من جديد يطل الرئيس الأميركي دونالد ترامب على المصريين بتصريحات وُصفت بالاستفزازية، فبعد أيام قليلة من رفض مصر الرسمي والشعبي لمطلب ترامب الذي دعا فيه بنقل الفلسطينيين من قطاع غزة إلى الأراضي المصرية لفترات مؤقتة أو طويلة الأمد، عاد مرة أخرى في أقل من أسبوع للحديث عن ضرورة قبول القاهرة لتمرير التهجير، ضارباً برأي المصريين عرض الحائط.خرج ترامب يتفوه وسط صحفيي البيت الأبيض و"كأنه الوصي على أمور المصريين" وفق مراقبين، وذلك بعد سؤال وجهه له أحد الصحفيين المحيطين من حوله، كان مفاده: لقد قال الرئيس المصري والملك الأردني إنهما لن يستقبلا النازحين من غزة كما اقترحت، فهل هناك أي شيء يمكن أن تفعله لجعلهم يفعلون ذلك؟ أعني التعريفات ضد تلك الدول على سبيل المثال ما تعليقك؟، ليرد ترامب قائلاً: سوف يفعلون ذلك نفعل الكثير لهم وسوف يفعلون ذلك.وفي أول رد رسمي من قبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على طلب الرئيس الأميركي دونالد ترامب باستقبال مصر الفلسطينيين من قطاع غزة، أكد السيسي خلال مؤتمر صحفي بقصر الاتحادية الرئاسي، أن ترحيل الشعب الفلسطيني وتهجيره هو ظلم لا يمكن أن تشارك فيه مصر، ليقطع بذلك الطريق أمام أي محاولة للتهجير القسري للغزيين إلى بلاده. لماذا يصرّ ترامب على تهجير الفلسطينيين؟وفي ظل حالة الإصرار الموجودة لدى ترامب وإدارته على تمرير تهجير الفلسطينيين إلى مصر، باتت أسئلة عديدة تفرض نفسها وبقوة على ألسنة الكثير من المصريين بعضها يتعلق عن أسباب هذا الإصرار، والبعض الآخر يتمحور حول إمكانية فرض عقوبات اقتصادية على القاهرة من عدمه بسبب هذا الرفض، وهل ستظل مصر صامدة ضد الإصرار الأميركي؟في هذا الإطار، كشف مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير عبد الله الأشعل في تصريحات خاصة لمنصة "المشهد" أن: إصرار دونالد ترامب على تمرير التهجير القسري للفلسطينيين سواء إلى مصر أو الأردن لم يأت من فراغ، بل هو مخطط مدروس بعناية فائقة يتم مناقشته وبحثه بشكل جدي داخل البيت البيضاوي.ترامب يرغب في تنفيذ وعده الذي قطعه على نفسه لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، في إعطائه هدية حينما يزوره في البيت الأبيض، وهذه الهدية تتمثل في إفراغ قطاع غزة من أهله بأي طريقة وهو ما يتم العمل عليه في الوقت الحالي.وأوضح الأشعل أن ترامب يتعامل بعنجهية كبيرة ويرى في نفسه بأنه إمبراطور روما يأمر فيطاع، لكنه فوجئ بردة الفعل المصرية والأردنية معاً برفض مقترحه بنقل الفلسطينيين إلى أراضي الدولتين، مشيراً إلى أن خطة توطين الفلسطينيين تلك تعد غير واقعية على الإطلاق، لكنها في الوقت ذاته باتت تمثل تحدياً كبيراً لمصر والأردن.مصر رفضت صفقة أميركية لقبول التهجير ومن ناحيته، كشف الخبير العسكري اللواء سمير فرج أن الولايات المتحدة الأميركية قدمت لبلاده صفقة تقدر بمئات مليارات الدولارات، نظير تمرير تهجير الفلسطينيين داخل شبه الجزيرة السيناوية، وأوضح أن هذه الصفقة وصلت إلى ما يقرب من 450 مليار دولار، إضافة إلى سداد ديون الدولة المصرية، إلا أن مصر رفضت هذا الأمر وأصرت على موقفها الذي سيسجله التاريخ لها.ولفت فرج إلى أن مصر على مدى تاريخها رفضت قضية التهجير تلك أو حتى المشاركة فيها، وأن رؤساء مصر جميعهم رفضوا بشكل قاطع مخطط تهجير الفلسطينيين، موضحاً أن الوحيد الذي وافق على استقبال الفلسطينيين في مصر كان الرئيس الراحل محمد مرسي، وذلك حينما أعطي الرئيس الفلسطيني محمود عباس وعداً بنقل الفلسطينيين من غزة إلى الأراضي السيناوية لكن هذا الأمر لم يتم.