مع تأكيد اغتيال إسرائيل للأمين العام لـ"حزب الله" اللبناني حسن نصر الله، تواصل قوات الجيش الإسرائيلي ضرباتها الصاروخية وغاراتها الجوية، التي طالت وسحقت مناطق عدة من جنوب لبنان وصولاً للضاحية الجنوبية في مدينة بيروت، على إيقاع تهديدات رئيس حكومة الحرب بنيامين نتانياهو بمواصلة ضرب لبنان "إلى أن نحقق أهدافنا".وكانت وسائل إعلام إسرائيلية وثقت حشوداً لقوافل عسكرية إسرائيلية في الشمال استعداداً لتوغل بريّ محتمل في لبنان، كما ونشر الجيش الإسرائيلي جنود قوات الاحتياط لتنفيذ مهمات عملياتية وقتالية في جبهة الشمال.تأتي هذه التطورات، وسط الإجماع الإسرائيلي لشنّ حرب على لبنان والتلويح بتوغل بريّ، يحمل في طياته رسائل تصعيدية تنذر بمواجهة شاملة في الشرق الأوسط، تبرز رغبة نتانياهو الجامحة في الحفاظ على مستقبله السياسي من خلال تحقيق "النصر المطلق" عبر التسويق لفكرة إعادة المستوطنين إلى بلداتهم في الشمال، بواسطة الحرب والسعي للحسم مقابل "حزب الله". وبالعودة لبداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزّة وعد نتانياهو الإسرائيليين بعدم التنازل عن صورة النصر، التي ربطها بالقضاء على "حماس" وحكومتها، وبالمقابل رفض كل المبادرات والضغوط الدولية لوقف إطلاق النار، والسؤال الآن، هل ستمحي الإنجازات العسكرية التي يعمل نتانياهو على تحقيقها في لبنان عبر سلسلة الاغتيالات والاستهدافات عار السابع من أكتوبر؟ وهل بات مصير مستقبله السياسي مرهون بإشعال الحروب؟ متلازمات نصر نتانياهو وفق المحلل السياسي الإسرائيلي شلومو غانور، الذي تحدث لمنصة "المشهد" فإن وصول نتانياهو لصورة النصر متوقف عند عوامل ثلاثة:"رد الفعل الإيراني و"حزب الله" بعد تصفية نصر الله، وسائر المحور التابع لإيران واختفاء نصر الله من الساحة.المطلب الشعبي الإسرائيلي بالضغط على نتانياهو لاستمرار العملية العسكرية على لبنان لضمان عودة سكان شمال إسرائيل بأمان.التطورات على الأرض ورد عناصر "حزب الله" وكيف ستتعامل مع الوضع الجديد". وحول مستقبل نتانياهو السياسي وإمكانية غسله فشل وعار السابع من أكتوبر، أوضح غانور "معظم استطلاعات الرأي في إسرائيل تشير إلى ازدياد شعبية نتانياهو وإنجازاته التي حققها في قطاع غزة والآن في لبنان ضد "حزب الله"، كما وأن ضعف المعارضة الإسرائيلية عامل في زيادة شعبية الرجل، السؤال هل استمرار إنجازات نتانياهو على الجبهة الشمالية ستكون حليفة لمستقبله السياسي؟ فمكانته ستتزحزح إن وقع حادث أو عملية إرهابية داخل المجتمع الإسرائيلي، مع تهاوي الوضع الاقتصادي".ويلاحق نتانياهو صورة النصر المطلق التي فشل بتحقيقها في قطاع غزّة حتى الآن، ليتجه صوب فتح الجبهة الشمالية مع لبنان، بحسب الكاتب والمحلل السياسي أحمد زكارنة.وقال زكارنه لمنصة "المشهد": "في المعنى التكتيكي قد يُحقق نتانياهو صورة النصر التي يريد من خلال هذه العملية، وهو ما عودنا عليه في ممارسته السياسية كلما كان هناك نجاحاً ما لعملية هنا أو هناك، بخروجه للإعلام للتباهي بالانجاز، علماً بأنه قد يكون إنجازاً تكتيكياً وليس إستراتيجياً، وحتماً سيحاول نتانياهو أن يستثمر في هذه اللحظة ما وصلت إليه آلة القتل الإسرائيلية على جهة استهداف رأس المقاومة اللبنانية والابن المدلل للمحور بزعامة إيران".