يسود الهدوء في مقبرة مارتوبا خارج مدينة درنة الليبية، على الرغم من وجود العشرات من المتطوعين يرتدون بدلات بيضاء يسكبون الجير على التربة البنية لإغلاق القبور، والطوب الأسمنتي الذي يبرز من أكوام التراب كعلامة وحيدة على وجود مئات الجثث المدفونة تحتها، فيما تم حفر صفوف من الخنادق بطول عدة أمتار بواسطة الحفارات في انتظار الجثث التي لم تصل بعد.وفي حديث مع شبكة "سي إن إن"، قال محمد الشعراوي ويعمل مدير مدرسة وتطوع للعمل في مقبرة بلدته بعد الفيضانات التي ضربت درنة الأسبوع الماضي: نحن نجهز المكان بحسب الأرقام التي نسمعها، بحسب عدد القتلى وعدد المفقودين. يفترض أن المفقودين ماتوا، لا يسعنا إلا أن نأمل ألا تكون هذه الأرقام صحيحة. شاهدت العديد من الأصدقاء والزملاء وتعرفت على وجوههم بين الجثث التي كلفت بدفنها. في البداية، لم تكن الجثث التي تم جلبها إلى هنا مغطاة، وقد صدمت عندما رأيت أصدقائي. لقد كان الأمر صعبا للغاية.ضحايا فيضانات ليبياواستقبلت مارتوبا وهي واحدة من 3 مقابر مخصصة لضحايا الفيضانات، أكثر من 1000 جثة في الأسبوع الأول، وتم دفن الموتى في البداية في قبور مقسمة بالطوب الأسمنتي، كل منها يحمل 6 أو 7 جثث. وفي وقت لاحق، وصلت الجثث التي تم انتشالها من البحر، متحللة ومنتفخة، وسرعان ما أدرك المتطوعون أنهم بحاجة إلى مقابر جماعية أكبر، خصوصا عندما أصبح التعرف البصري مستحيلا. ويأخذ المسؤولون الآن عينات من الحمض النووي قبل الدفن، فيما أكدوا أن الجثث المدفونة من دون هذه الاختبارات في الأيام الأولى سيتم استخراجها لاحقا لإجراء اختبار الحمض النووي. مأساة درنةوسط أنقاض أحد الأحياء المدمرة في درنة نفس الصدمة العميقة والخسارة تثقل كاهل أكرم الكواش (54 عاما) الذي جلس على كومة تراب كانت في السابق منزل أخيه، وبعيون محمرة وسيل من الدموع يقول لـ"سي إن إن": "لقد فقدت أخي وأطفاله، كان هذا المنزل له، لقد فقدت كل منهم، لقد فقدت جيراني، لقد فقدت عالمي بأكمله، هذا هو منزله" يقول وهو يحمل حفنة من التراب ويسند ظهره على بقايا جدار منهار:"نحن نجلس فوقه". يحاول أن يتذكر آخر مكالمة أجراها مع شقيقه، قبل يومين من الفيضانات، وانفجر في البكاء بصوت عال، يغطي وجهه بيده، وتضغط أصابعه على عينيه.فقدت 25 فرداويقول عبد الله الشيخ (48 عاما) بوجه خال من التعبير ومخدر من الصدمة: لقد فقدت 25 فردا من عائلتي. عثرنا على 4 جثث فقط. لم أجد زوجتي، ولا أمي، ولا إخوتي، ولا أبناء إخوتي، ولا جيراني. هذه إرادة الله، إنها قاسية، لكننا نقبل ذلك. ولقي ما يقرب من 4000 شخص حتفهم في درنة بعد هطول الأمطار الغزيرة وانهيار سدين تسببا في فيضانات عارمة، وفقا لأرقام منظمة الصحة العالمية، وما زال الآلاف في عداد المفقودين. وقال مسؤولو الصحة إن أكثر من 2500 شخص دفنوا في الأيام الثلاثة الأولى بعد الكارثة، في محاولة لتجنب العدوى والأمراض، فيما كانت مستشفيات المدينة ومشارحها مكتظة وغير قادرة على التعامل مع تدفق الموتى. (ترجمات)