وحذّر فرج من أنه في حال تهجير الفلسطينيين إلى مصر ستصبح الأخيرة نقطة مناوشات وتوترات ضد إسرائيل، وفي هذه الحالة سيلجأ الجيش الإسرائيلي إلى الرد، وهذا التصور لم ولن توافق عليه مصر لأنه يمثل تهديداً مباشراً للأمن القومي المصري.وتوقّع السفير عبد الله الأشعل بأن الولايات المتحدة الأميركية سوف تتراجع عن مطالبة مصر باستقبال الفلسطينيين، خصوصًا في ظل الموقف المصري الذي وصفه بالصلب تجاه رفض التهجير، مؤكداً أن هذا الموقف سيظل ثابتاً ولن يتغير مهما حدث من ضغوطات، لافتاً إلى أن اصطفاف الحشود الضخمة للمصريين من مختلف المحافظات أمام معبر رفح الحدودي اليوم والذي يمثل أقرب نقطة حدودية لمصر مع قطاع غزة، للتعبير عن الرفض التام للتهجير هي أقوى رسالة يمكن إيصالها للولايات المتحدة ومن يقف بجانبها في هذه القضية، مفاده أن المصريين على قلب رجل واحد.فرض عقوبات على مصر مستبعد؟وما يثير قلق المصريين حول خطة ترامب لتهجير الفلسطينيين داخل حدود دولتهم، هي التداعيات التي قد يفرضها الرفض المصري القاطع لتلك الخطة على مستقبل البلاد، خصوصًا في ظل التكهنات التي تتحدث عن إمكانية قيام الإدارة الأميركية بفرض عقوبات اقتصادية أو غيرها على القاهرة، كنوع من المعاقبة على عدم قبول ما يطالب به ترامب ورفاقه في البيت الأبيض. لكن الأشعل استعبد هذا الطرح، نظراً لأهمية مصر الكبيرة للولايات المتحدة الأميركية والتي تعد أحد أبرز حلفائها داخل المنطقة، مشيراً إلى أن أميركا حريصة على استمرار العلاقات المصرية - الإسرائيلية على نحو جيد، وبالتالي ليس هناك رغبة في حدوث أزمة مع القاهرة، ومن ثم فإن فكرة فرض عقوبات اقتصادية أو غيرها على مصر مستحيلة الحدوث نظراً لانعكاساتها الخطيرة على المنطقة بشكل عام وإسرائيل على وجه الخصوص.ومنذ بداية الحرب الإسرائيلية المستعرة على قطاع غزة، بعيد هجوم الفصائل الفلسطينية وعلى رأسها حركة "حماس" في السابع من أكتوبر عام 2023 على مستوطنات وقواعد عسكرية إسرائيلية، لم تتوقف تصريحات المسؤولين الإسرائيليين المطالبة بطرد الغزيّين والتخلص منهم خارج قطاع غزة وتحديداً إلى سيناء المصرية. ومع تزايد تنفيذ هذا المطلب على لسان الرئيس الأميركي ترامب تساءل كثر عن ما إذا كانت هناك أوراق ضغط من الممكن أن تمارسها الإدارة الأميركية الحالية على مصر لثنيها عن موقفها والقبول باستقبال الفلسطينيين داخل أراضيها، وفي هذا الصدد، يقول الدبلوماسي المصري إن أبرز أوراق الضغط من الممكن أن يتمثل في الآتي:اللجوء إلى قطع المعونة التي ترسلها أميركا سنوياً إلى مصر البالغ قيمتها 1,3 مليار دولار.ممارسة الضغوط على صندوق النقد الدولي لعدم حصول مصر على قروض مالية، خصوصًا وأن الولايات المتحدة تملك حصة كبيرة في هذا الصندوق.لجوء الولايات المتحدة إلى إعلان أن مصر منطقة خطر فيما يخص التجارة الدولية، ومن ثم سينعكس ذلك على الاقتصاد المصري.وعقب تنفيذ وقف إطلاق النار بين إسرائيل و"حماس" في 19 يناير الحالي لم يتوقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن مطالبة مصر والأردن باستقبال الفلسطينيين من قطاع غزة، على الرغم من إعلان الرفض القاطع من كلا البلدين على هذا المطلب، وهو ما أثار مخاوف عديدة في الشارع المصري من لجوء الإدارة الأميركية لفرض عقوبات على مصر من أجل الضغط عليها للقبول بتمرير التهجير.(القاهرة - المشهد)