وأضاف المحلل السياسي زكانة قائلاً "ما خسرته إسرائيل على عدة جبهات، أبرزها الصورة الذهنية التي انهارت في السابع من أكتوبر، وسردية المظلومية، إلى آخره، من الصعب أن تعوضه إسرائيل بالمزيد من القوة، وتحديداً من شخص كنتانياهو المتهم إسرائيلياً بالفساد، ودولياً بالإرهاب". وشدد على أنّ "مستقبل نتانياهو السياسيّ، مرتبط بالأساس بإشعال الحروب واستمرار الحرب سواء على الجبهة اللبنانية أو في الساحة الفلسطينية، ففي حال توقفت هذه الحرب، أعتقد بأنه سيكون من الصعب أن يعود على رأس حكومة إسرائيلية جديدة، رغم ما تعانيه الدولة الإسرائيلية على صعيد أزمة القيادة، وهذا تأثير مرحلي وليس إستراتيجيًّا، هذا لأنه مازال يحاول تفريغ المسرح السياسي الإسرائيلي من معناه الفاعل لتشكيل أو صياغة رؤى إسرائيلية جديدة، إن لم تحدث متغيرات غير متوقعة يمكنها أن تحدث تحولاً ملموساً في هذا المشهد غير السوي". وقدر المحلل السياسي زكارنة أنه "بالمختصر نتانياهو يعمل منذ عقد ونصف، على تقويض الدولة العميقة، لتغيير شكل النظام السياسي من وصفه نظاماً يقوم على اللا مركزية تتشارك في صناعة قراره عدد من المؤسسات قريب للشكل الديمقراطي، إلى نظام مركزي يقف نتانياهو على رأسه".أبعد من صورة النصر وفي هذا الإطار، أكد الباحث والمحلل السياسي إبراهيم المدهون، لمنصة "المشهد" أنّ "نتانياهو يسعى لتحقيق أهداف عدة أبرزها صورة النصر، وتليها أهداف إستراتيجية واضحة بتحييد قوى المقاومة وعلى رأسها حركة "حماس" و"حزب الله"، والعمل على تغيير قواعد الاشتباك في الشرق الأوسط، وإضعاف أيّ محور يشكل تهديداً أو خطراً مستقبلياً على إسرائيل، وفرض السطوة الإسرائيلية على عموم الشرق الأوسط". وأشار المحلل السياسي المدهون إلى أن إسرائيل "تدخل معركة كبرى لا تبحث فيها عن صورة نصر فحسب، بل هي تريد الوصول إلى أهداف كبرى وخطيرة جداً، ولهذا لم تكتف بضرب محدد، وفي لبنان لديها أهداف بمثابة حرب وهي، أولاً، فك الارتباط ما بين "حماس" و "حزب الله" في المعركة، وثانياً، إعادة قوات حزب الله شمال الليطاني وسيطرة إسرائيلية دقيقة على جنوب الليطاني، وثالثاً، تفكيك قدرة حزب الله الصاروخية، والعمل على بناء لبنان وفق آليات تمنع إعادة قوة الحزب مرة أخرى". وفي هذا الصدد، اعتبر المحلل السياسي والعسكري أمير مخول لمنصة "المشهد" بأن "اغتيال إسرائيل حسن نصر الله، هي صورة الانتصار الأكبر لنتانياهو في تاريخه، هذا سينتشله من وضعيته السياسية التي تحسنت كثيراً منذ السابع من أكتوبر، وبات ثابتاً في موقعه، لكن الأمور لا تتوقف عند هذه الصورة، في حال سأل الإسرائيليون أنفسهم، هل حققت هذه الحرب أهدافها؟ وعاد سكان الشمال؟ وإذا لم يكن الجواب إيجابياً فهذا يعني أن نتانياهو سيدفع الثمن مقابل ذلك، الاغتيال؛ لا يكفي بل ماذا حقق من فتح الجبهة من قطاع غزة إلى لبنان". وأضاف مخول أنه "من المبكر الاقتناع بأن نتانياهو حقق أهدافه، فالحرب لم تنته ولن تتوقف، بل سيسعى نتانياهو للقضاء التام على "حزب الله" أو تقويضه، ضمن الإستراتيجية التي طورها في مسألة الحرب الهجينة، أيّ تطويع العدو من الداخل وتدميره قبل مهاجمته، ولا يمكن التقليل من أهمية بأن إسرائيل نجحت في الحرب على الجبهة الشمالية حتى اللحظة، وعلى ما يبدو بأن المحطة القادمة تشي بتغيير وجه المنطقة برمتها".(القدس - المشهد)