حيث تسلمت كييف معدات عسكرية متطورة تشمل دبابات ثقيلة وأسلحة بعيدة المدى، إلى جانب تدريبات مكثفة للجنود. ويُقدر معهد كيل للأبحاث الاقتصادية ومقره ألمانيا حجم المساعدات العسكرية التي حصلت عليها أوكرانيا من الولايات المتحدة فقط منذ بداية الحرب وحتى يناير الماضي نحو 44.3 مليار يورو (47 مليار يورو). واعترف زيلينسكي في خطابه اليومي الأحد بصعوبة الأوضاع على أرض المعركة، قائلا إن جيشه يخوض معركة "مؤلمة وصعبة" في مواجهة القوات الروسية في منطقة دونباس، حيث تقع مدينة باخموت. ومع هذا التقدم الروسي الواضح على الأرض، تحدثت منصة "المشهد" مع خبراء حول السيناريوهات المحتملة للحرب الجارية، طارحة تساؤلات تحمل افتراض انتصار أوكرانيا أو انتصار روسيا، وذلك في محاولة للنظر إلى ما وراء تداعيات هذه السيناريوهات ومدى حدوثها. انتصار روسيا ردا على هذا السيناريو، يقول المحلل السياسي المُقيم في لندن عمار وقاف لمنصة "المشهد" إن "السيناريو الأكثر احتمالا، هو بقاء الأراضي التي تسيطر عليها موسكو كما هي، في مقابل انضمام ما تبقى من أوكرانيا بشكل نهائي إلى المعسكر الغربي". وفي سبتمبر الماضي، أجرت روسيا استفتاء في المناطق التي تسيطر عليها وهي زابوريجيا، خيرسون، لوغانسك، ودونيتسك حول انضمامها لموسكو، إذ أعلنت موافقة 98% من المشاركين لصالح الانضمام. ويتفق مع وقاف، الخبير الروسي في العلاقات الدولية دويدار تيمور، الذي قال خلال حديثه مع منصة "المشهد" إنه "في حال انتصار روسيا سوف يؤدي ذلك إلى توسع الحدود وضم المزيد من الأراضي إلى روسيا الاتحادية"، مؤكدا أن "هذا الانتصار في حد ذاته يحتاج إلى توافق روسي أميركي لإعادة الأمن إلى أوروبا". وتابع: "يبدو واضحا الآن استحالة الحديث عن سلام مع الغرب في حين لا يبدي الغرب أي احترام للتحفظات الروسية ومصالحها (..)،والرئيس بوتين مستعد لخوض حرب طويلة، ويؤكد ذلك قدرة روسيا على امتصاص العقوبات الغربية بعدما نجحت في تأمين أمنها الغذائي والصناعي لسنوات". ومنذ اندلاع الحرب، يفرض حلفاء أوكرانيا بقيادة الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية متلاحقة على موسكو، كان أخرها في فبراير الماضي، وهي حزمة عاشرة من العقوبات استهدفت القطاع المصرفي والتكنولوجيات ويمكن استخدامها للأغراض المدنية والعسكرية، حيث قالت حينها رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين :"لدينا الآن العقوبات الأقصى على الإطلاق، إذ تستنزف ترسانة روسيا الحربية وتنهش اقتصادها". انتصار أوكرانيا وحول سيناريو انتصار أوكرانيا، يقول الخبير الروسي إن "هذا غير وارد، ولا أدري كيف يحدث ذلك وتنتصر أوكرانيا، لأن روسيا حتى الآن لم تستخدم 15% من قدرتها العسكرية، ولم تُعلن حربا شاملة بعد". وأضاف دويدار أن انتصار أوكرانيا والقضاء على الجيش الروسي، "يحتاج إلى خيال واسع"، لكن في حال حدوث ذلك: روسيا ستُعزل تماما عن العالم. تغيير نظام الحكم وسقوط الرئيس بوتين. تغيير جغرافيا روسيا الاتحادية التي تتكون من جمهوريات وإدارات مختلفة. ستشكل دول الجوار بما في ذلك الصين واليابان مخاطر على أراضي روسيا المهزومة.وأوضح دويدار أن هذا السيناريو في حال حدوثه سيتحول إلى مأساة، لأن خسارة هذه الحرب بالنسبة لروسيا قد تعني فناء البشرية، فروسيا دولة نووية (..) ورد الفعل في حال سُجل أي تقدم أوكراني من المتوقع أن يكون حاسما". في المقابل يقول الدبلوماسي الأوكراني إيفان سيهيدا في حديثه مع منصة "المشهد" إن "انتصار أوكرانيا من السيناريوهات المحتملة (..)، وفي حال طُردت القوات الروسية من كامل الأراضي سنبدأ مباشرة في المفاوضات بشأن الحصول على تعويضات من موسكو جراء الحرب، وثانيا سنعمل على تقديم مجرمي الحرب إلى المحاكمة، لأنه لا يمكن التغاضي عن الجرائم التي ارتكبت وتركها من دون محاكمة حتى مع مرور الوقت". ويأمل سيهيدا وهو السكرتير الثاني لدى سفارة أوكرانيا في الكويت، أن تنتصر بلاده في حربها مع روسيا، مما قد يؤدي إلى تغيير نظام الحكم في موسكو، لكنه لا يعول بشكل كامل على "أي إدارة جديدة في روسيا (..) ولن تكون منخرطة بشكل إيجابي في مفاوضات". ويرفض الدبلوماسي الأوكراني سيناريو استمرار الوضع الراهن على ما هو عليه في المناطق التي تسيطر عليها روسيا، قائلا: "لا تنازل عن أراضي أوكرانيا، لأن ذلك سيعطي الدول التي تمتلك أسلحة نووية الفرصة لتفعل ما تشاء مع جيرانها ودول أخرى (..) حتى البلدان التي لا تمتلك أسلحة نووية ستحرص على الحصول عليه لتغيير موازيين القوى، وسيصبح النظام الدولي غير فعال، لذا لن يتم التفاوض على أساس التنازل عن الأراضي، ولا يجب أن نعطي روسيا أي فرصة لتحقيق أهدافها الزائفة". وفي خطاب مقتضب خلال مهرجان وطني كبير في فبراير الماضي، اعتبر بوتين أن روسيا تحارب حاليا في أوكرانيا من أجل "أراضيها التاريخية"، قائلا: "اليوم، أخبرتني القيادة العسكرية أن معارك جارية داخل أراضينا التاريخية من أجل شعبنا".(المشهد)